زكي نجيب محمود.. "فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة"

الجمعة 01 فبراير 2019 | 09:15 مساءً
كتب : AbdelRahem

تحل اليوم، ذكرى ميلاد الدكتور زكي نجيب محمود، أو "فيلسوف الأدباء وأديب الفلسفة"، كما كان يلقبه ياقوت الحموي، في كتابه معجم الأدباء أبا حيان التوحيدي، وذلك بعد أن كرس حياته لمحاولة مزج الأدب بالفلسفة، فلم ينجح أديب قبله في تقديم أعسر الأفكار على الهضم العقلي للقارئ العربي في عبارات أدبية مشرقة كما فعل أستاذ الفلسفة المصرى.

وتنشر "بلدنا اليوم" أهم مراحل حياة وإنجارات وأعمال صاحب الوعي الفلسفي والذوق الأدبى.

بداية رحلته:

ولد المفكر المصرى فى الأول من فبراير 1905، في قرية ميت الخولي التابعة لمركز الزرقا بمحافظة دمياط، وحصل على ليسانس الآداب، ثم حصل الماجيستير، ثم الدكتوراة في الفلسفة من لندن، وعمل بهيئة التدريس بكلية الآداب جامعة القاهرة.

حياته الثقافية:

حرص الدكتور زكي نجيب محمود على المشاركة في الحياة الثقافية بمقالاته وكتبه وآرائه الناقدة للأوضاع في المجتمع، وأصدر العديد من الكتب في الفلسفة والآداب منها "قصة الفلسفة اليونانية"، "شروق من الغرب"، "تجديد العقل العربي"، "الشرق الفنان"، "المنطق الوضعي وخرافة الميتافيزيقا"، وأيضا كتب فى الحياة الفكرية والثقافية منها "جنة العبيط"، "شروق من الغرب"، "الكوميديا الأرضية"، "قصة نفس"، وترجم كتاب "قصة الحضارة" لصاحبه ويل ديورانت.

المعارك الفكرية التى تسبب فيها:

كانت رحلت الدكتور زكى نجيب محمود الفكرية في حد ذاتها مثار جدل لدى النقاد والمفكرين، فقد مرت بثلاث أطوار ففى الأولى قام بنقد الحياة الإجتماعية في مصر، وتقديم نماذج من الفلسفة القديمة والحديثة والآداب التي تعبر عن الجانب التنويري، ويتمثل هذا النشاط في الكتب الثلاثة التي اشترك في تأليفها مع أحمد أمين.

أما المرحلة الثانية والتى امتدت حتى الستينات، دعا خلالها إلى تغيير سلم القيم إلى النمط الأوربي، والأخذ بحضارة الغرب، وتمثلها بكل ما فيها باعتبارها حضارة العصر، ولاشتمالها على جوانب إيجابية في مجال العلوم التجريبية والرياضية، ولها تقاليد في تقدير العلم وفي الجدية في العمل، ودعا فى هذة الفترة إلى الفلسفة الوضعية المنطقية، وأصبح كل همه كيفية تبسيطها.

المرحلة الثالثة شهدت عودته إلى التراث العربي قارئًا ومنقبًا عن الأفكار الجديدة فيه، وباحثًا عن سمات الهوية العربية.

دور الصحافة والفلسفة:

كانت بداية زكى نجيب محمود الصحفية فى مجلة الرسالة التى كانت تنشر مقالات ذات طابع فلسفى، وعن طريقها تعرف على الأستاذ أحمد أمين، الذي ضمه معه إلى لجنة التأليف والترجمة والنشر التي كان يترأسها.

وبعد ذلك عهدت إليه وزارة الثقافة بإنشاء مجلة فكرية رصينة تعنى بالتيارات الفكرية والفلسفية المعاصرة، فأصدر مجلة "الفكر المعاصر"، ورأس تحريرها، ثم بعد ذلك سافر إلى الكويت وبعد عودته انضم إلى جريدة الأهرام، وكان ينشر فيها مقال كل أسبوع.

دعوتة للإعتزاز بالأسلاف:

دعا الدكتور زكى نجيب إلى الاعتزاز بالأسلاف، لعدم إقتصار ذلك على فقهاء الدين فقط، بل يجب أن نضيف إليهم علماء الرياضة والطب والكيمياء والفلك والمؤرخين والرحالة والشعراء والفلاسفة، فهؤلاء جميعًا قد وجهوا جهودهم نحو الكون يقرأون ظواهره ويستخرجون قوانينها، ودعا إلى جعل إسلامنا على النحو الذي كان عليه إسلام الأسبقين فيما يختص بالحياة العلمية، فقد كان عالم الرياضة أو الكيمياء أو الطب، العبادة عنده ذات وجهين يعبد الله بالأركان الخمسة، ويبحث في خلق السماوات والأرض، وما بينهما، كما أمره القرآن الكريم، وبهذه النظرة يكون مخرج المسلمين من مأساتهم الحالية.

ونتيجة لذلك فقد صنفة البعض بأنة مفكرعلمانى، لاهتمامه بالعلم والعمل وإغفاله للجانب الروحي والديني والوجداني للإنسان.

الشجاعة أهم سماته:

اتسم زكي نجيب محمود بشجاعة نادر أن يتسم بها أحد في مجال الفكر، وهى القدرة على الاعتراف بخطأ الفكر والإعتقاد والعمل على تصحيحه، حتى ولو أدى هذا إلى اتهامه بالتناقض الفكري، خاصة حين بدأ ينتقد كتاباته السابقة بنفسه فكتب يقول (وماذا في أن أزداد تفكيرا فأتغير؟ إن المرء ليزداد بفكرته إذا ما جاءت بعد فحص شامل متعمق، لقد نقضت برأي اليوم رأي الأمس.. فماذا في ذلك؟ فبعد أن كنت مخمورا بشيء اسمه ثقافة الغرب جاءت صفحتي الجديدة لتقول ثقافة العرب مصقولة مع أصول الثقافة العربية.. لقد تمنيت لأمتي فيما سبق أن تكون قطعة من الغرب، لكنى اليوم أريد لها أن تكون أمتي هي أمتي".

رفض زكى نجيب للميتافيزيقا التأملية:

يوجه زكى نجيب محمود نقدًا حادًا إلى الفلسفة التأملية، فهى لا تستند فى تأملها على المشاهدة والتجربة، بخلاف العلم الذى يردك إلى أشياء الطبيعة المحسوسة، فالفيلسوف التأملى مثل "الشاعر" وعلى خلاف العالم، وهنا يضع زكى نجيب محمود أصابعه على فرق هام بين أقوال الفلاسفة وأقوال العلماء، فبينما "فلاسفة التأمل" ينصرفون إلى بواطن نفوسهم ليقولوا ما يقولونه، يتجه العلماء إلى خارج نفوسهم إلى حيث الطبيعة وظواهرها، ليقرروا عنها ما يقررون من قوانين، أما العلماء عندما يصفون العالم الواقع الحقيقى فإنهم يعتمدون،على ما شاهدوه أو أجروا عليه التجارب.

أبرز أقواله:

"فقيرة هي تلك النفوس التي لا تخفف الوطء، لأنها لا تدري أن أديم الأرض هو من هذه الأجساد".

"‎بين اليقظة الواعية في طرف، والموت البارد في طرف آخر، هنالك حالات متدرجة من الغيبوبة والنعاس، وسيأخذك العجب حين أزعم لك أن قلة ضئيلة من الناس هي اليقظانة الواعية، وأما الكثرة الغالبة منهم ففي غيبوبة ونعاس، في وجوههم أعين مفتوحة، لكنها تنظر ولا ترى".

"موقف الحياد هو موقف العاجز الذي يريد لنفسه السلامة والهدوء".

نهاية رسالته:

أنهى الدكتور زكى نجيب محمود رحلته بثلاث كتب عن سيرتة الذاتية، وذلك بعد شعوره أنه أدى رسالته ولم يعد لديه جديد يقدمه، بالإضافة إلى ضعف بصره الذي اشتد عليه ومنعه من القراءة والكتابة، واستمر فى ذلك الوضع حتى أدركته منيته في 8 سبتمبر 1993م.

اقرأ أيضا