الطماطم والبطاطس يكشفان أزمة البذور وتخبط وزارة الزراعة

السبت 01 ديسمبر 2018 | 03:37 مساءً
كتب : مصطفى عبد الفتاح

كشفت أزمة محصول الطماطم الأخيرة التي خسر بسببها نحو 18% من إجمالى إنتاجه بسبب نوعية البذور المستخدمة في الزراعة، والتي تكررت أيضا بشأن البطاطس، وما زالت مستمرة، عن مدى التخبط الذي يعاني منه القطاع الزراعي في مصر.

 

وزير الزراعة الدكتور عز الدين أبوستيت، أكد- خلال حضوره اجتماع لجنة الزراعة والري بمجلس النواب، برئاسة النائب هشام الشعيني، خلال الأسابيع القليلة الماضية لمناقشة عدد من طلبات الإحاطة بشأن تضرر زارعي الطماطم بمحافظات "البحيرة، كفر الشيخ، المنيا، الدقهلية" من فساد التقاوي المستوردة من صنف "023"، إلى جانب أزمة نقص محصول البطاطس بالأسواق وارتفاع أسعاره، ودور الوزارات المعنية في التصدي لهذه المشكلة التي انعكست على المواطن- وقف استيراد بذور الطماطم من فرنسا واليابان؛ بعد ثبوت إصابتها بفيروس، حماية للمواطن وحفاظا على الأراضي الزراعية من أي فيروسات تضر بالتربة.

 

وكشف الوزير عن استيراد مصر لتقاوى خضر بمبلغ وصل إلى مليار دولار تقريبا، رغم الظروف التي تعاني منها البلاد، لافتا إلى أن أرباح الشركات المستوردة للبذور مهولة.

 

تمراز: التقاوي المستوردة مقاومة للأمراض أكثر من المحلية

وحول هذه الأزمة، قال النائب سعد تمراز، عضو لجنة الزراعة بالبرلمان، إن مصر لديها صعوبة كبيرة في تصنيع بذور تعطي إنتاجية كبيرة في المحاصيل أو تكون مضادة للأمراض التي تصيب الكثير من المزروعات في الوقت الحالي، ضاربًا المثل بمحصول البطاطس الذي تقوم الوزارة باستيراد بذوره من الخارج لأنها تعطي إنتاجية كبيرة فمثلًا الـ 50 كيلو منها تعطي إنتاجية تصل إلى طن، ونفس الأمر ينطبق على محصول الطماطم.

 

وأضاف عضو لجنة الزراعة أن بذور الطماطم المستوردة تكون مقاومة للأمراض من البذور المنتجة في مصر، موضحًا أن تأخر مصر في كثير من المجالات أثر بشكل كبير على مجال إنتاج المحاصيل الزراعية أيضًا.

 

وعن الأرباح الكبيرة التي تحققها الشركات المستوردة للبذور من الخارج، قال إن وزارة الزراعة هي المسؤول الأول عن افتتاح أي منافذ جديدة لبيع البذور داخل مصر، وبالتالي أي خلل يحدث؛ تصبح هي المسؤولة عنه أمام الشعب، ويجب محاسبتها على هذا الأمر.

 

وأوضح أن المحتكرين لاستيراد بذور المحاصيل من الخارج، أسماؤهم تعد على أصابع اليد، وبالتالي فهم يتحكمون في سعرها كما يشاءون، ضاربًا المثل بشيكارة البطاطس "ممكن يجيبها من برة بـ300 جنيه ويصل سعرها إلى 1500 جنيه عند بيعها للمزارع".

 

وأكد تمراز أن وزارة الزراعة هي السبب الرئيسي، مشيرًا إلى أن محصولي البطاطس والطماطم من المحاصيل المدللة، لأنها تتطلب رعاية فائقة من الفلاح؛ لذلك يجب أن يجد مقابلا كافيا للتعب المبذول في زراعتهما، مشيرًا إلى أن تطبيق الدورة الزراعية هو الحل لكل هذه المشكلات، قبل أن نشهد أزمة جديدة خلال الأيام القليلة المقبلة.

 

برلماني يكشف السبب الحقيقي للأزمة بين الفلاحين والوزارة

أما النائب إبراهيم خليف، عضو لجنة الزراعة بالبرلمان، فقال إن وزارة الزراعة حاليًا لديها أزمة ملخصها أنها إذا اشترت حبوبا ليستخدمها الفلاح في عمليات الزراعة للتغلب على أزمة سيطرة القطاع الخاص على سوق استيراد بذور المزروعات من الخارج ولتفادي ما حدث في أزمة الطماطم الأخيرة، ولم يقم أحد من الفلاحين بشرائها منها؛ سيعتبر إهدارا للمال العام.

 

وأضاف عضو لجنة الزراعة أن سبب ما حدث في أزمة الطماطم الأخيرة هو عدم وجود رقابة جيدة الأمر الذي نتج عنه حدوث الأزمة الأخيرة، مشيرًا إلى أننا في حاجة إلى تشديد الرقابة للقضاء على ما يحدث فى سوق البذور والتقاوي.

 

نورالدين: الفساد دمر المحاصيل ودفع دولا لحظر شرائها من مصر

أما الدكتور نادر نورالدين الخبير الزراعي، فقال إن مصر كانت تنتج بذور المحاصيل في الماضى عبر شركة نوباسيد التي كانت أكبر شركة لإنتاج البذور والتقاوي في الشرق الأوسط والتي بيعت في التسعينيات لمستثمر سعودي قام بحل الشركة وبيعها كأراض؛ فخسرنا أكبر مركز مصري لبيع البذور كان يقدم للفلاح كل ما يحتاجه منها.

 

وأضاف الخبير الزراعي أن كل دول العالم تحدثت عن أن مصر هي الدولة المؤهلة لإنتاج البذور في الشرق الأوسط وليست إسرائيل التي سحبت البساط من تحت أقدامنا رغم أنها دولة حديثة العهد بالزراعة وأرضها كلها صحراوية لكنها أصبحت مسيطرة على سوق التقاوى في المنطقة بأكملها، حيث كان من الأولى لمصر التي بدعت الزراعة منذ عهد الفراعنة أن يكون لها الريادة في هذا المجال، مشيرًا إلى وجود علامات استفهام كبيرة حول بيع هذه الشركة، وأن المهندس أحمد الليثى الذى كان وزيرًا للزراعة وقت بيعها؛ تعرض لمحاكمات عقب ثورة يناير بسبب ذلك.

 

وعن أزمة محصول الطماطم الأخيرة، أكد نور الدين أن خسارة الـ 18% من محصول الطماطم وهو محصول يخرج إنتاجه كل 4 أشهر؛ يعني أن عروة كاملة قد فسدت، وتسبب في أن يصل سعر الكيلو منها إلى 15 جنيها رغم أن مصر تحتل عالميًا ما بين المركز الخامس إلى السابع في إنتاج الطماطم بنحو 7 ملايين طن سنويًا، ونحن مصنفون كدولة مصدرة للطماطم.

 

وأوضح أن ما حدث هو أن العروة التي تزرع في شهر أغسطس في مناطق معينة مثل "النوبارية والبحيرة ووادي النطرون" وزعت البذور على 60 ألف فدان هي التى تغذي السوق خلال شهر أكتوبر؛ فكانت النتيجة أنه لا توجد طماطم، الأمر الذي اضطر الدولة إلى استيراد كمية من الخارج لتغطية احتياجات السوق، قائلًا إنه من حسن حظنا أن عروة الفيوم التى تخرج للسوق في نوفمبر، هي التى أنقذتنا حاليًا من الأزمة.

 

وأشار إلى أن ما يحدث هو أن أي صنف جديد يدخل إلى السوق تقوم الدولة بالكشف عنه وتتأكد من أنه مطابق للمواصفات، وبالفعل كشفت الدولة على أول دفعة من بذور محصول الطماطم وصلت مصر في أول مرة، لكن في الدفعة الثانية لم يقوموا بالكشف عليها؛ فكانت النتيجة ما حدث، لذا يجب على الوزارة أن تعيد الكشف على كل دفعة تدخل مصر وألا تكتفى بذلك تجاه الدفعة الأولى فقط.

 

وعن حديث الوزير عن الأرباح المهولة التي تحققها الشركات المستوردة، أكد نور الدين أن الدولة هي السبب الرئيسى في ذلك فعندما أعلنت عن خصخصة قطاع التقاوي في التسعينيات، وألغيت الهيئة الزراعية في وزارة الزراعة والتي كانت مسؤولة عن استيراد كل أنواع البذور والتقاوي للفلاح وتعطيها له ويدفع ثمنها عقب حصاد المحصول، لكن بمجرد الخصخصة؛ كانت الدولة تبيع طن البطاطس للفلاح بألف جنيه مثلًا، في حين أن أول دفعة استوردها القطاع الخاص، باعها للمزارع بـ5 آلاف جنيه.

 

وتابع أن الفساد أيضًا صاحب تولى القطاع الخاص المسؤولية، والذى بدأ في استيراد أنواع ليست جيدة؛ فأصيبت البطاطس بالعفن البني والأسود الأمر الذي نتج عنه أن دولا مثل روسيا حظرت استيراد البطاطس من مصر من مناطق معينة، والسبب في ذلك التقاوى غير الجيدة التي استوردها القطاع الخاص، مطالبًا الوزير بضرورة عودة الهيئة الزراعية لأن السوق المصري ملىء حاليًا بالتقاوى والمبيدات المغشوشة، فهذا سيعيد الاستقرار للسوق ويخفض الأسعار.

 

صيام: يجب إنشاء شركة حكومية بديلة تدخل السوق 

في حين قال الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، إن أي بذور يتم استيرادها من الخارج من الطبيعي أن تخضع للفحص؛ لأن بذور النباتات خطيرة جدًا ومن الممكن أن تسبب لك أضرارًا كثيرة وتنقل لك أمراضا ليست مستوطنة في الدولة، مشيرًا إلى أن مصر تستورد جميع تقاوي محاصيلها من الخارج.

 

وأضاف أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة أن مصر غير قادرة على إنتاج بذور زراعية لأنه وببساطة شديدة نحن لا نمتلك المخصصات المالية الكافية التي تساهم في تحقيق ذلك، موضحًا أن ميزانية المركز القومي للبحوث العام قبل الماضى بما فيه من 10 آلاف دكتور و12 معهدا بحثيا و6 محطات بحوث، بلغت 3 ملايين جنيه فقط، وارتفعت السنة الماضية 100 ألف فقط، والعام الحالي 200 فقط.

 

وأشار صيام إلى أن هناك شركات عالمية عملاقة تنتج بذور النباتات، ونحن كمصريين في حاجة إلى الكثير من المال كي ننتج بذورا ذات كفاءة عالية وتعطي إنتاجية مرتفعة للمحصول، مبينًا أن مصر نجحت في توفير بذور لبعض المحاصيل مثل القمح والقطن، لكن المشكلة لدينا الآن في إنتاج بذور الخضار والفاكهة فمحصول كالطماطم مثلًا البذور المستقدمة من الخارج تعطي إنتاجية تصل إلى 50 طنا في حين أنه حين يتم إنتاجها في مصر تعطي 16 طنا فقط فهناك فرق شاسع ومهول.

 

وأكمل صيام أن مصر تعيش الآن بنظام الاقتصاد الحر وبالتالي فالسوق متاح به العرض والطلب الأمر الذي سمح للقطاع الخاص بالدخول في السوق وبالتالي فأنا ليس من حقي أن أتدخل في ربح يحققه مستورد معين، لكن أتساءل هنا لما لا ننشئ شركة مثل نوباسيد تكون حكومية وتدخل في السوق وتساهم في تحقيق الربح وأيضًا تضمن جودة عالية لنوعية البذور التي يتم تقديمها للفلاح.

 

وواصل أن مركز البحوث عاجز عن توفير برنامج بذور قوي لعدم توافر مخصصات مالية تحقق هذا الهدف فأنت بحاجة إلى تمويل للبحوث وهذا ما تفعله الدول المتقدمة وتحقق ربحية مرتفعة من هذا البحث العلمى الذي يعود عليها بالنفع في النهاية، موضحًا أن الدستور المصري أكد ضرورة تخصيص 4% من الناتج القومي للبحث العلمي لكن على أرض الواقع النسبة لم تخصص.

 

وتابع أن الدولة لا تعطي أولوية لموضوع البحوث والتطوير والإرشاد الزراعى وغيرها من الأمور التى تعود بالنفع على الجميع، مناشدًا الوزير بضرورة أن يكافح من أجل زيادة مخصصات الزراعة من ميزانية الدولة؛ لتحقيق ما نريده، وحتى يتم التخلص من تهميش الزراعة الذي وصل إلى أن نصيبها من الاستثمارات 2%، وهذا لا يتناسب مع أهمية الزراعة كأحد الموارد الرئيسية للاقتصاد فى مصر.   

 

أبوحسين: كارثة مرتقبة في الطماطم عقب شهرين من الآن

أما الحاج صدام أبوحسين نقيب الفلاحين فقال إن البذور لم تؤخذ منها عينة قبل زراعتها؛ لمعرفة إذا ما كانت مقاومة للفيروس من عدمه، الأمر الذي نتج عنه خسارة الـ 18% من المحصول، والتوصية بعدم استيراد هذا النوع من البذور.

 

وأضاف نقيب الفلاحين أن المتبع، هو أن الوزراة كانت تكتفي بالشهادة التي حصل عليها المستورد وقت استيراد الصنف بأنه مطابق للمواصفات، وكل عام تدخل البذور إلى السوق المصرية، لكن حاليًا يجب أن يكون هناك كشف على البذور بأكملها؛ لأن هناك بذورا موجودة فى السوق غير مطابقة للمواصفات، مؤكدًا أن سوق الزراعة في مصر سيظل يشهد أزمات متتالية؛ طالما أن وزارة الزراعة تسير بطريقة غير صحيحة.

 

وتابع أبوحسين أن يجب على مصر ألا تستورد هذه البذور وأن ننتجها داخل مصر، لكن ذلك لن يحدث في ظل وجود مافيا لاستيراد البذور من الخارج، وفي ظل اعتراف وزارة الزراعة أنها ليست لديها القدرة على إنتاج هذه البذور لعدم توافر الإمكانات قائلًا: "طالما أنك لا تمتلك الإمكانات؛ فما وظيفتك فى الدولة".

 

وواصل أن محصول مثل القمح مثلًا أعلنت وزارة الزراعة أنها حققت الاكتفاء الذاتي من تقاويه، لكن للأسف هذا ليس صحيحا فالوزارة تنتج تقاوي لمليون فدان، أما الـ 2 مليون فدان المتبقية؛ فالفلاح هو الذى يخزن بذورها من المحصول السابق، وهذه البذور لا تحقق إنتاجية كافية وجيدة.

 

وذكر أن الأسواق المصرية ستشهد ارتفاعا في أسعار الطماطم عقب شهرين من الآن، ليس فقط بسبب الفيروس الذي أصاب المحصول الحالي؛ ولكن أيضًا بسبب إصابة الطماطم بمرض السوسة والذي أثر على 30% من المحصول المزروع حاليًا، مؤكدًا أننا سنظل في هذه الدوامة طالما أن الوزارة ليس بها تقاوي جيدة أو مبيدات تقضى على الآفة، فلابد من خطة جيدة لاحتياجاتنا، وتفعيل قانون الزراعات التعاقدية لحل كل هذه الأزمات.

 

 

 

 

 

اقرأ أيضا