الأفلام السينمائية عبارة عن حالة تجعلنا نعيش بداخلها بكل تفاصيلها.. حياة بداخل حياة تأخذنا بعيدًا وتجعلنا نعيش في عوالم أخرى في نفس الوقت.. الفيلم باختصار هو صناعة صورة ومن ثم تركيب الصوت على هذه الصورة لتعطي حدثًا معينًا، تبهرنا جمال الصورة والمؤثرات الصوتية التي تشدّ كل انتباهنا وتركيزنا.
ويعد الصوت جزءًا أساسيًا ومؤثرًا في الأعمال السينمائية، فمع تطور السينما نشاهد أحدث التقنيات في جودة الصوت والصورة؛ حتى نشعر وكأننا انتقلنا لقلب الحدث ونشعر به كليًا؛ فإذا كانت قصة فيلم تدور في الفضاء فنشعر وكأننا صعدنا مع أبطال الفيلم إلى الفضاء، وإن كانت قصة الفيلم تدور حول مطاردة وحوش فصوت مؤثراته يجعلنا نعيش داخل الفيلم، لذلك تسعى الشركات العالمية للوصول لأكبر جودة صوت وصورة حتى في التليفزيونات المنزلية، إلى جانب الإخراج والتمثيل والموسيقى.
محاولة تركيب الصوت على الصورة
في عام 1888، حاول "أديسون" مخترع الجرامافون، التعاون مع "موبريدج" مخترع زوبراسكوب، الذي كان يعرض صورًا متحركة فقط صامتة، ولكنهما لم يستطيعا في ذلك الوقت دمج الصورة مع الصوت، فاستمر "أديسون" بمحاولاته مع مرور الوقت حتى نجح بمساعدة العالم "وليام ديكسون" في صنع جهاز الكينتوسكوب، وبالفعل نجح الجهاز في تسجيل الصوت مع الصورة عن طريق دمج الجرامافون بالكينتوسكوب، وكوّنا جهازًا سٌمى بـ"الكينتوفون"، لكن للأسف لم ينجح إلا فيلٌم وحيدٌ مُدته بضع ثواٍن، وهو عبارة عن عازف كمان يعزف وأمامه رجلان يرقصان على عزفه.
نجاح التحربة وظهور "مغني الجاز"
وظلت العديد من المحاولات لإنتاج فيلم مدته أكبر والعمل على تحسين جودة الصوت وضبطها مع الصورة المتحركة المعروضة حتي عام 1927وبالتحديد في 6 من أكتوبر تم عرض أول فيلم ناطق في السينما اسمه " مغني الجاز "، واحتل المرتبة الـ90 في قائمة أهم مائة فيلم في تاريخ السينما، وأحدث الفيلم ضجة كبيرة ونقلة عالية في تاريخ وبداية صناعة السينما، والفيلم من إنتاج شركة "وارنر Warner"، وعرُض الفيلم على جهاز آخر "الفيتافون Vita phone"، الذي يسجل الصوت على إسطوانة من الشمع تدار مع جهاز العرض السينمائي بطريقة ميكانيكية مطابقة للصورة، وهو جهاز يعتمد على اختراع "هبورث Hepworth".
قصة "مغني الجاز" الملهمة
رُغم بساطة الفيلم وعدم وجود حوار والاعتماد فقط على التمثيل والموسيقى والغناء والمؤثرات الصوتية، إلا أنه يأخذك بعيدًا ويجعلك مستمتعًا تشعر وكأن الموسيقى تفوقت على الكلام في توصيل المعنى والمشاعر.
وتدور أحداث الفيلم حول قائد الفرقة الخاصة بالترتيل في كنيسة يهودية بمدينة نيويورك الأمريكية، ويحاول هذا القائد إقناع ابنه أن يرث مهنة الترتيل عنه التي ورثها عن آبائه وأجداده، ولكن الابن يرفض لأنه يطمح أن يكون مغنيًا مشهورًا ولكن الأب اعتبر ذلك تخليًا عن التراث ويقوم بطرد الابن من المنزل رغم تعاطف والدته معه.
وينجح الابن في الغناء في النوادي الليلية في عدد من المدن في أمريكا حتى يصبح واحدًا من ألمع نجوم موسيقى الجاز، ويتعرف على الراقصة المشهورة التي تقدم عروضًا مسرحية غنائية في مسارح برودواي بنيويورك وتساعده الراقصة الغنائية على تحقيق حلمه ويزور أسرته مرة أخرى أثناء التدريب على المسرحية، ولكن يواصل أباه مقاطعته حتى يتعرض الأب للمرض للدرجة يعجز عن الذهاب للترتيل ويرفض الابن في بداية الأمر أن يحل محل والده في نفس الليلة التي يصادف فيها افتتاح مسرحيته على مسارح برودواي.
ولكنه يعلن في الكنيسة أن الاحتفال بالعيد سوف يمر لأول مرة من سنين دون مرتل، فيظهر مغني الجاز في اللحظة الأخيرة لكي يشارك في الترتيل ويؤجل افتتاح المسرحية لليلية التالية، بذلك يكون قد حافظ على تراثه الديني وأرضى والده وحافظ على طموحه الفني.
نقطة تحول في السينما من الصامتة للناطقة
أسهم هذا الفيلم في تحويل السينما من صامتة إلى ناطقة في غضون عام واحد فقط؛ حيث تحولت السينما بالكلية إلى سينما ناطقة وتفوق الفيلم من الناحيتين الفنية والتجارية، لم يدخل الفيلم منافس الأوسكار؛ لأنه ناطق وينافس أفلامًا صامتة، ومُنح جائزة خاصة لمدير الإنتاج، حيث فاز داريل فرانسيس زانوك بجائزة الأوسكار الخاصة لإنتاجه الفيلم، ورُشّح أيضًا لنيل جائزة الأوسكار لأفضل كتابة، تم اختيار الفيلم من قِبل مكتبة الكونغرس لحفظه في سجلات الأفلام الوطنية للولايات المتحدة كونه "ثقافياً، وتاريخيّاً أو ذا مغزىً جميلاً".
تكلفة فيلم "مغني الجاز"
بلغت تكلفة إنتاج الفيلم حوالي 422000 دولار، بينما حقق أرباحًا تقدر بـ 3.9 مليون دولار في الولايات المتحدة، والفيلم من بطولة كل من آل جولسون، مي ماكيفوي ، ورنر أوليند ، وتصوير هيل مور، موسيقى لويس سيلفيرس.
إنتاج :"Warner Bros".
اقرأ ايضًا...
في يومهم العالمي.. حيوانات صنعوا مجدًا سينمائيًا
”حرب أكتوبر”.. فنانون يحاربون بين الحقيقة والسينما
قصص السندريلا المفقودة.. خادمة مصرية نُسج من حذائها أساطير
«اعمل نفسك ميت».. أشهر إفيهات الراحل علاء ولي الدين في ذكرى ميلاده