بحلول خريف 2008، سقط واحد من أهم البنوك الأمريكية العالمية، وهو بنك "ليمان براذرز"، ليهبط تباعًا بالقطاع المصرفي الأمريكي ثم الأوروبي فالعالمي، في أكبر أزمة اقتصادية منذ "الكساد الكبير" في عشرينات القرن الماضي، حينها تنبأ خبراء الاقتصاد أن العالم يقف على حافة الهاوية.
مرت عشر سنوات على تلك الحادثة، التي أدت إلى انهيار مالي عالمي استغرق عدة سنوات لتجاوز الأزمة المالية، لكن كانت كارثة أخرى تلوح في الأفق بدا وكأنها أشد فتكًا بالاقتصاد العالمي.
بداية الأزمة
ظهرت أزمة الرهن العقاري منذ عام 2006 في واشنطن، وكانت مقدمة للأزمة المالية العالمية لاحقًا عقب عامين، حيث أدى تخلف سداد الرهن العقاري وارتفاع عدد الوحدات السكنية المعروضة للبيع إلى انخفاض أسعار العقارات بأعلى نسبة خلال أكثر من عقد.
وفي الولايات المتحدة، أشهر بنك "ليمان براذرز" إفلاسه في سبتمبر 2008، وانتقلت الأزمة سريعًا من القطاع المالي إلى القطاعات الأخرى بالاقتصاد مثل السياحة والاستثمار الأجنبي وأسواق التصدير والاستيراد؛ بسبب اعتماد قطاعات الأعمال على القروض.
الانتشار عالميًا
ولم يقف الأمر عند الولايات المتحدة الأمريكية، فبنك «ليمان براذرز» له فروع في أوروبا ودول أخرى، وله تعاملات تجارية بنكية مع أكبر البنوك العالمية، لذلك تأثرت الدول الأوروبية بشكل بالغ، فيما كانت الأزمة أشد وطئًا على اقتصاديات الدول النامية نتيجة تدني مستوى الناتج القومي الإجمالي، ومعدل التنمية، وهشاشة الهياكل الاقتصادية.
وفي الولايات المتحدة، فقد نحو 800 ألف أسرة منازلها، وأكثر من ثلاثة ملايين أعلنوا عدم قدرتهم على سداد الرهن العقاري، وقفز معدل البطالة إلى أعلى المستويات من 6.1% في أغسطس 2008 إلى 9.5% في أغسطس 2010، كما تمّ إفقار ما يقرب من 10 ملايين شخص. كما شهدت كل من اليونان، وأيرلندا، وإسبانيا، وإيطاليا، وهي الدول الأوروبية الأكثر تأثرًا بالأزمة، ارتفاعات حادة في معدلات الفقر والبطالة.
وبعد أن خسر الملايين مصادر معيشتهم، وأعلنت البنوك إفلاسها، سارع صندوق النقد الدولي، لإنقاذ الاقتصاد العالمي عبر التركيز على القطاعات المصرفية من خلال مجموعة من الإجراءات ساهمت في تدارك الأزمة.
العالم على شفا أزمة طاحنة
"التقارير المالية تلوح بأننا على شفا أزمة في الاقتصاد العالمي"، هكذا أشار الدكتور عمرو سليمان أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان، في تصريحات تليفزيونية، موضحًا أن الاقتصاد في دول العالم لم يشهد ما يسمى بـ "الحروب التجارية"، حيث فرضت واشنطن ضرائب جمركية إضافية على 6 آلاف منتج صيني بقيمة إجمالية 234 مليار دولار.
وأشار إلى أن الفترة الماضية شهد أسعار فايدة متدنية للعملات الدولية، وطلب استهلاكي كبير، بالإضافة إلى تمويل الكثير من الشركات لأنشطتها في صورة "إخطارات"، وهو ما أضر بالاقتصاد العالمي، يضاف إلى ذلك انخفاض حركة رؤوس الأموال عبر العالم للنصف.
ومن جانب آخر، ينفي تمامًا بيل إيمونز، نائب الرئيس والخبير الاقتصادي في بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، التوقع المتشائم للاقتصاد العالمي، "لا أعتقد أن أزمة كهذه من المحتمل أن تحدث في أي وقت قريب"، مرجعًا ذلك لتباين الظروف في الأسواق المالية منذ 10 سنوات وحتى الآن.
وقال "إيمونز"، في تصريحات لموقع "VOX"، إن انفجار فقاعة الإسكان وحدها لم يكن كافياً لخلق الأزمة المالية، بل ما حدث هو انهيار فقاعتين؛ بدأت الفقاعة العقارية في الانكماش أولا، تليها فقاعة الأسواق المالية.
وأوضح أن البنوك في وضع أفضل اليوم لتحمل الصدمات أكثر مما كانت عليه في عام 2008، حيث يبلغ متوسط رأس المال المصرفي كنسبة من الأصول، وهو مقياس رئيسي لعامل المرونة، حوالي 10%، ويقارن ذلك بـ 3% وقت الأزمة المالية العالمية.
ومن جانبه، قال دييجو زولواغا، محلل السياسات في مركز Cato Institute للبدائل النقدية والمالية، في تصريح لموقع أجنبي، إن أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة نشأت بسبب ممارسة حكومية طويلة الأمد لتشجيع الإقراض المحفوف بالمخاطر.
وأشار إلى أن التحدي الأساسي الذي يواجه الاقتصاد العالمي هو التعقيد؛ حيث أصبحت المؤسسات المالية وهياكل السوق معقدة ومتشابكة بشكل متزايد، ضيفًا "لا تزال أكبر المؤسسات المصرفية تتكون من مئات، وأحيانًا آلاف، من كيانات قانونية منفصلة، وتظهر الأدوات المالية الجديدة ذات الميزات غير المختبرة بشكل يومي وغالباً ما تتداول في هياكل السوق المتغيرة باستمرار، الأمر الذي يمكن أن يشكل مخاطر غير متوقعة".
وبالنظر للمؤشرات السابقة، يقول "زولواغا"، "يبدو أن القوى الفاعلة في الاقتصاد العالمي لم تأخذ بأجندة الإصلاح الاقتصادي، حيث أن الكثير من الأمور الهيكلية في النظم المصرفية والمالية لم تحقق أي تقدمًا منذ الأزمة المالية وحتى والآن".
هل مصر بمنأى عن الأزمات الاقتصادية العالمية
قال محسن خضير الخبير المصرفي، إن الأزمات المالية في السوق العالمي متعددة متكررة على مدار التاريخ، وتؤثر بشكل مباشر على مكونات الإنتاج في جميع مراحلها ومجالاتها.
وأوضح "خضير" خلال تصريحات لـ"بلدنا اليوم"، أن أي اقتصاد يعتمد على القوى الاقتصادية الرابطة لقوى السوق المتفاعلة، لن يتأثر، لاسيما إذا استطاع معالجة الخلل الهيكلي المتمثل في أزمات التضخم والركود.
وعن الوضع المصري، أشار إلى أن القطاع المصرفي لكي يتجنب الأزمات المالية العالمية حال تكرارها، عليه أن يوظف مديري إدارة الأزمات الاقتصادية والاعتماد على الكفاءات البشرية الفاعلة.
ويرى عمرو سليمان، أن البنك المركزي المصري أقر سياسة ائتمانية جديدة يربطها بمؤشرات الأزمات المالية العالمية التي قد تحدث، مما يجيز القول بأن النظام المصرفي المصري بمنأى عن الأزمات الاقتصادية العالمية.
وأضاف أن القطاع المصرفي المصري من أقوى القطاعات على مستوى العالم، رغم أزمات الاقتصاد الهيكلية من ارتفاع العجز التجاري وتدهور العملة المحلية وزيادة الواردات، مشيرًا إلى أن البنك المركزي المصري يضمن توفير ودائع العلامات الأجنبية في كل القطاعات المصرفية، لذا فإن القطاع المصرفي المصري قائم على التوقعات ويحظى بالثقة، في حين أن ارتفاع سعر الفائدة الذي أقره البنك المركزي جاذب للعملة الصعبة ويدعم الجنيه المصري.