بعد ”الفتاح العليم” والكاتدرائية.. ”مآذن وصلبان” تجسد تسامح المصريين

الاحد 06 يناير 2019 | 02:03 مساءً
كتب : سارة محمود

رفع الآذان ودق الجرس أيادي مرتفعة تناجي ربها بالدعاء، هنا الصليب في أحضان الرب، وهناك اللحى تدعوا في السجود، مشاهد لطالما عهدناها في بيوت الله، مسلم ومسيحي الجميع هنا أشقاء على أرض المحروسة، لافرق بينهم منذ قديم الأزل، "لله المجد في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" انطلق القداس دقائق معدودة ورفع الآذان "حي على الصلاة حي على الفلاح"، الكثيرون تعجبوا كيف لقداس مسيحي وصلاة مسلم أن ينطلقا معًا وفي نفس المكان، لكن هنا في شوارع وأحياء مصر الأمر طبيعيًا ولا غرابة فيه.

 

مآذن وصلبان

مسجد بجوار كنيسة، عرف ساد بين المصريين منذ مئات السنين، الجميع بيوت الله ولا مشكلة في إقامتهم بجوار بعضهم البعض، لكن السبب الذي استقر في أعماق وأذهان المصريين، أنّ هذا الأمر ماهو إلّا لوحة فنية بديعة كانت خير دليل على الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب، ديانات مختلفة لكن في النهاية أشقاء نشترك في الوطن.

القاهرة

ففى القاهرة، وبالتحديد في المطرية، توجد كنيسة أمام مسجد بمنطقة الرشاح، المسجد تم بناؤه عام 1965، وبنيت الكنيسة بعده بعامين، أى عام 1967.

 

في شارع عبدالخالق ثروت بوسط البلد، حيث الكنيسة الكاثوليكية لقلب يسوع بجوار مسجد جمعية الشبان المسلمين، المسجد تم بناؤه عام 1927 فى حين تم بناء الكنيسة قبله عام 1880، وتم بناء الإثنين منذ سنوات طويلة، وكان المسجد بالتحديد فى العصر الذهبى للوحدة الوطنية فى مواجهة الاحتلال الإنجليزى.

الإسكندرية

ومن القاهرة إلى الإسكندرية، وعلى الرغم من أن كنائسها تمثل 6 % بالنسبة لعدد الأقباط، وهو ما يعتبر قليلاً جداً مقارنة بالمحافظات الأخرى، فإن هذه الكنائس نجد المساجد أمامها، وفى أحيان كثيرة لا يفصلها عنها سوى بضعة أمتار.

 

 كنيسة «القديسين» بسيدى بشر، وتقع أمام مسجد شرق المدينة، وهى الكنيسة التى شهدت وقوع 23 قتيلاً وأكثر من 80 مصاباً.

 

أما عن كنيسة مارجرجس والأنبا أنطونيوس وتقع أمام مسجد أولاد الشيخ بمنطقة محرم بك، وشهدت هى الأخرى أحداثاً طائفية منذ 5 سنوات، عقب اقتحامها من قبل بعض المتشددين والاعتداء على عدد من القساوسة والأقباط، ثم أغلقوا أبواب الكنيسة.

أسيوط

وفى أسيوط أصبح من المعتاد، أن تتعانق في سماء واحدة صلبان الكنائس ومآذن المساجد تتعانق جميعها فى سماء واحدة، فهي تحتل المركز الأول من حيث عدد الكنائس، والمركز الرابع من عدد المساجد.

 

فقد وصل عدد الكنائس بها إلى 425 كنيسة، ووصل عدد المساجد إلى 3883 مسجداً، ولذلك فى مشهد من السهل أن تقرأ منه لغة التحدى واليسر أن يجتمع الصليب بجوار الهلال.

 

 ففى مركز القوصية على سبيل المثال بنيت المطرانية (كنيسة ماريو حنا المعمدان) منذ أكثر من 115 عاماً، وفى الوقت نفسه تم أمامها بناء جامع الشيخ عيسى منذ حوالى 40 عاماً، ولم يتوقف الأمر عند هذا المسجد، حيث تحيط بالمطرانية الآن 16 مئذنة لمساجد أخرى، حتى إن أحد الكهنة قال إنهم يحفظون الكثير من القرآن عن ظهر قلب بسبب تعدد المساجد حول المطرانية.

قنا

الحال نفسه ينطبق على محافظة قنا، حيث لا تخلو مدينة فيها من وجود مسجد بجوار كنيسة أو مطرانية.

 

ففى مدينة نجع حمادى، التى شهدت حادثاً أليماً فى يناير الماضى، تجد مسجد النجدة مجاوراً للمطرانية، وفى مدينة قنا تجد كنيسة الأرثوذكس فى مواجهة مسجد ناصر.

 

"الفتاح العليم" و"المسيح"

وبالرغم من أن هناك أصواتًا تشير إلى أن وجود الكنيسة بجوار المسجد يمثل خطراً فى أى وقت، فإنها ظلت مجرد أصوات قليلة بين الجانبين، حتى إن الطرفين لم يتوقفا كثيراً أمام حادث عابر وقع العام الماضى، هاجم فيه بعض الشباب المسلمين منزلاً كان سيتم تحويله إلى كنيسة، وبعد وقت قصير عاد الجميع ليتعايشوا سوياً.

 

واليوم يفتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكبر مسجد وكاتدرائية في الشرق الأوسط، واللذين يمثلان باكورة الافتتاحات في العاصمة الإدارية الجديدة التي تدخل بها مصر عصر المدن الذكية، كما يتصادف اليوم مع ميلاد هلال شهر هجري جديد (جمادي الأولي) وعيد الميلاد المجيد، إذ يعانق الأذان المنطلق من مسجد "الفتاح العليم" وأجراس كاتدرائية "ميلاد المسيح"، ما يؤكد أن مصر بلد الوحدة الوطنية وأنها لا تفرق بين دور العبادة ومواطينها إلا بالعمل والإنتاج ، وأنها كانت وما زالت مهد قيم التعايش السلمي والتسامح والمحبة والسلام بين مختلف الأديان والثقافات.

اقرأ أيضا