لم يكن يخطر بباله ولو للحظة واحدة أنه سيصبح حديث العالم وأن القوات الإسرائيلية، ستضع اسمه ضمن قوائم المستهدفين، لما صنعه من بطولة فى الحرب.
الحاج محمد العباسى، ابن قرية القرين مركز أبو حماد محافظة الشرقية، حصل على الشهادة الإعدادية حتى التحق بالخدمة العسكرية فى 1 يونيو 1967، ومع مشاركته فى حرب 73 عزم على التضحية بروحه فداء للوطن ويحقق إنجازا وبطولة عظيمة ربطها البعض باسمه المحبب إلى قلبه،: "محمد بيه رافع العلم"، والذى يحضر كل لقاءاته بـ"الجلباب والعمة".
ورغم مرور 45 عامًا على الحرب، إلا أن المشهد لم يغب عن ذاكرة الحاج محمد العباسى، فهو ما زال يتذكر أياما كانت هى الأصعب، ولكنها كانت الأمتع وبها الروح خاصة أنها كانت خدمة للوطن وفارقة فى مسيرته،: "ساعة القتال لم يخطر ببالى أى شىء سوى مصر، وكل جندى كان بداخله إما الشهادة أو النصر".
ولم يكن محمد على علم أو تحضير بأنه سيرفع العلم، بل هو كان يحارب، واهبا نفسه للوطن مقابل أن يأتى يوما ويرفع العلم: "والله كانت فيه منازعات بيننا وكل واحد عاوز يشيل علم مصر اللى كنا بنصلى عليه الجمعة، فقائد الكتيبة أخده، ولكن الله شاء بأن أرفعه أنا".
المنازعات التى كانت بين الكتيبة على حمل العلم لم تصل إلى حد المشاجرات، بل كان كلٌ منهم يحب أن يحمل هو العلم فقط لا غير، كما أنهم لا يعلمون أنهم سيعبرون القناة ولا موعد الحرب،: "لا لا، محدش فينا كان يعرف حاجة، والحرب قامت مرة واحدة، بس هو الكل كان بيحب يشيل العلم، وقائد الكتيبة خده، بس أنا كنت حاسس بإن ساعة الثأر قربت"، فبعدما تلقى الجندى بين صفوف الجيش أوامر بعدم الصوم؛ فطن بأن الحرب على المشارف، ولكنه لم يخطر أنها ستكون فى نفس اليوم.
وبتلقائية ودون تخطيط من الجنود، إلا أن الأمر كان مدبرا من الكبار، وبدأت عملية التمويه،: "إحنا بقى كنا على طبيعتنا، ومكناش نعرف حاجة، خدعناهم، كنا بنلعب كرة وشطرنج، وكان باين علينا الكسل".
وحانت ساعة الصفر وصدرت أوامر العبور،: "كنت بطلب من ربنا الشهادة قبل النصر، بس كنت بدعى ربنا أعمل حاجة قبل ما استشهد"، ومع إطلاق النيران على الدُّشم الحصينة وضرب البرج، إلا أن أمرا عجيبا ثبَّت الجنود،: "لقينا الله أكبر مكتوبة من اليمين للشمال فى السماء، فتعالت أصواتنا مرددين الله أكبر".
"العناية الإلهية كانت مع الجيش المصرى".. مر الجنود من القناة عن طريق القوارب المطاطة: "وكنا بنقول إزاى هنعدى على الكوتشات دى، 10 راكبين فى البحر على كوتش، وبفضل الله أكبر كان القارب يندفع حتى وصلنا الدشمة الحصينة"، وعن صعوبة تلك الدشم، قال: "كان فيها أسلاك شائكة وألغام وموانع، بس طلعت الدشمة الحصينة قبل وصول صحابى وكان معايا السمكى، وفريق من المهندسين، لحد ما طلعت على قمة الدشمة، وتم السيطرة عليها، وسدينا الفتحات كلها".
ساعات الحرب تختلف فى التعامل بين القادة والجنود، وخاصة وقت النصر أثناء تهنئة الجنود بعضهم البعض باسترداد أول جزء من أراضى الوطن، وقال بتلقائية لقائد الكتيبة دون أى ألقاب،: "مبروك يا ناجى.. قال لى: الله يبارك فيك يا محمد، وأدانى العلم، أنا ذُهلت ومسكت العلم، وروحت جارى شيلت العلم الإسرائيلى ودوست عليه برجلى، ورفعت العلم المصرى بسرعة، وكنت مبسوط قوى والعلم بيرفرف فوق سيناء".
موضوعات ذات صلة..
بطل ملحمة كبريت.. إبراهيم عبد التواب آخر شهيد في الحرب
«بالنفط والسلاح».. حرب أكتوبر وحّدت العروبة على أرض الفيروز