لا يغيب عن خاطر الدكتور صلاح سعيد، استشاري أمراض القلب بمستشفى هينجلو بهولندا، مشهد تنظيفه لمزارع العنب من الحشائش الزائدة، في قريته بالقليوبية، وتناول ساندويتش الفول والحلاوة، مع فريق الكشافة، الذي شكّل شخصيته منذ الصغر وجعل منه شخص مختلف، يؤمن بالعمل الجماعي التطوعي، والاعتماد على الذات، ما أهلّه إلى نيل وسام الاستحقاق الملكي من الدرجة الأولى من الملك الهولندي فيليم ألكساندرا.
كان سعيد، طالب متفوق خلال دراسته الثانوية، والتحق بكلية الطب جامعة الأزهر عام 1975، واجتهد حتى أنهاها وسافر إلى دولة هولندا لاستكمال دراسته وتخرج في جامعة هينجلو بهولندا عام 1982، وقال: "تسلمت العمل في مستشفى هينجلو، وخلال دراستي تعلمت اللغة واستطعت أن أتنقل في الوظائف المختلفة حتى أدفع مصاريف دراستي، وأرسل لأهلي في القاهرة، فكنت أؤمن أن العمل والمثابرة سبيل الناجحين للوصول إلى أعلى المراتب"، بحسب استشاري القلب لـ"بلدنا اليوم"، من هولندا.
استطاع أن يثبت نفسه بجدارة في مجال أمراض القلب، معتزاً بمصريته وفخور بهُويته التي كان لها عظيم الأثر في حثّه على استغلال وقت فراغه لعمل الخير، "المجتمع في هولاندا، فجّر نواة الخير التي ترعرعت عليها، فهنا الجميع يعمل في التطوع، سواء أطفال أو كبار، وبانكار كامل للذات بدون انتظار أي مقابل، وهو ما حفّزني على التفكير لخدمة القارة الأفريقية، وبدأنا بمصر".
وعمل سعيد، خلال سنوات وجوده في هولندا، على إشباع ذاته بالعمل الخيري، حاملًا على عاتقه مسئولية المحرومين، فكان يسافر بقلبِ كبير حاملًا حقيبته الصغيرة التي تحتوي على مبضع ومشرط ليداوي آلام المرضى، كما ساعد على إرسال سيارات إسعاف للمناطق النائية بمصر، وفرق طبية متخصصة في علاج أمراض القلب سواء عمليات جراحية أو تدخل بقسطرة طبية لزرع دعامات وتوسيع للشرايين، وأخرى في مجال طب النساء والولادة، وجراحة الأنف والأذن والحنجرة، والعيون.
لم ينتظر استشاري أمراض القلب، مكافأة من أحد نظير أعماله الخيرية، حتى جاءت مكافأته الربانية على هيئة تكريم نال خلاله الوسام الملكي من الملك فيليم ألكساندرا، تشريفًا وتتويجًا لعمله في أمراض القلب، ولعمله التطوعي، معربًا عن فرحته لذلك "غمرتني البهجة كوني واحد ضمن 4 مصريين تم تكريمهم لأعمالهم الخيرية، وهو ما يثبت أن مصر باستطاعتها إنجاب أبناء قادرين على المنافسة عالميًا".
حصدت مصر، المرتبة الأولى فيما يقوم به الدكتور صلاح سعيد، من مجهود تطوعي، فعمد إلى إرسال فرق طبية لتعليم الممرضات والعاملين في المستشفيات المختلفة الإنعاش الرئوي والقلبي، لافتًا إلى أن الأمر مقتصرًا على تبادل الخبرات بين الأطباء على الجانبين المصري والهولندي، وليس نقل كامل للنظام الطبي لأن تطبيقه في مصر يحتاج إلى تغيير ومجهود كبير، _على حد قوله_.
"نسافر إلى مصر مرتين أو 4 مرات في العام، بقافلة طبية كاملة من أطباء مصريين وهولنديين وألمان، تقوم السفارة المصرية مشكورة بتقديم التأشيرات المجانية لهم، ونظل إسبوع كامل نجري فيه عمليات قلب مفتوح وتركيب دعامات للمرضى غير القادرين بدون أي مقابل".
وكان فرع مستشفى بهيّة في الجيزة، أولى المبادرات التي قام الدكتور صلاح سعيد لدعم ما تقوم به من مجهودات، فدعا إلى حفل عشاء خيري لجمع المال من أجلها، "استطعنا جمع مبلغ 150 ألف جنيه، لبهيّة وتم عمل غرفة أسموها غرفة المصريين المغتربين في هولندا"، معلنًا عن أن المباردة القادمة ستكون لخدمة مستشفى سرطان الأطفال في الصعيد.
وطالب سعيد، أن تنتهج الجاليات المصرية في الخارج، نهج فريقه الطبي، بحيث تُخصّص الجاليات في الدول المخلتفة إسبوع تطوعي في العام لخدمة المواطنين في مصر بمجالات مختلفة، نظرًا لأن تبادل الخبرات أمر هام للغاية.
ووجد استشاري القلب، أن مفهوم العمل التطوعي في مصر ينقصه الكثير: "يجب أن نغرس حب العمل الخيري في نفوس أطفالنا، ونبدأ في تأصيل معنى خدمة المجتمع الذي يحيط بهم، فنمدهم بالمكانس والجوانتيات لتنظيف مدارسهم، حتى ينشأوا على مفهوم العمل التطوعي، بدون انتظار مقابل".
ورأى أن ما تقوم به وزارة الهجرة في تجميع الكيانات المصرية، والإعلان عن المبادرات لتعزيز الانتماء لدى أبنائهم من الجيل الثاني والثالث، تؤتي ثمارها، مطالبًا أن تكثّف تلك المبادرات وتنشرها بين الجاليات بوقت كافي، ليستطيعوا السفر لمصر والمشاركة للخروج بنتيجة مرضية، تساعد على بناء جسور مبنية بين الجاليات ووطنهم الأم.
واعتبر سعيد، مؤسسة "مصر تستطيع"، أمرعظيم يعود بالنفع على مصر، من خلال علمائها، معربًا عن تنميه الانضمام إليها، "أتمنى خدمة بلدي والتعاون مع علمائها في الخارج، مادام هناك بُنية تحتية تضمن استمرارية العمل، من خلال آليات للوصول للهدف المنشود".
وثمّن الدور الذي يقوم به الدكتور مجدي يعقوب، من خلال المستشفى الخاص به، في جراحات قلب الأطفال، معربًا عن استعداده في التعاون معه لمساعدة المرضى في مصر، متمنيًا أن يكون هناك ألف مؤسسة في جميع المحافظات لعلاج الأطفال والكبار، للتخفيف عنهم من مشقة السفر للقارهة أو أسوان.
ووجه صلاح سعيد، رسالة إلى شباب مصر، قائلاً: "يجب عليهم الاهتمام بالدراسة والعمل الجاد، وتقدير روح الفريق ونبذ "الأنا"، حتى يستطيعوا المنافسة بسوق العمل، وتجهيز أنفسهم ليكونو كفء يثبتون أنفسهم في في البلاد المختلفة، والوصول باسم مصر للقمة".