«جنود كثيرون يصطفون واحدًا تلو الآخر.. دبابات محمّلة بالذخيرة.. طائرات تعم سماء المكان.. غواصات مرصوصة على شط القناة فى وضع الاستعداد.. وعلم يرفرف أعلى جبلٍ كبير يحمل ثلاثة ألوان».. مشاهد رصدتها لك الكاميرا؛ فتارة تركز على هؤلاء الجنود الصائمين المرسوم على وجوههم علامات الأمل، وتارة تصور لك الجبال المرفرف على قممها أعلام العدو الذى انتهك كل حقوق الإنسانية.
ففي العاشر من رمضان عام 1973، شنّت مصر حربها من أرض سيناء على تلك المستوطنات الإسرائيلية، وحققت المعجزة التى أدهشت العالم فى اليوم الأول، وخلال 6 ساعات عبرت خلالها قناة السويس وحطمت حصون خط بارليف وتوغلت 20 كيلو مترًا شرقًا داخل سيناء، لتلتقط تلك الكاميرا مرة ثانية مشاهد تاريخية، لذلك الجندى الذى أصيب برصاصة غادرة وهو يرفع علم مصر على قمة الجبل فى الأرض المحتلة.
لم يكن الدور الأفضل لمصر وحدها فى تلك الحرب التاريخية، بل كانت هناك مساعدات من عدة دول عربية ساهمت فى تحرير أرض الفيروز، على خلاف القوات السورية التى شنت هجومًا فى نفس الوقت على هضبة الجولان وتمكنت من الدلوف حتى بحيرة طبريا، ففى تلك السطور التالية نستعرض دور الدول العربية فى حرب السادس من أكتوبر.
100 طائرة سورية تطيح بالمعسكرات الإسرائيلية
فى تمام الواحدة و58 دقيقة، يوم السادس من أكتوبر، تزامنًا مع الهجوم المصرى على قوات الكيان الصهيونى الإسرائيلى، كان للقوات السورية دور عظيم فى الجانب الآخر من ناحية الجولان المحتلة حتى هذه الأيام.
قرابة 100 طائرة سورية ملأت فضاء الجولان، فى غارة متفق عليها لضرب معسكرات الكيان الصهيونى، كما فتحت ألف فوهة نيران مدافعها لمدة ساعة ونصف لتنطلق وحدات وقطاعات الجيش السورى عبر الجولان مخترقة خط آلون الدفاعى وصولاً إلى مشارف بحيرة طبرية مكبدة القوات الإسرائيلية خسائر فادحة.
73 جنديًا كويتيًا فداء تحرير سيناء
لم تتوقف المساعدات العسكرية على الجيش السورى فقط، بل كانت هناك أدوار عدة لبعض الدول العربية على رأسها الدولة الكويتية، التى أرسلت إلى الجيش المصرى قبل أيام قليلة من اندلاع الحرب، كتيبة من قوات المشاة، وفور بدء الاشتباكات بين القوات المصرية والعدو، أرسلت لواء اليرموك للمشاركة فى الحرب، حيث أسفرت الاشتباكات عن خسارة الكويت 73 جنديًا من قواتها.
وفى سبتمبر عام 1974 عادت القوات الكويتية إلى بلادها، عقب المشاركة الثانية التى قدمتها للقوات السورية فى الجولان عن طريق إرسالها لواء "الجهراء"، وعلى الرغم من تعرُّض القوات الكويتية للقصف من جانب إسرائيل، إلا أنها لم تفقد أيًا من جنودها على الجبهة السورية.
الإمارات دعمتنا بالاقتصاد والإعلام
لم تكن المساعدات الإماراتية لمصر فى القوات العسكرية مثل سبيقتها، بل كانت من نوع آخر فى حرب اقتصادية لها تأثير سلبي على مدار سنوات؛ فتلك الزيارة المشهورة للشيخ زايد آل نهيان أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، إلى لندن، التى أعلن خلالها قطع النفط عن الكيان الصهيونى والدول التى تساندها من أوروبا قائلًا: "النفط ليس أغلى من الدم العربى".
ذلك القرار الصارم الذى اتخذه الراحل، كان بمثابة عامل ضغط قوى على الدول الأوروبية والصهيونية، بل مارس أعماله الشجاعة التى تظهر روح العروبة، أثناء الاشتباكات، حيث أمر سفير بلاده فى لندن بحجز جميع غرف العمليات المتنقلة وشراء هذا النوع من دول أوروبا لمعالجة الحرجى المصريين والسوريين، معلنًا أن بلاده تقف بكل إمكاناتها بجانب مصر وسوريا فى حرب الشرف من أجل تحرير الأرض المغتصبة.
ولم يتوقف دعم الإمارات المتحدة على الحرب الاقتصادية فقط، بل كان هناك دعم إعلامى، حيث جمع 40 صحفيًا من مختلف الدول الأوروبية، وأمر بتقديم كافة التسهيلات لنقلهم إلى جبهات القتال العربية على حسابه الخاص، لكشف الانحياز الذى تمارسة الصحف الأجنبية من أجل إسرائيل، وبفضل هذه الخطوة أتيح للعالم أن يسمع أخبار المعركة وتفاصيلها بلا تحيز.
النفط السعودى ساهم فى المعركة
وعلى غرار الحرب الاقتصادية التى شنتها الدول العربية على إسرائيل، كانت للسعودية وقفة جادة فى التأثير على الكيان الصهيونى ودعم مصر، حيث أصدرت قرارًا عاجلًا بحظر تصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل، وتخفيضه بنحو 340 مليون برميل فى أكتوبر 1973، حيث قفزت أسعار النفط من 3 دولارات إلى 11 دولارًا، للبرميل الواحد، واستمر هذا الحظر حتى مارس 1974، وقد عزز الفكرة القائلة إن الدول العربية قادرة على ممارسة ضغط سياسى من خلال التحكم بالإمدادات النفطية، وكان ذلك يستهدف دول العالم عامة وأمريكا وهولندا خاصة بسبب دعمهما للكيان المحتل.
ومن الأقوال المأثورة عن الملك فيصل، ولى العهد السعودى وقتذاك: «إن ما نقدمه هو أقل القليل مما تقدمه مصر وسوريا من أرواح جنودها فى معارك الأمة المصيرية، وإننا قد تعودنا على عيش الخيام، ونحن على استعداد الرجوع إليها مرة أخرى، وحرق آبار البترول بأيدينا ولا تصل إلى أيدى أعدائنا».
وحول الدعم والمساندة العربية، تحدث بعض الخبراء عنها ودورها الفاعل فى الفوز بالحرب، كالتالي:
مساعد وزير الخارجية الأسبق: روح العروبة فككت الغرب
قال مساعد وزير الخارجية الأسبق، رخا أحمد حسن، إن العديد من الدول العربية كان لها دور مشهود فى مساعدة مصر لتحرير أرضها، فى حرب السادس من أكتوبر، فكانت من أبرز الدول الجزائر التى حاولت مساعدتنا بمعظم قواتها العسكرية، لكى نستطيع تحرير أرضنا.
وأضاف رخا، أن سوريا لها دور كبير فى تحرير سيناء، حيث كانت تحارب هى الأخرى فى الجهة الثانية لتحرير هضبة الجولان السورية الواقعة تحت بطش الاحتلال حتى هذه الأيام، ولكن للأسف كان احتلال الجولان هو الهدف الأكبر عند الجيش الصهيونى.
وقال: لن ننسى دور السودان فى المساعدات، فقد كانت لها كتبية عسكرية حربية فى مصر تحارب معنا العدو الإسرائيلى، وأيضًا المملكة العربية السعودية التى منعت تصدير البترول والنفط للدول الأوروبية التى ساعدت إسرائيل والتى من ضمنها هولندا، وهذا أدى إلى أزمة كبيرة فى الدول الأوروبية، فهذه الأمثال تعطى نموذجا للتعاون والدعم المعنوى والمادى والاقتصادى والعسكرى من الدول العربية لمصر التى دخلت فى دائرة الحرب، وأيضًا هناك بعض الدول التى ساعدت مصر بالوقوف جانبها فى منظمة الأمم المتحدة.
ناجى الغطريفى: توحيد الأهداف فى أكتوبر أوصلنا إلى النصر
وعلّق مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير ناجى الغطريفى، على دور الدول العربية فى حرب أكتوبر، التى خاضتها مصر ضد الكيان الصهيونى، قائلًا: "الدول العربية كان لها دور واضح وفعال، ارتبكت منه تل أبيب فى تلك الحرب الحاسمة التى استطاعت مصر خلالها استرداد أرض سيناء، فالجزائر والكويت والإمارات والسعودية واليمن، كلها دول ساهمت مع مصر وسوريا أيضًا فى تلك الحرب، وكانت النتائج تحرير سيناء، ولكن للأسف لم تستطع سوريا التى كانت تحارب على الناحية الأخرى لتحرير هضبة الجولان، من تحرير أرضها، التى كان العدو الإسرائيلى متحصنا بها، يحاول بكل ما يملك؛ للسيطرة عليها وتوسيع نطاق احتلاله.
وأضاف الغطريفى: فى النهاية كانت الحرب هى معركة مصر، التى استعادت عبرها هيبتها وكرامتها، وهذا يوضح مدى التماسك القوى فى التعاون الذى كانت تتسم به جميع الدول العربية فى تلك الأيام، وأظهرت حرب أكتوبر تلك الروح الوطنية التى نبتت فى عروق العرب للتعاون والتماسك ضد أى عدو، ولكن للأسف فى أغلب الأوقات تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، وهذا ما أسفرت عنه تلك الرياح الغاضبة التى تقودها دول الغرب، من تدمير العلاقات بين العديد من الدول العربية وخلق صراعات تقودها الأسلحة والدمار، كما هو الحال فى سوريا وليبيا واليمن وغيرها، مشددًا على أنه لا بد أن يفوق العرب من غفلتهم، ويستلهموا روح الوطنية التى جمعتهم فى حرب السادس من أكتوبر، لتعود الأمة العربية فى قوتها وصلابتها كما كانت فى العصور القديمة التى دونها التاريخ.