صراخ وكر وفر، رجال يسرعون فى خطواتهم وأطفال يهرولون وراءهم، الجميع فى فزع تام، أمام أحد الشوارع تجمعوا حول دائرة صغيرة، يتهامسون فيما بينهم، بدا على وجوههم الخوف والقلق، وعلى آخرين شهوة الانتصار.
«منية سعيد» قرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها بضع مئات، تقع فى أقصى شمال مصر وتحديدًا بمحافظة البحيرة، منذ أيام قليلة بات الخطر يهدد تلك القرية؛ بسبب ظاهرة كانت أشبه بـ"لعنة"، الأطفال والشيوخ والشباب، الجميع مهددون بالموت، فالصغار ممنوعون من الخروج، والشباب والشيوخ يسيرون بحرص شديد، النساء يجلسن فى قلق دائم، فقط بسبب هجوم عدد من الثعابين السامة عليهن.
5 حالات فقط كانت البداية، لم تكن تلك هى المرة الأولى التى يحدث بها هجوم على قرية منية سعيد من الثعابين، لكنّها الأخطر، خاصة مع انتشار العديد من الحشائش والبوص بجميع أنحائها.
فى مدخلها يوجد العديد من الحدائق التى تتبع رجال أعمال حولها مستعمرة لتلك الثعابين تعيش بحشائشها، الجمعية الزراعية هى الأخرى نالت نصيبًا من الإهمال مما أدى لظهور الكثير من تلك الزواحف بها، كذلك عدم وجود منظومة للصرف الصحى بالقرية، كان له النصيب الأكبر فى انتشارها.
الأهالى يستغيثون، والدولة واجهت الكارثة بالبيض المسموم، ولكن بلا فائدة فالثعابين تنتشر بها بشكل كثيف، الأمر الذى دفع الكثير من الأهالى إلى عدم الاقتراب من الأراضى الزراعية؛ خوفًا من الإصابة.
وفى هذا التحقيق، نكشف الأسباب وراء انتشار الثعابين السامة فى قرية منية سعيد بمحافظة البحيرة، بالإضافة إلى رد المسؤولين، وعلى رأسهم المحافظ، نادية عبده، على هذا الأمر.
المحافظ: الموضوع أخذ أكبر من حجمه.. وفلل العجمى مليانة بنفس الزواحف
المهندسة نادية عبده محافظ البحيرة، كان لها حديث هى الأخرى بشأن ما حدث من ظاهرة كارثية بقرية منية السعيد، تلك القرية التى على حسب كلام المحافظ لا يوجد أى شىء بها، فالأمر مجرد إصابة شخصين بلدغة ثعبان، وهذا يحدث يوميا فى كل قرى مصر.
لكن للمزيد من الاطمئنان وعدم تفاقم الأمر، حسب كلام نادية عبده، تم تشكيل لجنة من الخبراء المختصين بوزارة البيئة، والصحة والطب البيطرى والوقائى، والذين لم يجدوا أمامهم حلا سوى وضع البيض المسموم، خاصة أن الحل الآخر والبديل وهو إشعال حريق، ولكن كان من الممكن أن تخرج الثعابين بشكل كبير، لذا كان الخيار الأول هو الحل الوحيد لمحاولة القضاء على تلك الثعابين.
لكن الأمر ليس خطيرًا كما يُثار فهو ليس قصة ولا وباء لكى تحدث حوله تلك الضجة الكبيرة، فالطبيعى أنه ومع ظهور الصيف تخرج الأفاعى والثعابين من جحورها، وبدون شك فجميع قرى مصر بالإضافة إلى منازلهم فى العجمى -على حد قول المحافظ- تظهر بها مثل تلك الثعابين فى فصل الصيف.
وتابعت نادية عبده، أنه فى الفترة الحالية وكما يُقال هناك ظهور كثيف للثعابين السامة، فى قرية منية السعيد بالمحافظة، ولكن نحن ننتظر مفعول البيض وفى حال موت الثعابين والأفاعى حينها، نستطيع الذهاب وإزالة جميع الحشائش والبوص الذى قد يكون سببًا فى ظهورها.
لكن الآن لا نستطيع فعل شىء آخر حتى لا تتفاقم المشكلة، ومن الممكن أن تزيد الثعابين كثافة وتصل إلى درجة وجودها بالمنازل، ولذلك شكلنا لجنة من الخبراء المختصين فى قطاعات مختلفة للخروج بفكرة البيض والإشراف عليها.
وبسؤالها عن وفاة حالة مصابة لشاب يدعى صبرى من القرية، قالت محافظ البحيرة إن تلك الحالة هى من تأخرت فى الوصول إلى المستشفى، فأهله وضعوه بالمنزل لما يقرب من 15 ساعة، وجلب أحد الأشخاص الشيوخ أو المختصين باستخراج الثعابين، وبعد تدهور حالته، نقلوه إلى المستشفى، ولكنّه توفى على الفور، لكن المستشفى لم يخطئ فى أى شىء بشأن تلك الحالة، لما يُناقض حديث أهل الشاب، بالإضافة إلى حديث نائب الدائرة عصام القاضى، والذى أثبت هو الآخر إهمال الطبيبة بالمستشفى.
وأجابت بأن القضية التى رفعها أهالى المتوفى على الطبيبة والمستشفى، بالتأكيد سنفوز بها؛ لأننا لم نخطئ نهائيا مع الشاب المتوفى، والطبيبة لم تفعل شيئا.
وبسؤال المحافظ ناديه عبده عن مطالبة أهالى القرية بإنشاء وحدة صحية وتوفير منظومة صرف صحى للأهالى، أجابت بأن الأهالى يحاولون ربط الأمور ببعضها البعض، فبالنسبة للوحدة الصحية فالمسافة بين أقرب وحدة والقرية لا تستدعى إقامة أخرى بمنية السعيد، والصرف الصحى نحاول البحث فى أمره، فنحن لا يمكن أن نتأخر على أى طلب من مطالب أهالى البحيرة.
وتابعت أنه بالنسبة لما تم تداوله بشأن الأفاعى والثعابين بمنية السعيد، فقد أخذ أكبر من حجمه، وحصل على "شو إعلامى" لا يتناسب والواقع، ورفضت المحافظ الخروج إلى الفضائيات للحديث حول هذا الأمر؛ لاعتقادها أنه لا يوجد ما تتحدث عنه، فليست هناك مشكلة من الأساس.
وأوضحت أنها فعلت ما بوسعها، وليس لديها شىء آخر لتفعله، وأن حل البيض هو الأمثل خاصة أن هناك عددا من المواطنين فى بعض القرى التابعة للمحافظة ممن تظهر لديهم أيضًا الثعابين، طلبوا الحصول على البيض المسمم، لكنّها رفضت إعطاءهم البيض وتحمل مسؤوليته، لأنه قبل خروجه يحتاج لفريق متخصص، أيضًا لتحذير المواطنين بخطورته.
والد مصابة: «ماعندناش وحدة صحية».. وحالة ابنتى تدهورت بعد 3 أيام بمستشفى المحمودية
فى السبعين من عمره وقف يشكو حال ابنته التى أصابتها هى الأخرى لدغة أفعى سامة، صوته بدا عليه الخوف والقلق على فلذة كبده، فقد لحقت هى الأخرى بركب لعنة الثعابين المنتشرة بالقرية.
حاول الحديث بصوت مرتفع، كاد على وشك الصراخ علّه يجد من ينصت إليه، ابنته فتاة فى العشرين من عمرها، لم تفعل شيئا سوى أنها قررت الخروج من منزلها للذهاب إلى والدتها المريضة وتناول الغداء معها.
فور وصول الفتاة العشرينية إلى منزل والدتها، كان ثعبان فى انتظارها بالداخل، البنت كانت تسير بالمنزل دون أن تدرى بوجود شىء، وعلى حين غفلة، وضعت قدمها على من كانت تترقبها من بعيد، حتى استطاعت التمكن منها، ولدغها فور اقتراب الشابة منها.
كان العجوز يجلس أمام منزله يترقب المارة، يفكر فيما أصاب بلدته، يتحدث إلى أحد جيرانه إلى أن دوت صرخة من داخل المنزل، فهرول مسرعًا ليجد ابنته قد لُدغت، فحملها إلى أقرب صيدلية له، وربط رجلها بقطعة قماش ليمنع انتشار السم فى جسدها، بالإضافة إلى إحداثه جروحا صغيرة باستخدام أداة حادة لكى يخرج الدم من خلالها.
حمل العجوز صغيرته إلى مستشفى المحمودية العام، على الرغم من علمه بعدم وجود أية مساعدة بها، لكنّ عقله توقف فى تلك اللحظة، فالسرعة هى المطلوبة فى تلك الحالة، ولا يوجد مكان أقرب إليه من هذا المستشفى.
دخلت الفتاة مستشفى المحمودية وتعامل معها الأطباء بإعطائها حقنا ذكروا بأنّها مؤقتة فى محاولة لإبطال مفعول السم، لم يعلم الوالد هل تلك الحقن هى المصل التى تحدّثوا عنه أم لا، لكن بعد ما يقرب من ساعة ونصف تدهورت صحة الفتاة، فأمر الأطباء بنقلها إلى مركز السموم بمحافظة الإسكندرية، إلا أن حالة الفتاة كانت على وشك التدهور، وفى الطريق إلى المركز غيرت سيارة الإسعاف وجهتها إلى مركز سموم كفر الدوار، وظلت الفتاة بالمستشفى لمدة 3 أيام.
«لو عندنا وحدة.. ماكنتش بنتى اتبهدلت كده».. الجملة التى كررها الأب فى حديثه عدة مرات، فالقرية التى يعيش بها الآلاف والتى تعد مستوطنة للثعابين لا يوجد بها وحدة صحية لإغاثة الحالات التى تصاب بلدغها، وبحسب حديث العجوز المسافة بين قريتهم وأقرب وحدة صحية بمركز المحمودية حوالى 5 كم.
والد الضحية: «المصل الفاسد قتل ابنى مش السم».. وشقيقته تطالب بإعدام الطبيبة
بملابس بدت عليها بساطة الحال، وملامح وجه علاه الحزن، عينان تكاد تختفى من الدموع، وصوت لا ينقطع من البكاء، جلس ممسكًا بيده قطعة قماش صغيرة يبعد بها الحشرات التى تحاول الاقتراب منه، صامتًا، لا تسمع منه سوى الـ"آه".
منزل بسيط على أطراف القرية، الهدوء يعم المكان، عجوز فى التسعين من عمره، أب مكلوم فقد فلذة كبده وابنه الوحيد منذ ساعات، بسبب الإهمال.
«هما اللى موِّتو ابنى».. بدأ إبراهيم عبد الحميد، صاحب الـ95 عاما يتحدث عن حال ولده الذى لحق هو الآخر بركب ضحايا الثعابين، فولده "صابر" ذو الـ19عامًا قد مات بلدغة أفعى منذ يومين، الشاب الصغير كان ابنه الوحيد، يعمل فقط لأجلهم، خرج من التعليم فى سن مبكرة حتى يستطيع مساعدته لعجزه ووالدته المريضة.
صبرى «الضحية» خرج صباحًا للبحث عن مصدر رزقه، فهو يعمل بالأجرة مع الفلاحين، انتهى من عمله فى إحدى الأراضى الزراعية وعاد إلى منزله فى نحو الواحدة ظهرًا، ليأخذ قسطًا من الراحة.
أخبر الشاب والده أنه سيذهب إلى أرضه التى تقع بجوار منزلهم، لإحضار طعام للماشية، بالرغم من أنه مُتعب بعض الشىء فإن والده العجوز ووالدته المريضة لن يستطيعا الذهاب لإحضار الطعام، فقرر هو التحامل على نفسه والذهاب إلى الأرض، خاصة أنها بجوار المنزل، فلن يتطلب الأمر جهدًا كبيرًا.
وتابع الأب حديثه بأن أحد جيرانه كان يمر صدفة على ولده، فطلب منه المساعدة خاصة أنه قد وجد عليه علامات الإرهاق والتعب، وبعد مجادلة من الشاب صبرى قرر قبول مساعدة جاره، ليبحث هو عن مكان يجلس به للحصول على بعض الراحة، فوقع بصره على كمية من الحشائش الموجودة ليستقر عليها، وفور جلوسه كانت هناك أفعى فى انتظاره، ولم تتردد فى لدغه على الفور.
صرخة دوت فى أرجاء المكان، الأم تخرج فزعة من منزلها والأب يُحاول الخروج برغم ضعفه وجسده النحيل، يد بها قطرات دماء وعينان مليئة بالخوف والدموع، وجوف لم يصمت عن الصراخ من شدة الألم، تجمع الجيران حول الشاب، حاولوا اتباع الطرق المعتادة لمنع تسلل السم إلى باقى أجزاء الجسد، قطعة قماش صغيرة كانت كفيلة أن تقوم بهذا الدور الهام.
لم يمكث الشاب سوى دقائق معدودة فقط ، بجوار منزله حتى حاول أحد الجيران مساعدته فوضعه أعلى دراجته البخارية مسرعًا بالذهاب إلى مستشفى المحمودية العام، وصل الشاب المستشفى وبداخل الاستقبال سألته إحدى الطبيبات عن حالته، فأجابها جاره الذى كان برفقته بأنه أصيب بلدغة ثعبان، لكن الكارثة أن رد فعل الطبيبة لم يكن متوقعًا، فسخرت من الشاب واتهمته بأنه من لعب مع الأفعى حتى نالت منه.
وبعد طلب ورجاء من جار صبرى للطبيبة، أمرت بإدخاله وتركيب محلول له، ولكن لم تكن حقنة المحلول متوفرة بداخل المستشفى، فجاء بها أقارب الشاب الذين قدموا برفقته من الصيدلية بالخارج، وبعد ما يقرب من نصف الساعة أخبرتهم الطبيبة أن ابنهم ليس به شىء وأصبح بخير، ونزعت قطعة القماش من على يده والتى كانت تحول بين السم وباقى أعضاء جسده.
«الدكتورة موتت ابنى.. صبرى مات خلاص».. بدأت الدموع تسيل من عينيه والصراخ طغى على جنبات الحديث، أخفى وجهه فى قطعة القماش التى كان يحملها بيده، ردد الكلمات الأخيرة التى قالها فقيده قبل موته بثوان: «الحقنى يا عم رضا.. أنا مش شايف».
وبعد نزع قطعة القماش من يد صبرى، توغل السم فى جميع أنحاء جسده، وفى ثوان معدودة وهو جالس برفقة جاره رضا، قال بأنه لا يرى أى شىء حوله، استنجد الشاب بجاره لكن الموت كان أسرع من أى شىء، فصمت الشاب نهائيا عن الحديث، وفاضت روحه لخالقها.
لم يكن أمام الأب المكلوم سوى أن يردد الدعاء على من تسبب فى موت ابنه: «حسبى الله ونعم الوكيل» الجملة التى لم تُفارق لسانه منذ أن وضع ابنه داخل القبر، فالعجوز الذى قد تجاوز التسعين عامًا، لم يعد يحتاج إلى شىء من الدنيا سوى البحث عن حق صغيره الراحل، وتوقف عن الحديث وحل البكاء مكانه.
بملابس سوداء و"طرحة" تُغطى وجهها، جلست بجوار زوجها العجوز، فى الخمسين من عمرها، كانت الزوجة الثانية لرجل تزوج وأنجب فتاتين، لكنها كانت أكثر حظا فهى من أنجبت الولد، الذى كان بمثابة السند والعون لها ولوالده.
«أم صبرى» لم تخرج من الدنيا إلا بولدها، لضيق المعيشة الصعبة ولظروف مرض زوجها قررت إخراج صغيرها من التعليم حتى يتمكن من مساعدة والده العجوز، فكان يعمل بالأجرة للحصول على لقمة عيش له ولأبويه، فى اليوم الذى رحل فيه صبرى، كان يعمل صباحًا وحصل على نحو 70 جنيهًا كأجرة نتيجة عمله، تلك الأموال التى أخذها وهو فى طريقه للمستشفى فلم يكن يمتلك سواها لعلاجه.
«بتقول له بتلعب مع التعابين.. واديته حقن فاسدة».. صرخت الأم بصوت مرتفع فى محاولة منها أن يصل صوتها للجميع، فالطبيبة التى من المفترض أن تنقذ صغيرها، أخبرته أنه كان يلعب مع الأفعى قبل أن تلدغه.
واتهمت الطبيبة بأنها من قتلت ابنها، حينما أزالت قطعة القماش من على يده والتى كانت حائلًا يمنع وصول السم إلى باقى جسده دون أن تتأكد من خروجه، وأيضا حينما أعطته حقنة فاسدة أو ما يُسمى "مصل" لا يصلح للاستهلاك الآدمى؛ مما عجل بوفاة ولدها.
وتابعت أن الطبيبة أو حتى القائمين على المستشفى لم يكتفوا بالتسبب فى وفاة ابنى، لكنهم أيضًا اتهموه بالقدوم متأخرا، فالشاب دخل المستشفى فى تمام السادسة مساءً وخرج منه متوفيا فى الثامنة والنصف، لكن المستشفى أصدر تقرير الوفاة بأن الشاب دخل فى تمام الثامنة، وخرج فى الثامنة والنصف؛ الأمر الذى نفاه جميع أقارب المتوفى وجيرانه الذين كانوا برفقته.
«يا ريتها ما كانت عالجته.. وكانت قالت له اخرج مافيش علاج».. بدأت عينا الأم تمتلئ بالدموع، فمنذ ساعات فقدت فلذة كبدها، تمنت لو أن الطبيبة قد أخبرت ابنها فور وصوله أنه لا يوجد علاج له بداخل المستشفى كما يُفعل دائمًا مع المرضى، لكنها قتلته بدم بارد، مصل فاسد وتعامل غير مهنى مع الإصابة، الحالات التى ذهبت بعد صبرى مصابة بلدغات، أخبروهم بالمستشفى بعدم وجود علاج لهم وتم نقلهم إلى مركز السموم بالإسكندرية، لكن القدر ساق الشاب لنهايته على أحد أسِرَّة المستشفى المتهالكة، وبالرغم من كل ذلك، فإنهم لا يعترفون بالخطأ، وفقًا لكلام السيدة.
بالقرب منهم أيضًا جلست فتاة فى العقد الثالث من عمرها، يبدو أنها إحدى المقربين من الشاب الراحل، فعلامات الحزن التى علت وجهها، والدموع التى تنهمر من عينيها دون توقف، كانت كفيلة أن تدل على قربها الشديد من الراحل.
سامية إبراهيم عبد الحميد، شقيقة صبرى الكبرى من الأب، بدأت حديثها منادية بالثأر لشقيقها من الطبيبة التى تسببت فى موته -على حد قولها- فقبل رحيل شقيقها بلحظات معدودة؛ اتصلت سامية به وهو بالمستشفى ليخبرها أنه بخير حال، قبل أن تُقدم الطبيبة على نزع القماشة القابضة على يده، والتى كانت حائلًا لمنع وصول السم لباقى أجزاء جسده، مطالبة بإعدامها؛ ثأرًا لشقيقها الذى راح ضحية إهمالها.
نائب الدائرة: مستشفى المحمودية تسبب بوفاة أول «ملدوغ».. واختفاء النمس والثعلب زاد انتشارها
النائب عصام القاضى، عضو مجلس النواب عن دائرة المحمودية، تحدث عن الكارثة التى لحقت بأبناء دائرته التابعين لقرية منية السعيد، بانتشار الثعابين والأفاعى السامة بها، بأن الخطأ هنا اشترك فيه 3 جهات "الحكومة والأهالى والطبيعة".
البداية مع الطبيعة التى كان لها دور كبير قبل سنوات فى القضاء على تلك الزواحف، خاصة أن القرية تمتلئ بالعديد منها، ولم تظهر هذه الأيام فقط، لكنها تزايدت بشكل كبير، فمنذ سنوات كان النمس والثعلب يساهمان فى القضاء عليها، خاصة أنهما كانا يتغذيان على بيض الأفاعى والثعابين، الأمر الذى كان يقضى على تكاثرها من البداية، تلك كانت ظاهرة طبيعية لكنها لم تعد موجودة الآن، بالإضافة أيضًا إلى المقاومة التى كانت تقوم بها وزارة الزراعة، ولكنها لم تعد موجودة هى الأخرى.
وأضاف عصام القاضى بأن إهمال وكسل الفلاحين كان له دور كبير فى الكارثة التى لحقت بأهل القرية، فلم يعد الفلاح يهتم بزراعته وأرضه كما كان فى السابق، خاصة أن قرية منية السعيد ينتشر بها البوص والحشائش بشكل كبير، الأمر الذى يحتاج لنظافة دائمة، بالإضافة إلى أن نسبة الحدائق كثيفة، بالتالى الأهالى أصابهم الكسل للقيام بنظافة دورية، مما تسبب فى انتشار الثعابين فيها بشكل كثيف.
وتابع أنه بعد وفاة أول حالة من أبناء القرية، تواصل النائب مع المحافظ نادية عبده، وتم تشكيل لجنة من الطب البيطرى والبيئة والزراعة، والتنمية المحلية، وطلب من مسؤولين البيئة تحرير محاضر للأهالى الذين سيقومون بتجميع فضلات الماشية بجانب البوص، بالإضافة إلى أنه طلب من ممثل الزراعة عودة المقاومة التى كانت تقوم بها الوزارة فى السابق.
وأوضح أن الحل الذى اقترحته وزارة الصحة بوضع البيض فى عدد من شوارع القرية، كان فاشلًا بكافة المقاييس، فليست جميع الثعابين أو الأفاعى تنجذب له، بالإضافة إلى أن ارتفاع درجات أسهمت بشكل كبير فى فساد البيض، والثعابين لا تنجذب للشىء الفاسد مطلقًا.
وطالب عصام القاضى باجتماع عاجل مع ممثلى الوزارات المعنية بالأمر، خاصة بعدما شهد بأن هناك كثافة كبيرة بانتشار الثعابين السامة بالقرية، ويجب أن يكون هناك تحرك عاجل، خاصة أن هذا الموسم يعد موسم التزواج والتكاثر بالنسبة لها، لذا الوضع فى غاية الخطورة، لكنها بالتأكيد موجودة كل عام، لكنها انتشرت بكثرة هذا العام.
وبسؤاله عن الإهمال الذى يلحق بالحالات فور وصولها لمستشفى المحمودية العام، والأمصال الفاسدة الموجودة به، والتى أدت لوفاة شاب بعد إصابته بلدغة -وفقا لحديث الأهالى- ذكر عصام القاضى أن مستشفى المحمودية العام لا ننكر إهماله فى أول حالة فقط والتى أدت للوفاة، بسبب جهل أو خوف الطبيبة فى التعامل، فهى لم تكن صاحبة خبرة كافية لإعطاء المريض المصل، مما أدى إلى وفاته، معترفًا بحدوث الإهمال والتأخير فى العلاج، بالرغم من إنكار المستشفى لهذا الأمر.
واستطرد: لكن الحالات التى أصيبت فيما بعد لم يحدث لها أى مضاعفات وشفيت، وللاطمئنان على حالة أخرى، وخوفا من تكرار الوفاة بسبب إهمال "المحمودية"، تم تحويل صاحبها إلى مركز السموم بمحافظة الإسكندرية، وحالة ثالثة إلى مركز السموم بكفر الدوار.
وأكد القاضى أنه توصل إلى اتفاق مع وكيل وزارة الصحة بالمحمودية، لإنشاء مركز سموم بداخل المستشفى العام، خاصة بعدما أصبحت المنطقة شبة موبوءة، وتوفير الأجهزة والأطباء فيه؛ للتعامل مع الحالات وعدم تكرار الإهمال، بالإضافة إلى تزويد كل الوحدات الصحية بمركز المحمودية بالمصل، وتدريب الأطباء والتمريض بداخلها على التعامل مع الحالات القادمة.
وبسؤاله عن عدم وجود صرف صحى بالقرية مما دفع الأهالى يلجؤون إلى الصرف فى «الترع» التى يتم رى الأراضى الزراعية بها، مما يتسبب فى انتشار تلك الثعابين السامة بداخل تلك الأراضى والتى تخرج عن طريق مواسير تربط بين المصرف والأرض؛ أجاب القاضى بأن 40% من منظومة الصرف الصحى الخاصة بالقرية تم الانتهاء منها، وخلال شهرين سيجرى الانتهاء منها.
وبالنسبة للوحدة الصحية التى يُطالب الأهالى بتوفيرها فى القرية؛ ذكر النائب بأنه جاء بوكيل وزارة الصحة بالبحيرة، وزار الأرض التى تبرع بها عدد من الأهالى لإقامة وحدة صحية، ووجد أن المسافة بعيدة، والطريق لا يصلح، وفى حال توفير طريق مناسب؛ من الممكن التفكير فى الأمر، لكن القرار جاء من وكيل الوزارة بالرفض خاصة أنه برر الأمر بوجود وحدة صحية فى قرية فزارة، تبعد حوالى 4 كم، ولا داعى لوجود وحدة فى منية السعيد.
وقال النائب إنه طالب وكيل وزارة الصحة بإنشاء مستشفى لذوى الاحتياجات الخاصة، يكون بمثابة وحدة صحية مكبرة، وفى انتظار الموافقة على هذا الأمر.
البيض المسمم لـ«الأغنياء فقط».. وتجاهل إشراف المسؤولين جعله «سلعة» تباع للفقراء
بجوار مقابر القرية انتشر البيض المسمم، وفى أحد جوانب شوارعها وضع بعض منه، وبالقرب من المستنقعات والحشائش والبوص وضع أيضًا، للقضاء على الثعابين.
وبحسب حديث أهل القرية؛ فإنّ اللجنة التى شكلّتها المحافظة لحقن البيض بالسم ووضعه بالقرية، اختارت أيضًا أماكن وجود الكبار فقط، فـ"وضعوا البيض حول مقابر الأغنياء وأولاد الذوات بالقرية" وأهملوا مقابر الفقراء.
وعلى الرغم من أن هناك كارثة تمثل خطورة كبيرة على قاطنى القرية وهى تناول البيض المسمم، لكن اللجنة لم تتخذ الاحتياطات الكاملة بشأن هذا الأمر، فخرج عدد من الأطفال وقاموا بجمع البيض المسمم وبيعه للبقالة الموجودة فى القرية، ولولا اكتشاف الأمر صُدفة لحدثت كارثة كبرى، فقام عدد من كبار البلدة بجمع كل البيض الموجود فى محلات البقالة لمنع تداوله نهائيا.
العديد من الخبراء فى الطب البيطرى، ذكروا أن البيض ليس جاذبًا لجميع أنواع الثعابين؛ لذلك لم يكن هو الحل المناسب لمواجهة تلك الظاهرة، خاصة أّها لم تمنع ظهور الزواحف، وما زال الوضع كما هو عليه فى القرية.
وكيل «الصحة»: وصلتنا 5 حالات إصابة خلال 10 أيام.. ولم يحدث إهمال فى وفاة الشاب صبرى
الدكتور علاء عثمان، وكيل وزارة الصحة بمحافظة البحيرة، تحدث عن أنه منذ نحو يومين لم يوجد أى مصاب من قرية منية السعيد، وخلال العشرة أيام الماضية لم يصل إلينا سوى 5 مصابين فقط أحدهم توفى، والأربعة الآخرون تماثلوا للشفاء تمامًا بعد إعطائهم المصل.
وتابع عثمان أن الشاب صبرى الذى توفى نتيجة الإصابة بلدغة ثعبان، لم يُتوفَّ بسبب إهمال المستشفى كما يُثار فى القرية، ولكنه تأخر فى الوصول والدخول؛ لذا تمكن السم منه، لكن المستشفى والطبيبة لم يهملا فى علاجه، بل حاولت إسعافه بشتى الطرق.
وأشار وكيل وزارة الصحة إلى أن الحالات المصابة التى تناولت المصل "فى وقت مناسب" تماثلت للشفاء، لكن صبرى، تأخر وصوله؛ الأمر الذى جعله يتوفى فور دخوله.
وبسؤاله بشأن تأكيد أهل الشاب دخوله المستشفى فور إصابته باللدغة؛ أجاب بأن الدليل على صدق حديثه هو شفاء الأربع حالات الأخرى فور وصولها، على الرغم من إعطائهم جميعا نفس نوع المصل الذى حصل عليه الشاب، والذى يدعى البعض بأنه فاسد، كما أن حديثهم بشأن تعامل الطبيبة بشكل خاطئ؛ هو كلام غير صحيح.
وأوضح أن جميع الحالات المصابة تناولت المصل فى مستشفى المحمودية، ولم تخرج سوى حالة واحدة -للاطمئنان عليها- إلى مركز السموم بكفر الدوار على نفقتها الخاصة، والأخرى نقلت إلى كفر الدوار بسبب التجمع والتجمهر الذى وجد أمام المستشفى، بالرغم من أن النائب البرلمانى وأهالى القرية أثبتوا خلاف هذا الحديث، فهناك حالتان جرى نقلهما إلى مركز السموم بالإسكندرية وكفر الدوار، خوفًا من لحاق الإهمال بهما، مثلما حدث مع الحالة الأولى.
وقال "عثمان" إنه بالنسبة لما يحدث بداخل قرية منية السعيد من انتشار للثعابين السامة، فهذا الأمر لم يكن وليد هذه الأيام، بل هو موجود منذ نحو 4 سنوات، الأمر الذى دفع محافظ البحيرة نادية عبده، لتشكيل لجنة من مديريات "الزراعة والطب البيطرى والبيئة"، وكما نعلم جيدًا أن الثعبان يتغذى على بيض الطيور، مما دفع المسؤولين فى وزارة الزراعة والطب البيطرى، بحقن نحو 5 آلاف بيضة ووضعها فى أماكن انتشارها للقضاء عليها، وهذا يعد الحل المناسب فى الوقت الحالى.
ولفت إلى الأمصال موجودة ومتوفرة فى المستشفى، نافيا وجود "أمصال فاسدة" وفقا لما يتحدث بذلك البعض، موضحا أنه بالنسبة لأهل الشاب المتوفى الذين قدموا بلاغًا ضد الطبيبة يتهمونها بالتسبب فى وفاة ابنهم؛ فالتقارير الطبية تثبت الحقيقة، بالإضافة إلى تذكرة المستشفى، التى بها موعد دخول وخروج الشاب المتوفى.
وعن مطالبة أهالى القرية بإنشاء وحدة صحية بها؛ قال إن "منية السعيد" لا تبعد مسافة كبيرة عن أقرب وحدة صحية لها، بالإضافة إلى تقديم طلب للوزارة والتى قارنت بين أقرب وحدة صحية لمنية السعيد، فوجدت أن المسافة أقل من 4 كم؛ لذلك لا يمكن إقامة وحدتين متقاربتين بهذا الشكل.
إمام مسجدها: الدجالون استغلوا الأزمة.. واستعديت الأهالى لتحذيرهم منهم
سامح محيسن أحد الواعظين بالأزهر الشريف، وإمام مسجد القرية، تحدث عن بعض مشاكلها، قائلا إن البداية كانت مع منظومة الصرف الصحى، الذى كان محددا دخوله فى 2010، ولعدم تنفيذ الأعمال فى هذا الشأن؛ أصبحت وسيلة الصرف فى القرية عبارة عن ممر مائى مكشوف ضيق «ترعة» تتراكم المياه والمخلفات بداخله، وذلك بعد تجاهل الحكومة والمسؤولين إقامة منظومة صرف لهم، الأمر الذى أدى لزيادة عدد الثعابين.
وأضاف أنه منذ ما يزيد على 10 سنوات أنشأت الحكومة محطة صرف صحى على بعد كيلومتر، من قرية "منية السعيد"، كان من المفترض أن تخدم قريتى "فذارة ومنية السعيد"، وجرى توصيل وتنفيذ شبكة صرف صحى للقرية الأولى، وما إن بدأت فى خطة توصيل الصرف إلى "منية السعيد" حتى قامت ثورة يناير، ومن وقتها لم يتم التنفيذ.
وقال إنه بعد انتشار الثعابين بشكل كبير، وتقاعس الحكومة، واتجاه عدد من أهالى القرية إلى الدجالين والنصابين الذين يطلقون على أنفسهم "الرفاعيين"، دعا رجالها إلى عقد جلسة أهلية بمضيفة المسجد، بعد صلاة العشاء، وأخبرهم عن مدى انزعاجه من وقوعهم تحت سيطرة الكثير من الدجالين والنصابين الذين يطلقون على أنفسهم لقب "الرفاعى"، وأن هذا لا يوجد له أصل فى الدين الإسلامى.
ودعا إمام المسجد الجميع للتكاتف، وعدم الوقوف موقف المتفرج فى هذه الأزمة، وضرورة الاتحاد وتحمل المسؤولية لعبور الأزمة.