شهدت خمسينيات وستينيات القرن الماضي حالة من الرواج الكبير للتيار اليساري في مصر، وذلك قبل أن يختفي دوره في الحياة السياسية بشكل كبير في ظل تقدم حركات الإسلام السياسي ثم مجموعة من العوامل الاقتصادية والظواهر الحزبية الأخرى التي شبه قضت على وجوده حاليًا.
الزهو ثم التراجع
فخلال عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كانت تجربة اليسار المصري أكثر ثراءً، لأن السلطة السياسية الحاكمة للبلاد كانت تميل في ظاهرها إلى الاشتراكية، كما تميز خطاب النظام السياسي الناصري يغلب عليه الطابع الاشتراكي عبر التحدث عن أحلام الفقراء ومشاكلهم وهمومهم.
وفي السبعينيات بدأ التيار اليساري يلمع دوره عبر حزب التجمع بقائده خالد محيي الدين عضو مجلس قيادة حركة ضباط يوليو 1952، والذي التف حوله أجنحة الحركة اليسارية في مصر وصنع هالة شعبية حوله في فترة هزمت فيها مصر إسرائيل وكانت قوى اليسار رافضة لاتفاقية كامب ديفيد ليظهر دورًا قويًا لليسار المصري في هذه الفترة.
وخلال الـ 30 عامًا الماضية تحول مسار اليسار بشكل كبير، وأصبحت أحزاب التيار في حالة من الانعزال عن الوسط الشعبي، و كانات مقراتها، بعيدًا عن الانخراط في الأوساط الشعبية والسياسية، ولم يصل معظم قياداتها إلى مجلس النواب إلا القليل جدًا منهم، بل وصل الأمر بهم إلى أن أصبح بعض قياداته مولاة للسلطة الحاكمة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، حتى قدوم ثورة يناير والتي لم يكن لأحزابه دور يذكر فيها لدرجة أنها كانت مرفوض وجودهم من بعض قوى الثورة.
يناير والعودة من جديد
وعقب ثورة يناير بدأت تطفو على السطح الأحزاب اليسارية من جديد عبر الاشتراكيون الثوريون الذي لعب دور التنيظم في ثورة 25 يناير، كما أنه شارك في حملة تمرد ضد حكم الإخوان المسلمين، و الحزب الاشتراكي المصري الذي تأسس على يد مجموعة من اليساريين في عقب ثورة 25 يناير، حزب الكرامة الذي تأسس في 1997 وظهر بشكل واضح في أعقاب ثورة 25 يناير.
وظهرت بعد ذلك موجة حزبية جديدة تزعمها حمدين صباحي المرشح الرئاسي الشهير والذي أسس تيار الكرامة بالتعاون مع حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الذي كان تيارًا منشقًا داخل حزب التجمع، حيث تكون بسبب مناوشات كانت دائرة بين بين الموالين للأمن والسلطة، والذين تمسكوا بأفكار اليسار كاملة، وكانت النتيجة طرد الأخير، والاستحواذ على الحزب كاملاً.
الانحسار من جديد
وخلال السنوات التي تلت ثورة يناير كان التيار اليساري في مصر في حالة من النشاط على الساحة السياسية لكنه في نفس الوقت كان يعاني من أزمات متعددة بسبب أطيافه بين الاشتراكية والشيوعية والناصرية، حتى أتت ثورة 30 يونيو وكان له دورًا كبيرًا فيها، لكننا نستطيع القول أنه اختفى فعليا عقب تلك الثورة.
هذه الاختفاء تبعه رحيل رموز كبير في اليسار على رأسهم رفعت السعيد رئيس حزب التجمع وخالد محي الدين مؤسس الحزب وحسين عبدالرازق ونبيل ذكي وغيرهم من قيادات اليسار في مصر، الأمر الذي نتج عنه حالة كبير من التردي في أوضاع اليسار المصري، ولم يتبقى على الساحة حاليًا إلا حمدين صباحي قائد تيار الكرامة والذي تحول إلى مجرد بوق للبيانات والشجب دون المشاركة الفعلية على الأرض.
تخبط وأفكار بالية
وخلال الأيام الماضية كتب التيار شهادة وفاته فعليا عقب خروجه ببيان حمل الكثير من المغالطات كشف فيه عن نيته تجميد عمله ونشاطه الحزبي، ذلك النشاط الذي كما ذكرنا سابقًا لم يكن موجودًا من الأساس، مرجعًا ذلك لأسباب عدة على رأسها خنق المجال العام، حيث قال في بيانه: "تيّار الكرامة سيبحث مع شركائه في الحركة المدنية والتيار الديمقراطي فكرة تجميد النشاط الحزبي وإعلان موقف جماعي، في حال استمرار السياسات الاستبدادية التي يمارسها النظام الحالي ضد القوى المدنية والسياسية".
لكنه عاد من جديد وتراجع عن هذا القرار، حيث قال المهندس محمد سامى رئيس حزب الكرامة أن كل ما قيل عن تجميد حزب الكرامة لنشاطه هو مجرد مناقشات تدور داخل اروقة الحزب وأنه كرئيس للحزب يحترم كافة الأراء، مؤكدا انه ليس من سلطة رئيس الحزب أو مكتبة السياسي اتخاذ قرار من هذا النوع دون الرجوع لقواعد الحزب متمثلة فى مؤتمره العام، لبيبن الأمر مدى حالة التخبط التي يعيش فيها الحزب وتيار الكرامة والتي تعكس حالة التيار اليساري المصري بأكمله.
حزبيون أكدوا أن افكار اليسار لم تعد تتماشى مع طبيعة العصر الحالي، مؤكدين أن العالم تغيير بشكل كبير خلال السنوات الماضية الأمر الذي يتطلب ضرورة تغيير أفكار اليسار المصري حتى تتماشى مع الوقت الراهن، مؤكدين أن حزب التجمع المصري هو الأجدر فذ هذه المرحلة على حمل هذه المهمة على كتفه وتوحيد جهود اليسار المصري بأكمله من جديد.
مجدي مرشد عضو مجلس النواب، وأمين ائتلاف دعم مصر السابق، قال إن التيارات اليسارية على مستوى العالم تعاني في الوقت الحالي من حالة من الانحسار، مؤكدًا أن الأمر ليس في مصر فقط ، وذلك على الرغم من أنهم لديهم الكثير من الأفكار العظيمة والمبادىء السامية.
الوسط يسيطر عالميا
وأرجع مرشد السبب في ذلك إلى أن الاتجاه الاشتراكي البحث أو اليساري البحت أو الاتجاه اليمني البحت أو الرأسمالي البحت كلاهما فشل على المستوى العالمي في القيادة، كاشفًا أن هناك اتجاه عالمي جديد وهو الوسط.
وتابع عضو ائتلاف دعم مصر: "من الممكن أن تكون يمين وسط أو يسار وسط، لكن اليسار البحت واليمين البحت أثبتوا فشلهم" مشددًا على أن الأحزاب اليسارية أن تتجه قليلًا إلى الوسط وعلى الأحزاب اليمينة أن تتجه قليلًا إلى الوسط.
وذكر النائب البرلماني أن التيار يساري في الوقت الحالي لديه ملامح وخطوط واضحة قد لا تتناسب مع المجتمع الذي نعيشه لكنها موجودة منذ قديم الأزل ولا تتغير، مكملًا: "إذا دخلت في نقاش مع أحد رواد هذه التيار ستجد هذه الأفكار موجودة وواضحة، لكن عدم تناسقها أو اتساقها مع المجتمع والعصر الذي نعيشه هو ما جعلها غريبة فجعلها أفكار غير مطبقة وغير واقعية".
التجمع يستطيع القيادة
فيما قال الدكتور صلاح حسب الله، المتحدث باسم البرلمان، ورئيس حزب الحرية المصري، إن التيار اليساري المصري في الوقت الحالي في حاجة شديدة إلى ضرورة التوحد من جديد، معتبرًا أن حزب التجمع هو الوحيد القادر على قيادة صف اليسار في مصر خلال المرحلة الراهنة.
وأضاف رئيس حزب الحرية المصري أن الكادر السياسي النائب سيد عبدالعال رئيس حزب التجمع لديه المؤهلات اللازمة للقيام بهذه الحركة، مشيرًا إلى أن حزب التجمع يمتلك في المرحلة الراهنة خطاب سياسي متميز، إضافة إلى أنه يمتلك في نفس الوقت إيمان كبير بمبادئه الأمر الذي يجعلهم قادرين على أن يجمعوا كل الأحزاب المنتمية إلى اليسار.
وذكر حسب الله أن الحياة النيابية في مصر في حاجة ماسة إلى تشريع جديد بحيث يكون عتبة للأحزاب لدخول مجلس النواب، مضيفًا: "الحزب الذي لا ينجح في الحصول على مقاعد في البرلمان لـ 3 مرات متتالية يتم حله، فلا يصح أن يكون هناك حزب في الحياة السياسية له فترة كبيرة ولم يدخل مجلس النواب ولا مرة".