سنوات عديدة والخليفة المزعوم يقف لينادي بحرية التعبير عن الرأي، مهاجمًا الدول التي أسماها تقمع الحريات، لكن الحقيقة أنّ تلك الشخصية نفسها قمعت ومعت وكتمت أفواه الحرية في بلادها، خاصة بعدما استطاع كتاب الرأي كشف وجهها الآخر الحقيقي أمام العامة.
فضيحة جديدة ألمت بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بعدما عمل على قمع ومحاولة سجن كاتب أكاديمي، عمل لسنوات طوال في خدمة بلاده إلى أن ارتكب "جريمة التعبير عن الرأي" وكشف حقائق خفية تورط الرئيس التركي في فضائح منها تمويل الإرهاب، لتنقلب بعدها حياته رأسا على عقب ويتحول من أكاديمي مرموق حامل لشهادة الدكتوراه، إلى هارب يبحث عن الأمان، فالكاتب حاليّا أشبه بالميت الموجود على قيد الحياة بعدما أمر أردوغان بدفنه حيّا بسبب كتاباته.
تورط أردوغان مع إرهابيين سوريا
القصة بدأت بمجموعة من المقالات، عبر فيها الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية، إيمري أوزلو عن آرائه الناقدة لسياسات أردوغان، وكشف تفاصيل تثبت تواطؤ الرئيس التركي مع جماعات متشددة في سوريا، من خلال استخدامه لهيئات المساعدات الإنسانية في نقل مساعدات لهم.
وبمجرد أن نطق أو كتب أوزلو كلمة نقد بحق أردوغان، حتى تحول إلى هدف علني لسياساته القمعية، وتعرض لحملات هجوم مباشرة من أردوغان نفسه.
وقال أوزلو لموقع "سكاي نيوز عربية: "لم تكن هناك أي اتهامات موجهة ضدي، لكنني تحولت إلى هدف لأردوغان، الذي تحدث عني وهاجمني في أكثر من مناسبة، لمجرد أنني انتقدته".
ومع مرور الوقت وفي زيارة مفاجئة، وصل "وكيل الأعمال القذرة" الخاص بأردوغان، وهو مستشاره السابق مجاهد أرسلان إلى الجامعة التي كان أوزلو يعمل بها، لتنفيذ أمر بطرده.
وأوضح أوزلو أن أرسلان عرف بقيامه بـ "المهام القذرة" التي تصدر بأمر من أردوغان، مثل طرد أو اعتقال أشخاص.
وتابع: "بعد فترة وجيزة من تعرضي للطرد، وصلتني معلومة من شخص يعمل بالشرطة بأنهم سيعتقلونني، لذا هربت من البلاد عام 2014، بينما لم يفلح صديقي العزيز الصحفي محمد بارانسو في الهرب، وهو قابع في السجن منذ 4 سنوات بتهم متعلقة بالإرهاب، بالرغم من أن كل ما قام به هو انتقاد أردوغان".
تهمة إهانة الرئيس
وأشار أوزلو إلى أن انتقاد أردوغان تحول إلى "تهمة بإهانة الرئيس"، موضحا أنه منذ توليه الحكم عام 2014، تم التحقيق مع 68,827 شخصا بهذه التهمة، فيما وجهت الاتهامات رسميا ضد 12,839، وتمت معاقبة 3414 شخصا بالسجن، ولا تزال محاكمة أكثر من 3 آلاف شخص مستمرة.
وعن عملية الهروب نفسها، قال أوزلو إنه سافر بشكل عادي من أحد المطارات التركية قبل أن يصدر أمر اعتقاله، أما معظم أصدقائه الصحفيين وغيرهم من الملاحقين، فقد هربوا عبر اليونان، لافتا إلى أنها توفر المساعدة للأتراك المضطهدين.
الفتك بالعقول
وبعد هروبه، استقر أوزلو في الولايات المتحدة حيث يعمل في المجال الأكاديمي، لكنه لم يحصل على صفة "لاجئ".
وقال: "لم أتقدم بطلب لجوء لأنني أكاديمي وحاصل على شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة، وبالتالي أنا قادر على الحصول على وظيفة".
وأعرب أوزلو عن "حسرته" على حال الأكاديميين وحملة الشهادات العليا من كبرى جامعات العالم، في تركيا، قائلا: "أكثر من 5 آلاف أكاديمي فصلوا من عملهم، وغيرهم الآلاف من حملة الدكتوراة من أكبر دول العالم وُضعوا في السجون، بدلا من أن تستفيد البلاد من خبراتهم".
وتطرق الأكاديمي التركي إلى العالم الذي يحمل الجنسيتين التركية والأميركية وعمل لدى وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، سركان غولج، والذي حكمت عليه محكمة تركية في فبراير الماضي بالسجن لمدة 7 سنوات ونصف بتهمة الإرهاب، قبل أن يتم تخفيض العقوبة في سبتمبر الماضي إلى السجن لمدة خمس سنوات.
عمليات الخطف الدولية
بالرغم من أن أوزلو وغيره نجحوا في الخروج من تركيا بأمان، فإن حياتهم لا تزال في خطر، نظرا لعمليات الخطف التي تنفذها حكومة أردوغان بحق الهاربين، لتعيدهم إلى أراضيها بالقوة وتضعهم في السجون وتعرضهم لعمليات تعذيب ومحاكمات صورية.
وقال لموقع سكاي نيوز عربية: "تركيا تتبجج بخطف 80 شخصا من 18 دولة، وجلبتهم إلى تركيا ولا نعرف مصير الكثير منهم"، لافتا إلى أن بعض الدول تتعاون مع تركيا وتسهل عمليات الخطف لها.
وتابع: "عندما ننظر لمواقع الاختطاف، يمكننا أن نميز بأن تلك الدول خاضعة لنفوذ أردوغان، من خلال المسؤولين الفاسدين والرشاوى، أما في أميركا والدول الغربية الكبرى، فإن تنفيذ مثل هذا الأمر يعد احتمالا صعبا".
وتحدث أوزلو عن "اتفاقية" أبرمت بين المستشار السابق للأمن القومي الأميركي مايكل فلين ونجله، ومسؤولين كبار في الحكومة التركية، ليتم ترحيل رجل الدين التركي فتح الله غولن من أميركا وإعادته إلى تركيا، مقابل ملايين الدولارات.