تثير قضية إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على التنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية الخاصة بقبرص، تساؤلات حول لجوء حكومة "العدالة والتنمية" لذلك كوسيلة لإسكات الرأي العام التركي، بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي غرقت فيها البلاد، وللتغطية على الخسارة الأخيرة للحزب في الانتخابات البلدية.
وأدانت قبرص، مؤخرا في بيان رسمي، إقدام سفينتين تركيتين وهما "يافوز" و"فاتح" في الأشهر الأخيرة على التنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحلها، الأمر الذي دفعها للقول بأنها تتعرض إلى "انتهاك للسيادة".
ويأتي التنقيب التركي عن الطاقة شرقي المتوسط، في وقت تواجه العلاقات الأميركية- التركية توترا متزايدا، بسبب تصميم أردوغان على استكمال صفقة نظام الدفاع الجوي الروسي" إس 400"، مما ينذر بتعرض بلاده لعقوبات أميركية قد تعصف بالاقتصاد التركي، المتدهور أصلا، بسبب سياسات أردوغان الداخلية.
وفقدت الليرة التركية، الاثنين، 2 في المئة من قيمتها، بعد أيام من عزل أردوغان محافظ البنك المركزي، بسبب الخلافات بينهما بشأن توقيت خفض أسعار الفائدة لإنعاش الاقتصاد الذي أصابه الركود.
وفي ظل هذه التطورات والأرقام الاقتصادية القاتمة في البلاد، يبقى السؤال المطروح لماذا يقدم أردوغان على مغامرة في المتوسط قد تزيد أعباء بلاده؟
سلسلة أسباب
من الواضح أنه بعد الاكتشافات النفطية الكبيرة في المتوسط، يبدو أن هناك حلفا تشكل في المنطقة للتركيز على قطاع الطاقة، ويضم كلا من قبرص واليونان ومصر، وأن تركيا تسارع إلى إرسال سفن التنقيب عن النفط في محاولة لحجز حصتها من هذه الاكتشافات.
وتحاول أنقرة ابتزاز أوروبا، عبر إجبارها على مرور خطوط الغاز في المتوسط عبر المياه الإقليمية التركية أو أراضيها.
وتصدم المحاولات التركية، للتنقيب عن النفط بعقبات عدة، أبرزها أنها مخالفة للقانون الدولي، إذ تجري في مياه دولة لا يعترف بها أحد سواها، وهي جمهورية قبرص الشمالية.
ومن المؤكد أن الخطوات التركية الأخيرة، تفتح الباب أمام مواجهة جديدة، خاصة أن الأمر يتعلق بمادة حيوية هي الطاقة، فالأوروبيون هددوا بفرض عقوبات على أنقرة.
والحقيقة أن طبيعة النظام التركي الذي يقوده أردوغان لا يستطيع أن يعيش دون مشكلات، إما داخلية من أجل ترتيب البيت الداخلي لحزبه، أو خارجية لصرف أنظار الأتراك بعيدا إلى الخارج وإظهار أردوغان بمظهر المدافع عنهم.
وتصر تركيا على أنها لن تسمح لشركات الطاقة بالقيام بأنشطة التنقيب والإنتاج في سواحل جمهورية شمال قبرص، غير المعترف بها دوليا.
وتقول أنقرة، إن قطاعات معينة من المنطقة البحرية قبالة قبرص، المعروفة باسم "المنطقة الاقتصادية الخالصة"، تقع تحت سيادتها أو سيادة القبارصة الأتراك، فيما يعرف بـ"الجرف القاري" لتركيا.
ماذا يقول القانون الدولي؟
ويؤكد خبراء في القانون الدولي أن تركيا لا تدافع عن حقوقها في شرق المتوسط، بل تدافع عن حقوق الجيب الانفصالي، الذي لا يعترف به أحد غيرها.
وجمهورية شمال قبرص التي أقيمت عام 1974 بعد الغزو العسكري التركي، لم تعترف بها الأمم المتحدة أو دول أخرى، كما أن تركيا غير موقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 التي تنظم كافة المسائل المتعلقة بالبحار، وتحديدا تعيين الحدود بين الدول، علما أن دولا عديدة في شرق المتوسط قد وقعت على هذه الاتفاقية.