رغم قسوة الحياة عليهم وتركهم ضحايا لخلافات عائلية، إلا أن موهبتهم التي دفنت بداخلهم لم تتركهم، فلا تعترف المواهب بكل أشكالها وأنواعها بالعمر أو النوع أو اللون، لذلك استطاع عدد من الفتيات أن تسطع شموسهم وسط المواهب الفنية المتعددة.
وتمثل الموهبة تميزًا ملحوظًا عند أحد الأشخاص في جانب معين أو أكثر من مجالات الموهبة، وعادةً ما تكون مصحوبة بقدر مناسب من الابتكارية التي يتمكن ذلك الشخص بموجبها من تقديم أفكار جديدة وحلول جديدة لمشكلات قائمة.
في دار فتيات العجوزة، التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، تجد أطفال لديهم مواهب متنوعة بين الرسم والسباحة والعوم والقراءة وأخرى الرقص المعاصر، لم يجدن من يمد لهم يد العون، وينمي طاقتهم الإبداعية التي حرموا منها منذ أن تركهم أبيهم يعيشون وحيدا في الشارع.
احتضان الأطفال لهم بعدما تركهم الأهالي مشردون في الشوارع، أصبح البيت الأول لهم، حيث استطاعت دار الرعاية أن تحتضن عدد من الفتيات بعدما اكتشفت مسؤولة الدار موهبتهن التي تدفن بداخلهن، و تنمية مواهبهن في العديد من المجالات المختلفة.
وأصبح الدار لهم ليس مجرد مأوى يضم بين جنباته أطفال فقدوا الأسرة بسبب الموت أو التفكك، ولكنها أصبحت مؤسسات تربوية متكاملة مجهزة بشكل أفضل من ذى قبل، تواكب التطور التنموي.
حكايات عديدة داخل الدار مليئة بالحزن والأسى من ناحية، وفي الوقت ذاته تشعر بالسعادة عند الاستماع للأطفال الموهوبين.
من الكويت لـمصر: وجدت "هدي" من ينمي مواهبها المدفونة
هدى مصطفى إبراهيم، 16عاما، في الصف الأول الإعدادي، اختلفت منذ طفولتها عن أقرانها الصغار من الفتيات، بفقدانها أسرتها التي قرروا أن يتركوها وحيدة بعيدة عن أعينهم، بعدما أن عاشت 4سنوات في دولة الكويت، من أجمل أيام حياتها، حسبما روت هدي.
ميولها لممارسة هوايتها المفضلة، كان الهاجس الأول منذ الصغر، ففى الوقت الذى يلهو فيه رفاقها ويمرحون بالشارع، كانت تعشق"هدى" السباحة بشغف، وبالفعل
استثمر والدها موهبتها، بأن قام بالاشتراك لها في أكاديمية لتعليم السباحة في دولة الكويت، ولم لا فهي البنت الأصغر له، ليصقل مهاراتها وتصل حد الاحتراف، إلا أنها واجهت عقبات كثيرة منعتها من تحقيق حلمها، وتتحول حياتها من الجنة التي كانت تعيشها مع والديها، إلى العيش في النار وسط الذئاب البشرية المنتشرة في الشوارع.
خلافات عائلية، كانت سببا أن تتفرق الأسر، وتعيش تلك الأسرة الجميلة، بعيدة عن أهلها، كما كانت سببا أن يتحول الأب الحنون إلى الأب الجاحد الكاره لأولاده، حيث طلب والدها من ابنته "هدى" أن تجلس مع أعمامها في مصر، بعد ان انفصلت والدتها عنه.
وتبدأ مأساة"هدي" بتواجدها مع بيت أعمامها، فلم تجد أحد يهتم بها أو ينمي موهبتها، وكل ما وجدته عندما كانت تتوسل إلى عمها، أن يذهب معها لإشراكها في نادي قريب من البيت تتعلم فيه السباحة، استنكار ممارستها السباحة، من قبل الجيران والناس وأولاد عمها، لكنها أخذت منه حافزًا، واستكملت مشوارها بإصرار،
بأن تترك بيت عمها، وتتوجه لدور فتيات العجوزة للعيش هناك.
"هدى" ربما كان من حظها السيئ كما تقول، أنها منذ دخولها الدار لم تجد فتيات بالدار لديهم موهبة السباحة، الأمر الذي كان يصيبها بالاحباط وتتراجع، إلا أنها وجدت مسؤولة الدار تمد يد العون له، وأخواتها بالدار يشجعونها على التقديم في تلك الموهبة.
تحكي الفتاة قائلة، وجدت في الدار الأم والحياة، وبرغم عشقى للسباحة، عشقت الرسم، حيث استطاعت مسؤولة الدار أن تنمي موهبة الرسم وتحييها من جديد، فقد كنت أحب الرسم، لكنه لم يخطر ببال أحد من والدى أن ينميها، وظننت أنني لم أحقق حلمي.
وتختتم «هدى» حديثها: «بابا علمنى المسئولية منذ صغري، والسباحة زادتنى صبرا وتحملا أكثر، وبما أننى وجدت القسوة من أقاربي، وحرماني من حضن أمب، فأنا أتحمل مسؤولية نفسي، بمساعدة كل المسؤولين في دار الرعاية، وما يقدمونه لي من معاملة حسنة، مضيفة أن الدار تقوم بتنمية مهارة الرسم لديها من خلال كورس تدريبي مع فتيات الموهوبين في الرسم مثلي".
"شيماء" في الدار اكتشفوني.. والوزيرة حننت علينا
شيماء عادل، 17عاما، الصف الثاني الابتدائي، ضحية الانفصال بين الزوجين، وعلى غرار ذلك بدأ كل من الزوجين في تشويه صورة الاخر أمامها، في وقت كانت بحاجة إلى حنان الأبوين لا أحدهما .
طفلة صغيرة لا تدري ما سيحل بها بعد ذلك، عاشت معهم كأنها ترقد في أحضان أبويها ، لكنها حرمت من كلمة ماما وبابا، بسبب المشاكل والخلافات التي لم تنقطع طوال الوقت، عاشت 10 سنوات في عذاب معهم، لم تشعر بمعني الطفولة كبقية الأطفال.
انفصل والدا شيماء، وهى تبلغ الـ 10 أعوام، و منذ تلك اللحظة تركت شيماء المنزل، نظرا لانشغال والدتها بزوجها الثاني، الذي دائما ما كان شديد الإلحاح على والدتها يطلب منها أن تتركني مع والدي، لأنه كان يرفض العيش في وسطهم.
ذئاب مفترسة في هذه الحياة، وجدتها شيماء، فلا والدها يريدها أن تكون بين يديه، بل يتمنى لها الموت ليرتاح منها، وكأنه ليس والدها الحقيقي و لا حتى أمها تريدها لانها تريد أن تعيش في بيت جديد دون ذكريات قديمة مع زوجها، حتى أنها لم تفكر يوما أن تسأل عنها أبدا.
أهل الخير انتشلوها من الشارع، ووضعوها في دار رعاية، هكذا روت "شيماء" مؤكدة أن حياتها بدأت منذ لحظة دخولي الدار، ومن وقتها تحولت من فتاة شابة إلى فتاة صغيرة، وجدت الحب والحنان الذي افتقدته منذ طفولتي.
"في الدار اكتشفوني، واكتشفوا صوتي في الغناءـ وقاموا بتنمية موهبتي، وتعلمت الرقص المعاصر، وأصبحت فتاة نشيطة لديها أمل في الحياة، وأملى أن أكون ممثلة وفنانة كبيرة".
تابعت شيماء قائلة: "لم أنس كلمة الدكتورة غادة والي، وزير التضامن الاجتماعي، عندما جاءت إلى الدار لزيارتنا، بعدما شاهدت الرقص الاستعراضي الذي قدمناها على المسرح، وقالت "أنتم موهوبين.. وهنفضل وراكم.. وهندربكم ونحقق حلمكم.. برافو عليكم".