«يا أمَّ هاشِــــــــمَ هذا الحُبُّ يحملُهُ، صَبٌّ يهِيمُ كَما مِن قَبلُ لم يَهِمِ» عيونًا باكية بداخلها قصصًا عديدة، جاءوا سعيًا من كل أنحاء المحروسة يركضون إليها، يجلسون أمام مقامها يبكون وينشدون.
أطفال وشيوخ وشباب جميعهم يصطفون حولها، يرجون بركتها يتوسلون أن تكون فرجًا لهم وعونًا، يحمل كل منهم حكاية جاء بها، حكاية كأنّها مشهد في أحد أفلام السينما لم ينتظر مناسبة أو موعدًا حتى يرحل إليها.
اليوم، نسير بخواطرنا وحروفنا في رحلة جديدة بعالم الأولياء، «مقام السيدة زينب».
العجوز يقضي حياته في رحاب حفيدة رسول الله
سبحة في يده اليمنى ومصحف في الأخرى، وضع رأسه على مقامها قابضًا بيده عليه مغلقا عينيه، شاردًا في ملكوتها و كأنّه ترك الدنيا بأكملها وجاء إليها ساعيًا، بدا كأنّه يُحدّثها يهمس لها، يبكي في صمت لا تكاد ترى سوى دموع عينيه تسقط على لحيته البيضاء، عجوز في الستين من عمره، نال من الدنيا ما يكفية ليُقرر الاعتزال بجوارها.
خرج إلى المعاش بعدما قضي 40 عامًا كموظف في إحدى المصالح الحكومية، أمراضًا عديدة تنهش في جسده الضعيف، زوجة تركته يُقاتل وحيدًا، وأبناء شغلتهم الدنيا ومشاكلها عن قضاء حوائج والدهم، لم يجد ملجأ أمامه سواها، هرب من الدنيا إليها، استقر بجوراها يتحدث بعينيه فقط، أخرج من جيبه بعضًا من النقود وضعها في صندوقها، وجلس يمسك مصحفه، فهذا المكان بات عالمه الوحيد.
من الصعيد شاكيًا للسيدة
جاء من أقصى الصعيد لقضاء إحدى مصالحه في قاهرة المعز، حمل على أكتافه همومًا ومشاكل، قبل أن يخطوا بأقدامه في شوارعها، مرّ عليها علّه يجد النجاة هنا، وقف أمام مقامها يبكي ويدعوا «ياستنا فكي كربي»، تيقّن أنّ الحل لديها فلم تُخيب رجاءه من قبل.
ظروف صعبة ألمّت به منذ صغره، عمل شاق نال من صحته، أطفالًا يريدون المزيد من الاحتياجات، ووسط تلك الدوامة الصعبة، جلس لدقائق معدودة بجوارها ليزيل هموم قلبه، انتهى من الشكوى رفع يده إلى السماء يدعوا، أخرج من جيبه بضع جنيهات ووضعها بجانب مقامها، نظر إليها نظرة وداع فلا يدري هل سيعود إليها مرة ثانية أم ستعصف به الدنيا بالمزيد من مشاكلها.
شكوي الشاب لأم هاشم
استند برأسه على المقام، رحل إلى عاملها لجأ إليها بعدما ضاقت به الدنيا، يُحدّثها عمّا فعلته به، جاء إلى هنا بحثًا عن حياة جديدة العودة مرة ثانية، العشرين مرحلة صعبة لم يكن يدري أنّه سيُعاني بداخلها هكذا، عصفت به الدنيا ودخل في دوّامتها، قرر أن يستيقظ من غيبوبته، وأن يهرب من تلك الدوّامه، والبداية كانت من هنا، «رحاب السيدة».
تخرّج من الجامعة بدأ رحلة البحث عن عمل، الطريق صعب في بدايته، تملّك اليأس منه سار في طريق آخر، نهايته ليست مُراده، حاول العودة مرة ثانية، جاء مهرولّا إليها يتحدّث معها يدعوا ربّه أن يجد طريقه الصحيح من هذا المكان، فعل مثل سابقيه من المريدين، أخرج بضع نقود وضعها في الصندوق، وألقى نظرة آخيرة عليها، وعدها أنّ تلك الزيارة لن تكون الآخيرة، فكلمّا عصفت به الدنيا سيأتي إلى رحابها.
رحلة الصغير أمام المقام
يد ملائكية صغيرة تقبض على الحاجز، أصوات دعاء وبكاء وتلاوة قرآن، ينظر إلى المقام، يُحاول الوصول إليه للمسه لا يستطيع فأمنامله لازال مبكّرّا عليها أن تتجاوز الحاجز لتصل إلى المقام، استند برأسه لا يدري فيما يُفكر يتأمل فقط، مجرد الوقوف أمام مقامها جعله يشعر بالسعادة.
لم يتخطى حاجز الخامسة من عمره، أخبرته والدته أنّهم ذاهبون في نزهة، همّ مسرعًا يُبدل ملابسه، يُفكر أثناء طريقه هل سنذهب إلى الملاهي أم إلى الحديقة؟، لكن تلك المرة كانت النزهة مختلفة، فاليوم سنكون في رحاب السيدة زينب، الأم اكتشفت أن طفلها دائم الإصابة بالمرض، فأشار إليها أحد جيرانها أن تذهب به إلى حفيدة رسول الله تتبرّك بها، علّها تجد لديها طلبها.
«يُرى بِروضِكَ للأبوَابِ مُحتــــضِنَاً، مَا بَين مُلتَصِقٍ فِيهَا و مُســتَلِمِ، هذِي خُلاصَةُ قَلبي جِئْتُ أعصــــرُهَا، عَصرَاً لَديك بِلا أجرٍ ولا سَـأمِ» انتهت الرحلة ولكن ما زالت حفيدة رسول الله تجمع الزاهدين حولها، فقير وغني صغير وعجوز، الجميع جالسون في رحابها تاركين الدنيا خارجًا للذهاب إلى عالمها.