عيون دامعة، ووجوه شاحبة غلب على ملامحها الحزن والألم، وقلوب ترتجف خوفًا وتتعالى دقاتها، وشباب في مقتبل العمر تتعالى أصواتهم بالبكاء، أحدهم يجلس في جانب ما وعيناه تتساقط بالدموع، والآخر يقف مندهشًا لم يصدق ما حدث في لحظات قليلة، فقد كتب القدر سطور الوداع التي راح بين كلماتها صاحب العمر وحبيب الجميع.
ففور دخولك منطقة الدرب الأحمر، وبالتحديد شارع الكحكيين، تطاردك رائحة الدماء المفترشة على الأرض، ويلفت انتباهك أصوات النساء الباكيات الواقفات في مشرفات بيوتهن، فإحداهن تتحدث عن وقت انفجار القنبلة، والأخرى تذكر حكايات عن ذلك البطل الذي راح ضحية الانفجار الغادر الذي نفذه عنصرًا إرهابيًا انعدمت فيه كل معاني الرحمة والإنسانية، فذلك الحي الشعبي الذي لم تتخطى منازلة ثلاثة أدوار، خيم على ملامحه الحزن والألم خلال الساعات القليلة الماضية.
من بين الشهداء في الحادث الإرهابي، كان البطل الشهيد، "محمود أبو اليزيد" الذي يعمل أمين شرطة بدائرة القسم، والذي استطاع أن يكسب قلوب الجميع في المنطقة ذاتها، فقد كان على حد وصفهم نجمًا مضيئًا في سماء الدنيا، يعين المحتاجين ويساعد كل من وقع في كارثة، والدليل على هذا، الدموع التي تتساقط خلفه، والهتافات التي عمت أرجاء المنطقة من أجله، وحاولت "بلدنا اليوم" أن تعرف الكثير عن هذا الشهيد وعن أسرار حياته، وسبب حب الجميع له، فقد كان لنا حوارًا سريعًا مع أولاد عم "أبو اليزيد".
هشام محمود البالغ من العمر 28 عامًا، شقيق الشهيد "أبو اليزيد" عيناه لا تتوقف عن تساقط الدموع، ويده ترتجف لا يستطيع الوقوف، ولا يصدق ما حدث لشقيقه الذي كان يجلس معه قبل ساعات: "كنت قاعد في البيت وفاتح فيس فجأة لقيت بوستات نازلة عن انفجار إرهابي في الدرب الأحمر، بعد دقائق قليلة لقيت صورة محمود وإنه استشهد في الانفجار، لم أصدق ما حدث حتى الآن".
وأضاف الشاب العشريني: "كنت قاعد معاه في الفرح قبل أيام، كان مبسوط جدًا والناس كلها كانت بتحبه، وليه مواقف مع الناس كلها، ودايمًا بيحل جميع المشاكل اللي بتحصل في المنطقة"، مضيفًا: "لا حزن اليوم على هذا البطل، فقد مات شهيدًا وربنا قال: بل أحياء عند ربهم يرزقون".
محسن: "آخر كلامه معايا.. تجاروا مع ربنا"
محسن بدر، شاب في الثلاثين من العمر، نظراته شاردة يمينًا ويسارًا، ينتظر خروج جثمان ابن عمه، ولا يستطيع التحدث مع أحد، وحينما نطقت شفتاه سالت دموعه على الفور قائلًا: "الله يرحمك ياشهيد حقك هيرجع نام في الجنة مرتاح".
"محمود أبو اليزيد يعيش منذ سنوات في منطقة إمبابة، الجميع يعرفه ويعرف طيب قلبه وأخلاقه النبيلة، فسكان الدرب الأحمر يحترمونه جيدًا ويحبونه، لأنه كان دائمًا يقف بجوار المحتاجين في أي مكان" هذا ما قاله محسن في حديثه لمحرر "بلدنا اليوم".
وأضاف: إن محمود عنده ثلاثة أطفال "هاجر ومحمد وأحمد" ويعيش مع والده ووالدته في منطقة إمبابة، وهو يخدم في الدرب الأحمر قرابة الـ15 عامًا" مضيفًا: " كان طالع عمره الشهر اللي جاي هو وأمه وزوجته، وكان آخر كلامه معانا تاجروا مع ربنا، ودائمًا كان مبتسمًا في وجوه الجميع وبالفعل استطاع كسب قلوب الجميع في المنطقة".
وأكد أن جميع الأهل في منطقة ينتظرون خروجه من المشرحة حتى يتم دفنه، لأنه لا يستاهل "الرمية اللي مرمي فيها دي" مؤكدًا: "إكرام الميت دفنه".
عماد محمود أبو اليزيد، صاحب الأربعين عامًا، ابن عم الشهيد محمود، جاء من عمله مباشرةً إلى منطقة الدرب الأحمر حينما علم باستشهاده، حيث علم من خلال "السوشيال ميديا" ولم يصدق ما حدث حتى وصل بالفعل إلى مكان الحادث وعرف أسماء المتوفيين والمصابين: "مكنتش مصدق ولكن لما جيت هنا عرفت بالكارثة اللي حصلت".
وأضاف عماد، أن الشهيد كان له العديد من المواقف الشخصية معه، وخاصة إذا حدثت مشكلة ما، كان هو أول من أبلغه بالأمر، لأنه كان دائمًا يسعى إلى الخير، وكان يحب المزح مع الجميع، ولكن مازلت في دهشة لأنه كان يكلمني من يومين على "الفيس بوك".
وطالب عماد، الحكومة بالقضاء على الجماعات الإرهابية، التي تحاول أن تزعزع الأمن والاستقرار المصريين، وأن لا يذهب دماء الشهداء هباءً بل يأخذون بحقهم.