نعم بالفعل تحقق الحلم واستطاعت مصر أن تجعل من نفسها رائدة فى تصدير الغاز, فبعد الاكتشاف الذي أطلق عليه حقل "الحلم والنجاح"، وهو حقل "ظهل" في المياه العميقة بالبحر المتوسط وبالقرب من الحدود القبرصية بحوالى 5 كيلومترات تحقق الحلم حتى يرى العالم كيف استطاع المصريون أن يبنوا مستقبلهم بأيديهم بدون مساعدة من أحد.
وما أن تم الاكتشاف وبدأت الإدارة المصرية التفكير فى كيفية الاستفادة من تلك الاكتشافات، ووضع دراسة سليمة، وكانت بدايتها التحالف الدولي الإقليمى مع قبرص واليونان لكى تتحول مصر إلى مركز إقليمى للطاقة بالبحر المتوسط، فهل سيطيح ذلك التحالف والغاز المصري بتركيا إقليميًا؟ وهل سيتوقف الدور القطري فى تصدير الغاز بعد ظهور الاحتياطيات لدى مصر؟.
التحالف الثلاثي القوى
وضعت الإدارة المصرية "قدمًا على قدمٍ" أمام الكارهين لها فى نوفمير 2014، وفى إطار تعزيز التعاون الاقتصادى والحفاظ على الأمن والاستقرار فى منطقة شرق البحر المتوسط، تحالفت مصر مع قبرص واليونان ما أزعج الأتراك والقطريين.
وتحولت القاهرة من خلال هذا التحالف إلى مركز إقليمى للطاقة بالبحر المتوسط؛ فمثّل ذلك التحالف تحديًا كبيرًا, خلق حالة من الاستفزاز السياسي أمام الأتراك، خاصة أنهم يمثلون الجزء الشمالي من أراضي الدولة القبرصية.
وما أن انتهت الدولة المصرية من ذلك التحالف أرادت أن تُظهر قوة الجيش المصري لأعدائها, فبعد أن تم التعاون الاقتصادى بين التحالف كان لابد من التعاون العسكري الذى شهد فى ذلك الوقت مشاركات عسكرية ومناورات بين قبرص واليونان، وهذا ما جعل الأتراك غاضبين جدًا لدرجة أنهم أصدروا بيانًا قائلين فيه إنهم يعترضون على المناورات المشتركة بين مصر واليونان فى جزيرة رودس اليونانية وإن تلك المناورات هى خرق واضح وصريح للقوانين الدولية.
ترسيم الحدود مع الدول الخارجية وغضب العثمانيين
وبموجب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، استطاع المصريون كشف حقل "ظهر"، الذى استفز أعداءها, فكانت الاتفاقية الأعظم للتحول المصرى فى مجال الطاقة وهى ترسيم الحدود المصرية والقبرصية 2013 وترسيمها مع أثينا والسعي وراء اكتشافات جديدة للغاز فى الشرق الأوسط.
وما أن انتهت الاتفاقية وبدأت خيوط الشر من الاقتراب وغضب الأتراك؛ لأنهم قريبًا سيطاح بهم لقوة الشأن المصري فى المنطقة, صرّح وزير الخارجية التركى غاضبًا: "إن الاتفاقية بين مصر وقبرص ليست قانونية"، ورد عليه المتحدث باسم الخارجية المصرية قائلاً: "لا يمكن لأي طرف أن يتنازع فى قانونيتها".
إرباك وتقليص حجم دولة أردوغان.. وتزايد نفوذ القاهرة
بعد أن بدأت مصر التحول لتكون مركزًا إقليميًا للطاقة، ارتبك الأتراك وأخذوا يفكرون ليلاً نهارًا بعد ما قدمت مصر نفسها للاتحاد الأوروبي بأنها مركز عالمي للغاز الطبيعى وتصديره من الشرق إلى الغرب عبر خط السيل، ما وضعت للأتراك فى موقف لا يحسد عليه.
فكل ذلك الإرباك للأتراك يرجع إلى اعتمادهم على مشروع السيل التركي، وهو خط ممتد لنقل الغاز الروسي من خلال تركيا وتجميعه وتوريده فى وقت لاحق لأوروبا، ومن خلال ذلك الخط فإن روسيا تمد الدول الأوروبية بما يتراوح بنسبة 40 % من الغاز، وبذلك يخضع صناعة القرار السياسي فى القارة الأوروبية للهيمنة الروسية، بفضل الأتراك لمرور الغاز وتجميعه من خلالهم، ولكن عند الوجود المصري يفتح الباب أمام مصر لتصبح مركزًا عالميًا وتقديم نفسها أمام دول القارة الأوربية وتعطل العثمانيين، لأنها لن تجد سوى الغاز الروسي، الذى تريد أوروبا أن تتخلص من سطوته عليها، فضلاً عن حصول مصر على نفوذ أكبر بين الأوساط الدبلوماسية الأوروبية والدولية.
وحول هذا الأمر، يقول الدكتور بشير عبدالفتاح، الخبير في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن تركيا لا تستطيع الآن أن تصارع الدول الثلاث للتحالف، وستسعى في الفترة المقبلة إلى ترسيم الحدود على الرغم من التصعيد الذى حدث من جانبها الفترة السابقة.
ويضيف عبدالفتاح، أنه لا يسمح لتركيا الاعتراض على الاتفاقية, واصفًا ما فعلته بالحقد والاستعداء المستمر لمصر، موضحًا أن ترسيم الحدود بين مصر وقبرص جعل للدولة المصرية أرضيه للعمل المثمر وفتح أمامها أبواب التنقيب والبحث.
ويشير إلى أن الاتفاقيات الدولية هي أكبر حجّة تقام على الأتراك لإسقاط أي اعتراض لهم على الحقوق المصرية، وأن لكل دولة حق فى مياهها الإقليمية، ومصر لم تعتد على الجرف التركى، كما قالت وزارة الخارجية التركي، مبينًا أن هناك مفاوضات أخرى لتوريد الغاز القبرصي إلى مصر، ما أثار حفيظة تركيا التي تعترض بشدة على بيع الغاز القبرصي قبل التوصل إلى حل سياسي للأزمة مع قبرص.
استفادة مصر من حقل ظهر
يعتبر إنتاج الغاز الطبيعى تأمينًا لإمدادات الوقود بدلاً من استيرادها؛ لأنها ستعود على الاقتصاد المصري بعائد سيوفر تكلفة شحنات الغاز المسال بعد أن يصل حجم الإنتاج إلى 350 مليون قدم مكعب يوميًا، وأيضًا سيخفف العبء عن العملات وسيوفر نحو 60 مليون دولار شهريًا، وسيقلل من النفقات الزائدة وزيادة إيرادات وتحسين الميزان التجارى وزيادة الاستثمار الأجنبى وتصنيع منتجات يستوعبها السوق المصري، ويمكن التصدير والاستفادة بالعملة الصعبة وتوفير مواد جديدة للخزانة العامة وتراجع عجز الموازنة.
وعلى ضوء ذلك، قال الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى، إن حقل ظهر هو اكتشاف قوي للاقتصاد المصري وسيوفر لها احتياجاتها بدلاً من الاقتراض الخارجى من صندوق النقد الدولى واستيراد الغاز الخارجى؛ لأنه بحلول العام المقبل سوف تكتفي مصر بدخلها ولن تستورد مرة أخرى، موضحًا أن الاكتشاف مهم جدًا فى الوقت الحالى لانتعاش السوق المصري.
وأضاف عبده في تصريحات لـ"بلدنا اليوم" أن ذلك الاكتشاف يدعم الدولة داخليًا فى المصانع والكهرباء وتلبية احتياجات السوق المصري، واستعادة مصر مكانتها بين دول العالم، كما أنه خلق نوعًا من الانتعاش بها لجذب الاستثمار وترسيخ نوع من الراحة عند رجال الأعمال وإضافة استثماراتهم للسوق.
وأكد ضرورة إيجاد حلول لخلق مناخ جيد أمام المستثمر وخلق نوع من الديمقراطية والحيادية تجاهه، لتدفق العملة الأجنبية وتحسين مؤشر الاقتصاد المصري.
التهديد القطري والترشيح المصري لتأمين احتياجات دول الخليج
تعتبر قطر من أكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعى لأنها تمتلك عددًا كبيرًا من المحطات التى تتراوح إلى 11 محطة بإنتاج وقدره 77 مليون طن سنويًا، كما تعد ثالث أكبر الدول المصدرة فى العالم بنحو 14 %، ولكن ما حدث يقلق الإمبراطورية القطرية، ويجعلها تواجه صعوبات وتحديات قوية فى الفترة القادمة فبعد اكتشاف حقل ظهر ووصول مصر إلى الاكتفاء الذاتى واستعدادها لمد دول الخليج والدول الأوروبية بالغاز، كل ذلك يجعل الموقف القطرى صعبًا جدًا؛ لذلك فإن اكتشاف حقل "ظهر" سوف يؤثر كثيرًا على الجانب القطرى، وذلك ما دفع قطر إلى الوصول لعقود جديدة فى أستراليا.
وبوجود الأزمة بين قطر من جانب والرباعي العربى من جانب آخر؛ حيث تحول الأمر إلى حصار اقتصادي فبعد أن هددت قطر بقطع الغاز عن الإمارات وغيرها من دول الخليج، جاء الأمر بدون أهمية؛ لأن مصر مرشحة لتأمين احتياجات الدول الخليجية، وتتوقع الشركة الإيطالية المكتشفة للحقل أن يحتوي الحقل على 300 تريليون قدم مكعب أى ما يمثل 505 مليار برميل لذلك يعتبر الاكتشاف كارثة على الجانب القطرى.
انهيار الليرة التركية مكسب للسوق المصري
ولنقل إن سببًا رئيسيًا فى هبوط الليرة التركية يرجع إلى المواد البترولية بصفة عامة وتحرير سعر الصرف لها وهبوط مؤشرات الاقتصاد التركى لأدنى مستوى واتفاق أوبك حول خفض مستويات الإنتاج، والذي دفع أسعار النفط إلى مستويات مرتفعة فوق 54 دولارًا للبرميل، وهو ما يزيد الضغوط ويرفع التكلفة على واردات الحكومة من النفط، لذلك فإن السوق المصري لديه فرصة كبيرة لاستغلال هذه الأزمة، وذلك من خلق سوق جاذب لسحب جميع التعاملات التركية التى ستعانى من معدل التضخم هناك وذلك معناه أن قيمة الليرة التركية أكثر من 39% من قيمتها، وذلك يجعل الأتراك يرفعون تكلفة الاستيراد وسيضطر المستورد إلى تقليل وارداته.
وحول هذه النقطة، أوضح الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادى، أن انهيار العملة التركية عامل خطير على السوق المصري؛ لأن ذلك يمكن أن يجعل النمو الاقتصادى منكمشًا لعدم السيطرة عليه نظرًا للهجوم المتوقع على الصادرات التركية.
وقال النحاس في تصريحات لـ"بلدنا اليوم"، إن تدهور الليرة التركية يمكن أن يتحول من خلال التجار إلى جشع، وذلك من خلال استيراد كميات كبيرة من المواد وتخزينها، وذلك يجعل من عجلة الاستثمار فى السوق المصري غير منتظمة نهائيًا لارتفاع السعر على المستهلك.
وأوضح النحاس أن جذب الاستثمارات التركية هى بنية أولية يمكن الاستفادة منها من خلال فتح الأسواق أمام رجال الأعمال الأتراك والتسهيل لهم، وذلك بناءً على الاتفاقيات، ولكن توجد معوقات وهى الاستعلام الأمني، وذلك لابد من إيجاد حلول للتسهيل على المستثمر، لأن الاستثمار حاليًا يذهب إلى روندا وكينيا فلابد أن نجعل من السوق المصري أفضل من أى دولة أخرى.
وأشار إلى أن الاستعلام الأمنى فى مصر صعب جدًا بالنسبة للمستثمر وأن قواعد البيانات المصرية كثيرة والسؤال هنا؟ لماذا لا نضع كل تلك القواعد فى أيقونة واحدة للتسهيل على المستثمر حتى يتمكن من معرفة احتياجات السوق المصري ومتوسط دخل الفرد.
موضوعات متعلقة :-
- أردوغان على حافة الهوية.. وقطر تستغل السقوط
- أردوغان يرفض حضور مأدبة عشاء ترامب.. بسبب ”صورة”