عانت المنظومة الصحية منذ عقود سابقة، من الفساد والأهمال مما أثر بالسلب على تقديم الخدمة العلاجية للمريض، وفي ظل الإجراءت التي تقوم بها الدولة لإصلاح المنظومة الصحية، أعلن مجلس الوزراء، عن عدة إجراءات للتطوير، بالتعاون مع وزراة التعليم العالي، منها تطوير المستشفيات الجامعية، وتوفير الدراسات العليا لخريجي كليات الطب، والتوسع في إنشاء كليات الطب البشري، كما وجّه رئيس الوزراء إلى دراسة تخريج دفعات استثنائية من خريجي كليات الطب، في ظل العجز الشديد الذي تواجهه الدولة حاليًا في أعداد الأطباء، وزيادة أعداد الطلاب المقبولين بكليات الطب.
ولم تنتهي إجراءات إصلاح المنظومة الصحية، على إنشاء كليات طب جديدة بالجامعات الحكومية والخاصة، فحسب بل أعلنت وزارة التعليم العالي، أن هناك نظاما جديدًا للدراسة بكليات الصيدلة يطبق بدءًا من العام المقبل.
نظام جديد للدراسة بكليات الصيدلة
ويرتكز النظام الجديد على أن تكون درجة "بكالوريوس دكتور صيدلي، هي الدرجة الجامعية الأولى المؤهلة لممارسة المهنة بعد اجتياز الاختبار القومي، واستبدال درجة بكالوريوس الصيدلة الحالية، بدرجة بكالوريوس دكتور الصيدلى، وتشمل 5 سنوات دراسية وسنة تدريب كاملة "امتياز" في مواقع العمل
نظام التعليم الطبي
"بلدنا اليوم" تواصلت مع المختصين في المجال للحديث عن أهم التحديثات التي طرأت على نظام التعليم الطبي في مصر، وهل سيسهم قرار زيادة أعداد كليات الطب ، وتغيير نظام الدراسة بكليات الصيادلة في إصلاح منظومة التعليم الطبي في مصر.، وكيف سيتم إنشاء كليات جديدة ، رغم زيادة أعداد الخريجين بسوق العمل
يقول الدكتور أحمد عبيد، أمين صندوق نقابة الصيادلة، إن قرار تغيير نظام الدراسة في كليات الصيدلة الذي وافق عليه مجلس الوزراء، ونشر بالجريدة الرسمية الأيام الماضية، سيتم تطبيقه فعليًا العام المقبل، مشيرا إلى أن نظام الدراسة الجديد في كليات الصيدلة، وفقا للقرار الجديد سيشمل زيادة عدد سنوات الدراسة من 5 سنوات إلى 6 سنوات، والسنة التي تم زيادتها سيطلق عليها سنة الامتياز، مشيرا إلى أن الهدف من جعل الدراسة 6 سنوات هو أن عدد سنوات الدراسة تعد أحد معايير تطبيق نظام كادر المهن الطبية، ولمواكبة التطورات العالمية في مجال التعليم الصيدلي.
وأضاف، أمين الصندوق، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، أن النقابة ليس لديها أي اعتراض على التطوير ولكن من الأولى أن يتم النظر في أعداد الخريجين، متسائلا: كيف سيتم التطوير في ظل الأعداد الكبيرة، وكيف سيتم توفير معامل لكل هذه الأعداد للتدريب، منوها إلى أن عدد الخريجين سنويا يصل لـ14 ألف صيدلي، وعدد الصيادلة الموجودين في مصر يبلغ 4 أضعاف المعدل العالمي، وأنه في عام 2015 كان يوجد صيدلي لكل 460 مواطن.
قرار صائب
وصف الدكتور أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، قرار تغيير نظام الدراسة بكليات الصيادلة وجعلها 6 سنوات بدلاً من 5 سنوات، بأنه قرار صائب، ولكنه تأخر كثيرًا، مشيرا إلى أن المشكلة الأكبر هي عدم وجود رؤية واضحة بشأن الموائمة بين أعداد الخريجين، واحتياجات سوق العمل.
ولفت "رستم"، إلى أنه لا يجوز أن يكون هناك صيادلة يعانون من البطالة وفي الوقت نفسه يوجد عجز في الأطباء البشريين، فهذا يدل على أن هناك سوء تخطيط ، حيث أنه في عام 2019 كان هناك نحو 250 ألف صيدلي والبلد تحتاج لـ100 ألف فقط وهناك 250 ألف طبيب والبلد تحتاج لـ400 ألف طبيب، فهذا أمر غير جائز.
وأوضح أنه مع تطبيق النظام الجديدة، فإن أعداد الخريجين ستقل تدريجيا مع الوقت، حتى نصل للعدد المرغوب فيه والذي يلائم احتياجات سوق العمل، مشيرًا إلى أن النظام القديم لم يكن به عيوب وإنما المشكلة تعد في الكادر فلذلك تم وضع سنة الامتياز حتي يتم معاملة الصيدلي مثل الطبيب، ويشمله الكادر، ويتم تكليفه فور التخرج.
وأشار إلى أن مهنة الصيدلة لكي يتم تطويرها لابد أن يتم تحجيم أعداد الخريجين، فهناك عشوائية في إنشاء الكليات، ولأبد من تطوير منظومة الصيدلة الإكلينيكة كعلم هام جدًا في مستقبل صناعة الدواء، فهي لا توفر أموال للبلد فقط ولكن تحمي المرضى من أعراض جانبية جراء خطورة استخدام الدواء، كما تطور بيئة العلاج الموجه.
إصلاح المنظومة
وحول رد المجلس الأعلى للجامعات بشأن الجدل المثار، قال الدكتور حسام عبد الغفار، الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للجامعات، أن هدف الحكومة من زيادة أعداد كليات الطب الخاصة والحكومية، هو حل مشكلة نقص أعداد الأطباء بالمستشفيات، نظرًا لأن هناك نقص شديد في أعداد الأطباء بالمستشفيات.
وتعليقا على ما يثار بأن حل أزمة نقص الأطباء، ليس فقط بزيادة الأعداد وإنما بإصلاح المنظومة الصحية، أكد "عبد الغفار" لـ"بلدنا اليوم"، أن الحكومة تعمل في الاتجاهين، إصلاح منظومة التعليم الطبي، وإصلاح المنظومة الصحية، فسيتم الإهتمام بتحسين بيئة العمل وتطوير المستشفيات، ومنع هجرة الأطباء، وفي نفس الوقت ستعمل الحكومة على زيادة أعداد الخريجين، متسائلاً: "ما المانع من تحقيق الأمرين معا؟"..
وأضاف "عبد الغفار"، أنه سيتم تفعيل قرار وزارة التعليم العالي، لتتغير نظام الدراسة في كليات الصيدلة، فبدلاً من الاعتماد على الشهادات المعتمدة ، سيتم استبدال نظام الدراسة، بـ6 سنوات بدل من 5 سنوات دراسة، وإقرار سنة إمتياز يتم من خلالها تدريب الخريجين على العمل الصيدلي، سوا فى المستشفيات او المصانع، أو في مجالات صناعة الدواء.
وأكد الأمين العام المساعد، إن الهدف من تغيير نظام الدراسة في كليات الصيدلة، هو تطوير التعليم الصيدلي وجعله مواكب لنظم الدراسة العالمية، مشيرا إلى أن وزارة التعليم العالي، لديها توجه لتقليل اعداد خريجي الصيدلة بنسبة 25%، جراء تطبيق هذا القرار .
وأشار "عبد الغفار"، أنه وفقا للمعدلات العالمية، هناك جامعة لكل مليون موطن، ولدينا الأن 27 جامعة حكومية و27 جامعة خاصة، مقسمه على 100 مليون مواطن، لذا نحن نحتاج إلى 40 جامعة، جديدة، وحول الجدول الزمني لإنشاء الكليات الجديدة ، أكد أن هناك بعض الجامعات تم الإنتهاء من أوراقها، وأخرى لا تزال قيد المناقشة، فالجامعات التي يتحقق منها الشروط سيتم الموافقة عليه .
احتياجات سوق العمل
وعلى الجانب الأخر يؤكد الدكتور محمد عز العرب، رئيس قطاع التعليم الطبي، بمركز الحق في الدواء، إن الدراسة في كليات الصيدلة لابد أن تتواكب مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل والملاحظ أن هناك أزمة في أعداد الخريجين ، فالعدد أزيد من الاحتياجات المطلوبة، وعدد الصيدليات وصلت لـ70 ألف، والصيدليات العاملة بالفعل لاتتجاوز 55 ألف صيدلية.
وأضاف "عزب العرب"، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، أن العالم كله يتجه للصيدلة الإكلينيكية، لمواكبة التطورات العالمية، وأن القرار الجديد بتغيير نظام الدراسة في كليات الصيدلة، لصالح المهنة ولصالح المريض، فلم يعد المجتمع بحاجة إلى الصيادلة الذين يبيعون الدواء داخل الصيدليات فقط، ولكن نحتاج إلى الصيدلي الإكلينيكي، ولذا طالبنا بتمرير قانون مزاولة المهنة، ورغم أنه تأخر إلا أنه تواكب مع قانون إصدارالهيئة العليا للدواء حفاظا على صحة المواطن.
وأوضح أن الكثير من الخريجين لا يجدون فرص عمل، فيضطرون للعمل كمندوبين في شركات الأدوية، ولذا يجب أن تواكب الأعداد احتياجات سوق العمل.
وحول توجه الحكومة بإنشاء كليات طب جديدة بالجامعات الحكومية والخاصة، يؤكد أن النقص في كوادر الأطباء دفع وزارة الصحة، بإنشاء كليات جديدة، منوها إلى أن الحل ليس فقط إنشاء كليات طب جديدة، وإنما البحث عن الأسباب التي دفعت الأطباء للهجرة، مع الاهتمام بزيادة رواتب الأطباء وتحسين بيئة العمل.
الكليات الخاصة هدفها البيزنس
انتقد الدكتور حسين خيري، نقيب الأطباء، اتجاه الحكومة في الفترة الأخيرة، لإنشاء كليات طب جديدة، حيث قال إنه يرفض تماما إنشاء كليات طب خاصة، لأنه لا يوجد كلية طب خاصة لديها مستشفى جامعي للتدريب، مضيفا، أتحدى أن يكون هناك جامعة خاصة بها مستشفى لتدريب الأطباء، رغم أن التعليم الطبي شرطه الأساسي وجود مستشفى، لتعليم الأطباء وتدريبهم.
وأشار نقيب الأطباء في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، أن اشتراك المستشفيات الجامعية في تدريب طلاب كليات الطب الخاصة، أمر غير مقبول ، فلا يمكن استخدام موارد المستشفيات الجامعية الحكومية في تدريب طلاب كليات الطب الخاصة، وترك خريجي الكليات الحكومية دون تدريب.
وأضاف نقيب الأطباء، أننا لسنا بحاجة لأعداد كبيرة من كليات الطب الخاصة، إنما نحن بحاجة لتطوير الخدمات وتوفير الدواء وتدريب الخريجين، والنظر في مرتبات الأطباء، ومنع حالات التعدي على المستشفيات، منوها إلى أن الأطباء في سنة الامتياز يحصلون على 400 جنيه في الشهر خلال سنة التكليف ، ولا يوجد لهم سكن مناسب، كما أن راتب الطبيب بعد تخرجه يصل لنحو 2000 جنيه.
وأرجع نقيب الأطباء، أن "البيزنس" هو السبب في اتجاه الحكومة لإنشاء كليات طب خاصة ، منوها إلى أنه من الأفضل رفع مستوى كليات الطب الحكومية، موضحا أن الإدعاء بأن سد العجز الدافع من إنشاء كليات جديدة، أمر غير صحيح فسد العجز لن يتحقق إلا بعد تخرج الدفعة الاستثنائية، والتي تستغرق عدة سنوات، ونحن بحاجة لسد عجز الأطباء في الوقت الحالي، والذي لن يتحقق إلا بتحسين بيئة العمل وتقليل هجرة الأطباء.
ولفت إلى أن هناك إحصائية لعدد الخريجين سنويًا تقدر بنحو من 5: 10 آلاف خريج سنويًا، وتم تقليلهم لـ8 آلاف، ونصفهم لا يجدون فرص للدراسات العليا التي تؤهلهم لاكتساب مهارات المهنة.
سوق العمل
قال الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية، إن عدد الخريجين بكليات الصيدلة، أصبح أكبر بكثير من المطلوب لسوق العمل، كما أن الدول العربية لم تعد تستعين بالصيدلي المصري وباتت تكتفي بخريجيها، ما تسبب في تخمة في أعداد الصيادلة
وأضاف "عوف" في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، أن التعليم الصيدلي في مصر وصل لمرحلة غير مرضي عنها، منوها إلى أنه إذا كان هناك توجه لتطوير مهنة الصيدلة لإعداد جيل متمكن، قادر على المشاركة في الصناعة الدوائية، فيجب تطبيقه على الفور.
وأضاف رئيس شعبة الأدوية، أن السنة السادسة التي تم الإعلان عن إضافتها بتعديل نظام الدراسة بالصيدلة، هي سنة الامتياز سيتم من خلالها الاهتمام بالتطبيق العملي وتحديد التخصص وتوفير دورات تدريبية للطلبة، كما سيتم إعدادهم للدراسات العليا، موضحا أنهم ليس لديهم علم حتى الآن كيف سيتم تطبيق القرار على أرض الواقع بدء من العام المُقبل.