ظهر على الساحة الدينية فى الآونة الأخيرة، عدد من القضايا الجدلية التى أثارت الرأى العام، من بينها قانون الفتوى الجديد الذى خلّف صداما بين مؤسستى الأزهر والأوقاف، خاصة بعد اعتراض الأخيرة على هذا القانون، وإصرار الأولى على إصداره، كذلك أيضًا قضية تنقية الكتب الدينية والتى أثارت جدلًا واسعًا لدى البعض، خاصة بظهور مشككين فى تلك الكتب، وأخيرًا مع قضية الانتحار والتى أحدثت هى الأخرى جدلًا بشأن تكفير من يقوم بها من عدمه.
وللحديث عن معظم تلك القضايا الجدلية التى تهم الرأى العام، كان لنا حوار مع الدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر.
ما رأيك فى الصراع الدائر بين الأوقاف والأزهر بسبب قانون الفتوى الجديد؟
هذا الأمر حدث به نقاش وجدل وحراك إعلامى كبير، بلا داع، وكان بدعوى الفتنة وإثارة البلبلة فى المجتمع، فلا يوجد ما يُسمى صراعا بين مؤسستى الأزهر والأوقاف، ولا يمكن أن نقول على الخلاف الدائر فيما بينهما أنّه صراع، هل منع الأزهر حتى هذه اللحظة أى شخص من الأئمة التابعين للأوقاف وغيرهم من التعرض للفتوى؟، وهل مُنع أحد من المتحدثين فى الخطاب الدينى على الفضائيات من حديثهم؟ بالطبع لا، إذًا ما الداعى لإثارة البلبلة والأمور مستقرة ولا توجد مشكلة.
.
وما القيود التى دفعتنا للقول بأن الأزهر يمنع والأوقاف تُعارض فهذا الأمر ليس له وضع فى الواقع الذى نعيشه، فجميع البرامج الدينية التى يخرج بها شيوخ لإصدار فتاوى على المواطنين، مستقرة بلا قيود ولا يوجد من يمنعهم للاستمرار فى هذا الأمر، إذًا لا يوجد وجه مشكلة، لكن الكارثة الحقيقية هى محاولة خلق صراع بين أكبر مؤسستين دينيتين فى الوطن.
.
وحرية الخطاب الدينى والفتوى مكفولة للجميع حتى هذه اللحظة، ولا توجد قيود عليها ولن توجد، إلّا فى حالة إثارة المشاكل التى يسببها البعض بفتاوى لا تمت للدين والشرع بصلة.
.
ما رأيك فى تقنين الفتوى؟
الدين ليس ملكًا لأحد، ولا يمكن لأى شخص أن يستأثر به عن غيره، لذا لا يمكن لأحد أن يستأثر الفتوى دون غيره، فالفتوى هى مجرد رأى، بخلاف الفتوى الشرعية، فلا يمكن لشخص أن يحتكر إصدار رأى دينى أو غيره عن شخص آخر، فعلى سبيل المثال هل يُمكن أن يحتكر شخص لقب أستاذ مدى الحياة بخلاف آخر، بالطبع لا، لذا لو صدر قانون الفتوى سيُصبح الأستاذ أستاذا مدى الحياة، حتى ولو وجد أفضل منه على الساحة، لذا هذا القانون لا يمكن إصداره، أكبر خطيئة ستنال من كرامة الإنسان المصرى لو تمت الموافقة على هذا القانون، سيكون أيضًا مخالفًا للدستور لأنه يعطى الحق، للمصريين حق التعبير وإبداء الرأى، وكما ذكر أن الفتوى هى مجرد رأى شخصى.
لماذا إذًا يُحاول الأزهر إصدار قانون ما دامت الفتوى مكفولة للجميع؟
الواقع هو الذى يكشف الحقيقة ولحين تنفيذ القانون على الأرض نستطيع حينها أن نقول إن الفتوى اقتصرت على أفراد بعينهم، حتى حديث البرلمان عن الأمر لم يُخرج هو الآخر قانونًا، فما يحدث على الساحة البرلمانية حاليّا مجرد أحاديث ونقاشات، ولم تُخرج اللجنة قانونًا بشأن هذا الأمر، لكن حينما يتم الإصدار بشكل رسمى نستطيع حينها الوقوف اعتراضًا لأنه لا يمكن أن يكون هذا القانون هو الحل الأمثل لوقف سيل الفتاوى.
.
ما رأيك فى المطالبة بتنقية كتب الأزهر؟
من يطالب بتنقية كتب الأزهر لا يفقه شيئا عنها وما بها، وكيف يتم تنقيتها، وعلى سبيل المثال البخارى، امتلك أكثر من 600 حديث، كيف سيتم ترقيتها؟ وهل سيتم حذفها بالكامل؟
المطالبون بتنقية كتب الأزهر بدعوى أن بعض المتطرفين والمتشددين ينتهجون عددا من مناهجها، فببساطة شديدة هل من الممكن أن يكتب مؤلفًا كتابًا وتمر مئات السنين على وفاته، هل من الممكن أن يعاد تأليف الكتاب مرة ثانية وحذف عدد من فصوله؟ هل هذا الأمر طبيعى؟ بالطبع لا، كذلك الحال مع كتب الأئمة والفقهاء، على أى أساس سيتم اختيار الفقرات التى ستحذف، خاصة أن تلك الكتب لا توجد فى مصر فقط ولكنها موجودة فى جميع الدول الإسلامية، فهل من الممكن أن تنقى بالكامل، وبالنسبة للنسخة الأصلية كيف سيتم تنقيتها هى الأخرى.
فالأمر صعب بنسبة كبيرة، من الممكن فى حال وجود أحاديث كما يدعون متطرفة ومتشددة فى تلك الكتب، تأليف كتب أخرى للرد عليها، والقوى الحجة فيهم من حقه الاستعانة بهم، لكن ما يسمى بالتنقية والحذف من كتب الأزهر فهذا الأمر مستحيل، لأنه من المنطق أن من يحذف وينقى المؤلف الحقيقى وصاحب الكتاب لأنه أعلم بما فيها.
لماذا يحرم البعض عادات فى هذا الزمن بدعوى أنها لم تكن موجودة سابقًا؟
هناك بعض الآيات والأحاديث التى كانت صالحة فى الوقت التى كتبت فيه، ومع اختلاف الأزمان باتت تلك الأحاديث لا تناسب الوضع، فمن حق أهل الزمن مواكبة هذا الحدث، بعض الشيوخ يخرجون علينا لتحريم عادات فى هذا الزمن بدعوى أن الدين لم يذكرها فى الماضى، فالعادات فى الماضى لم تكن دينا بل كانت فقها وهناك فرق كبير بينهما، وتختلف باختلاف الأزمان، على سبيل المثال خروج المرأة من المنزل، قديمًا كانوا يحرمون هذا الأمر بدعوى الدين، اليوم، المرأة فى كل مكان تخرج للعمل وللشارع وهى مسؤولة فى المجتمع، فهل هذا الأمر حرام، لا بالرغم من أنهم قديمًا حرموا هذا الأمر.
.
هؤلاء قدموا لنا الفقة على كونه دينا، لكن هذا كذب فما كان يتم العمل به كان فقهًا وليس دينا، ولذلك فالفقه يتغير بتغير الأوضاع والأزمان وعلى حسب أحوال الناس، ولذلك لا يمكن الالتزام بفقه قديم بل يحتاج الإنسان للعيش وفقًا لفقه عصرى.
ما رأيك بمطالبة السلفيين بقانون يسمح بزواج البنت القاصر؟
مطالبة السلفيين بزواج البنت القاصر، بدعوى أن هذا الأمر من الدين، وأن السيدة عائشة تزوجت من النبى محمد عليه الصلاة والسلام، فالرد الوحيد عليهم أن زمن الرسول لم تكن للمرأة حق فى التعليم كأبسط مثال، لكن الوضع الآن اختلف، خاصة أن التعليم أصبح سلاح المرأة فى هذا العصر، فهل من الممكن أن أجردها من سلاحها الوحيد فقط لأجل زواجها مبكرًا باسم الدين، الدين لم يقل هذا الأمر.
الأمر الثانى أن جسد المرأة قديمًا يختلف عن الوقت الحالى، فالفتاة الصغيرة فى عهد الرسول، كانت تستطيع تحمل الزواج جسديا ونفسيا، لكن الآن لا تستطيع وحدثت العديد من حالات الوفاة لفتيات تزوجن فى سن مبكرة ولم تستطعن التحمل، بسبب ضعف أجسادهن.
كذلك لماذا نربط هذا الأمر بالدين لا يمكن أن تكون الفتاة المسلمة أقل من مثيلاتها من فتيات الأديان الأخرى، نحن لا نتحدث فى الدين فهو علاقة بين العبد وربه، لكن نحن نتحدث عن الإنسانية، فالزمن حاليّا اختلف عن السابق، ومن أبسط حقوق المرأة المسلمة أن تصبح ذات شخصية فى المجتمع، وليست مجرد أداة يتحكم بها الأهل، تحت مظلة الدين.
هل المنتحر غير كافر؟
لا يمكن لأحد أن يحكم على المنتحر سواء كان كافرا أو غير كافر، فعلى هؤلاء عقاب شديد، كما أن من يحكم على المتوفى سواء كان منتحرًا أو غير منتحر كأنه قد حكم على نفسه، فرب العباد وحده من يستطيع أن يحكم عليه ولا غيره، فالدين لم يحدد حكم المنتحر لكن الفقه هو من حدد هذا الأمر واختلف الفقه باختلاف الفقهاء، إذًا لا يمكن أن نقول حكم المنتحر فى الدين، لكن نقول حكم المنتحر فى الفقه.
ما رأيك فى الفتاوى الكثيرة التى انتشرت مؤخرا؟
الفتاوى التى تخرج بين الحين والآخر هى مجرد رأى شخصى وليس مقدسا، فهو عبارة عن وجهة نظر، وليس "قال الله وقال الرسول"، وأنا أحارب هذا الفكر وهذا التوجه، وأنذرت حياتى بالكامل من أجل كشف حقيقة الفتوى، وأنها عبارة عن وجهة نظر ولا علاقة لها بالدين، بدليل أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قد ذكر فى صحيح مسلم لأحد قيادات جيشه، «وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك أنت، فإنّك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا".
فالفتوى عبارة عن رأى، وتبعد كثيرًا عن الدين، الفتاوى الدينية نعلمها جميعًا وموجودة بالكتاب والسنة، ولا نحتاج للمشايخ التى تخرج بين الحين والآخر ليفصح كل منهم عن فتوى، حسب أهوائه الشخصية.
البعض يقول إن المشايخ أكثر علمًا لذا يقومون بإصدار الفتوى للعامة، ما رأيك؟
بحسب الحديث الذى يذكره البعض بأن المشايخ وحدهم هم الأعلم بالفتوى، لذلك لا يمكن لرب العباد محاسبة العامة على أفعالهم وأقوالهم، ونكتفى بمحاسبة المشايخ فى الثواب والعقاب يوم القيامة فقط لأنهم الأدرى بهذا العلم فقط! لو كان الدين خفيا والفقهاء فقط من يعلمونه؛ لن يكون على العامة إثم، لكن فالدين معلن على الجميع، الجاهل والمتعلم، الدارس فى الأزهر وغيره، فنحن نولد على فطرة الدين والباقى نكتسبه فى الحياة.
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: البر ما اطمأنت إليه النفس واستراح إليه القلب، والإثم ما حاك فى النفس وتردد فى الصدر، وكره أن يطلع عليه الناس، وإن أفتاك الناس وأفتوك، ضاربا مثلا بالشعب المصرى، متسائلا: هل هذا الشعب يريد أن يوجهه الشيوخ من خلال الانسياق وراء فتاواهم؟ بالطبع لا فأنا أثق تمامًا بأن هناك الكثير من هذا الشعب من يعلمون جيدًا صحيح الدين، ولا يمكن أن ينساقوا وراء تلك الفتاوى التى تعد غالبيتها غير صحيحة، ومجرد رأى شخصى.
فكل شخص مسؤول عن نفسه وعن دينه، فقال تعالى «وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه»، «بل الإنسان على نفسه بصيرة»، ووظيفة العالم أو الشيخ الذى يمتلك معلومة أن يصرح بها لكن يجب أن يكون صادقًا، تلك المعلومة لا يمكن أن نطلق عليها فتوى شرعية، لا يمكن أن أخرج بفتوى إحلال وتحريم لأمر من الأمور دون أن أقرنها بنص شرعى أو حتى حديث فقهى صحيح، لكن تفسيرا، فيقول إن وجهة نظره أو تفسيره تقول كذا وكذا ولا يقرنها بالكتاب والسنة.
على سبيل المثال حينما أفتى واجتهد الإمام أبو حنيفة هل نسب تلك الفتوى للدين؟، لا، ولكنّه قال إنه اجتهاد منه ورأى شخصى بنى أساسه على الدين، لكن لم يرد نص صريح بهذا الاجتهاد، لكن الأزهر الشريف حينما يجتهد، لا ينسب اجتهاده لنفسه بل للدين، بالرغم من أن أبا حنيفة إمام الأزهرية جميعًا لم ينسب فتواه للدين فكيف خرج هؤلاء بفتاوى نسبوها للدين والشرع.
فشيوخ تلك الأزمنة باتت تسعد كثيرًا بالظهور على وسائل الإعلام، ويعتقدون أن إصدارهم فتوى ستجعل منهم مشهورين لذا يخرج بفتوى تثير الجدل على الساحة، ولا علاقة لها بالشرع وهذا للأسف اتنتشر فى الآونة الأخيرة، من خلال عدد من المشايخ، يحرموم ويحللون ما يحلو لهم، حسب أهوائهم الشخصية، بالرغم من أنهم فى تلك الحالة يُخالفون قول الله- عز وجل: "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون.
ولماذا كره الشعب المصرى الإخوان كثيرًا خاصة فى العام الذى تولوا فيه الحكم، فقط لأنهم ربطوا كل الأمور فى الحياة باسم الدين، وألصقوا بأنفسهم لقب الإخوان المسلمين، فهل هم مسلمون. والمخالف لهم غير مسلم؟ فكره الشعب للإخوان بسبب فتاواهم، لذا لا يمكن أن يسير الأزهر ومشايخه على هذا النهج، حتى لا تحدث أزمة من جديد وهنا سيخسرون صدقهم لدى الشعب المصرى، خصوصًا أن الأزهر يعد منارة العلم ووجهة الإسلام فى العالم بأكمله.