«انهيار الليرة التركية».. «خبراء» تدخلات أردوغات في السياسات النقدية سبب الكارثة
صدمة قوية تعرضت لها الليرة التركية، حيث تعرضت لخسائر تعد الأكبر في تاريخها، وهوت العملة لمستويات قياسية جديدة وسط حالة ذعر امتدت للأسواق الأوروبية.
الخسائر جاءت مع تفاقم القلق من سيطرة أردوغان على السياسة النقدية، بالإضافة إلى فشل المحادثات السياسية بين أنقرة وواشنطن حول قضية القس روبنسون، والتي تبعتها عقوبات إضافية من واشنطن على تركيا، تمثلت في مضاعفة رسوم الصلب إلى 50 %، والألمنيوم إلى 20%.
الأسباب لم تقف عند ذلك بل كان لخطاب أردوغان الذي دعا فيها شعبه، لإنقاذ الليرة وإسقاط المؤامرة الكونية على الاقتصاد بمثابة المسمار الأخير في نعش الليرة، والتي فقدت من جديد حوالي 19% من قيمتها بعد الخطاب مباشرة، و69% منذ بداية العام الحالي، وسط غياب تام من وضع أي برنامج أو استيراتيجية واضحة تلملم جراح المستثمرين، وتطمئنهم على مستقبل استثماراتهم.
وارتفعت حالة القلق في أوساط المستثمرين بعدما ارتفعت تكلفة التأمين التركية إلى أعلى مستوياتها في 9 سنوات، في ظل التدافع الشديد على بيع الليرة، حيث تعيش المؤسسات التركية في صراع مع الديون، مما يجعل هبوط الليرة التركية بمثابة أزمة حقيقية تواجه المؤسسات وترفع من تكلفة خدمة الديون عليها.
أزمة الليرة لم تنته في تركيا بل امتدت لتشمل المنطقة الأوروبية، والتي دق فيها البنك المركزي الأوروبي ناقوس الخطر، بشأن انكشاف بنوك منطقة اليورو على تركيا، مما دفع أسهم عدد من البنوك الأوروبية إلى الهبوط، وتراجع اليورو لأدنى مستوياته منذ أكثر من عام.
فخر الفقي مستشار صندوق النقد الدولي الأسبق، تحدّث عن أنّ هناك عدة أسباب لانهيار الليرة، بدايتها أنّ تركيا تمتلك علاقات تشابكية مع القارة الإفريقية والأسيوية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تركيا عضو فاعل في مجموعة الدول العشرين، بالإضافة إلى كونها عضو في عدد من المؤسسات المالية، في ظل التشابكات المتواجدة عندما نجد رئيس الدولة رجب طيب أردوغان، والذي استأثر بالسلطة خلال العامين الماضيين، وحول النظام من البرلماني إلى الرئاسي، ومشاكله مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومساندته لإيران، كافة تلك الأمور كانت سببًا في الانهيار المتواجد حاليّا.
وتابع الدكتور فخر الفقي، خلال لقاء على قناة "الغد"، أنّ أردوغان بعدما حوّّل النظام من برلماني إلى رئاسي توغّل في السياسات النقدية للبنك المركزي، كذلك أيضًا صهره المعين وزير للمالية، مما جعلهما يضران بالسياسات المطبقة في تركيا، فعندما يلجأ البنك المركزي بتأثير من أردوغان إلى تخفيض الفائدة بدعوى تشجيع الاستثمار فهذا عكس السياسة النقدية الرشيدة.
ومن جانبه قال الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، إنّ تركيا لديها موارد أخرى من الممكن الاعتماد عليها، لكن طموحات أردوغان الاقتصادية وتدخله في السياسة النقدية بالبلاد كانت كفيلة أن تعصف به، فمن الممكن أن تتجاوز تركيا هذا الأمر لكنّها ستحتاج لتبطئ تطلعاتها بشكل كبير فالوضع لا يسمح، خاصة وأنّ أردوغان يريد إثبات أنّه قادر على إحداث نقلة كبرى لتركيا.
وتابع الدمرداش في تصريح خاص لـ«بلدنا اليوم»، أنّ أنقرة اليوم، في حرب باردة لذا تحاول اللعب على كافة الأطراف، فهي تتعامل مع المعسكر الأوروبي والاتحاد السوفيتي من جانب آخر، مؤكدّا على أنّ ادعاءات أردوغان بأنّ أمريكا تحاربه اقتصاديّا مجرد أحاديث وهمية يحاول أن يجمع حوله الكثير من شعبه، فالجميع يعلم أنّ تركيا تلعب لدور الولايات المتحدة الأمريكية، أردوغان شخص يتعامل مع إسرائيل وأمريكا ولا يمكن أن يتخلى عنهم بسهولة.
وفي نفس السياق، قال الدكتور كرم سعيد، الباحث في الشأن التركي، إنّ عملية تحديد سعر صرف العملة ليس المؤشر الوحيد على انهيار الاقتصاد التركي، فتركيا تحاول أن تجذب من خلال علاقتها مع روسيا استثمارات جديدة تستغل بهذا الأمر التوترات القائمة بينها وبين الولايات المتحدة.
وتابع الباحث في الشأن التركي، كرم سعيد، في تصريحات خاصة لـ"بلدنا اليوم"، أنّ أردوغان لو استمر في سياسته القائمة حاليّا، من انخراطه في الصراعات، بالإضافة إلى تدخله في السياسة النقدية للدولة، وآخيرًا أزمته مع الولايات المتحدة الأمريكية فإن ذلك من شأنه التعجيل بانهيار الاقتصاد.
من يتحدّث عن أنّ الأزمة بين أمريكا وتركيا جميعها بسبب القس الأمريكي المعتقل في تركيا، فهو خاطئ لأنّ مابين أنقرة وواشنطن أكبر بكثير من تلك القضية، فالمسألة بها جانب مصلحي قائم على السياسات الشعوبية، بمعنى أنّ كلا الجانبان يعتمدات حاليّا على التصريحات الرنانة والهجومية، فكلّا منهما يحاول كسب فئة كبيرة من شعبه بجانبه لمصالح، الأولى اقتراب انتخابات الكونجرس، والثانية أيضًا اقتراب الانتخابات المحلية في تركيا.