«ما بين أغاني شادية وعناق الاشتياق».. قصص فلسطينية على أرض مطار القاهرة

الاثنين 06 اغسطس 2018 | 11:48 صباحاً
كتب : سارة أبوشادي_ تصوير محمد صلاح

«يارايحين للنبي الغالي هنيالكم وعقبالي» لم يهابوا قصفًا أو احتلالًا حتى يستجيبوا لنداء خالقهم، جاؤوا سعيّا من أرضهم الطاهرة إلى أخرى أكثر طُهرًا، عانوا كثيرًا في سفرهم، قضوا ساعات طويلة من رحلتهم في صحراء لم يخشون شيئّا، فقط من أجل أمنية لطالما انتظرها الكثيرون منهم، «زيارة بيت الله الحرام».

 

 

الجميع يتمنى أن يُسافر للأرض المُقدسة، لكن هؤلاء كان الأمر مختلفًا بعض الشيئ بالنسبة لهم، أعمار تجاوزت الخمسين ما بين قعيد على كرسي مٌتحرك، وآخر يسير متكئًا على إحدى أقاربه، وكثيرون بدت معاناة السفر على وجوههم، الجميع هنا على أرض مطار القاهرة في انتظار الهروب، نعم في اعتقادهم أنّه في اللحظة الأولى التي ستطأ فيها أقدامهم للأراضي المقدسة، ستكون بمثابة الهروب من عالم لم يجدوا به سوى الألم والمعاناة، إلى آخر أكثر لٌطفًا ورحمة.

 

علت البسمة وجهها، بنظارتها الطبية الصغيرة، وعبائتها السوداء، جلست تُراقب من بعيد المارة، تتحدّث مع رفقائها بين الحين والآخر، لهجتها من بعيد تُشبه كثيرًا المصرية، ملامحها تدُل على كونها امرأة في الأربعين أو الثلاثين من عمرها، لكن الحقيقة غير ذلك.

«مران البيطار» سيدة في العقد الخامس من عمرها، فلسطينية من أم مصرية، تعيش بقطاع غزة، لم تكن تلك المرة الألى لمران التي تطأ فيها قدمها أرض القاهرة، فرابط مران بمصر وأهلها كان قويّا، والدتها من مدينة المنصورة إحدى مدن محافظة الدقهلية، قابلت والدها أحبّا بعضهم كثيرًا تركت أهلها ومدينتها وسافرت مع حبيبها إلى غزة، السيدة الخمسينية لم تكتفي بذلك فقط بل تعلّقت بهذا الوطن أكثر بعدما تزّوجت ابنتها من شاب مصري لتأتي هي وتعيش بجواره في مدينته.

 

«أنا مصر بالنسبالي حاجه كبيرة أوي» لم تأتي مُران منذ ما يقرب من 4 سنوات لزيارة مدينتها المُفضلة، بالرغم من أنّها قدمت وهي في شبابها حوالي 6 زيارات، سافرت فيهما مدينة المنصورة وغيرها من الأماكن المحببة لقلبها في المحروسة، لكن الظروف والأوضاع الأمنية التي تعيش بها السيدة تمنعها من القدوم كلّما أحبّت ذلك.

 

صوت من بعيد يُنادي يا أم إيهاب، نظرت السيدة خلفها لتهُب مسرعة فإذا بفتاة في آواخر العشرينات، جاءت مسرعة من بعيد تفتح ذراعيها كأنّها تُحلق في الهواء لترمي نفسها في أحضان السيدة الفلسطينية، لنكتشف فيما بعد أنّها ابنتها التي تزوّجت من مصري ولم تقابلها منذ حوالي 4 سنوات، لكنّها استغلت فرصة تواجده بالمطار حتى تُشاهدها علّه يكون اللقاء الآخير في اعتقادهم.

 

بدأت الشمس في الغروب وحلّ القمر مكانها، استعدّ الجميع لمغادرة الصالة، لم يتبقى سوى عدد محدود من حُجاج بيت اللّه، أتوبيس رحلات توّقف أمام الصالة وفد جديد قد حلّ محلّ القديم، ملابس مختلفة بعض الشيئ، ألوان مبهجة أيضًا لكنّها أقرب للون  شعاع الشمس.

 

«ياحبيبتي يامصر يامصر» صوت هزيل على بعد مترات قليلة، يُحاول الغناء، يد صغيرة تُحاول التصفيق، جسد ضعيف لا يستطيع الحركة يجلس أعلى كرسي مُتحرك، ملامح بدا عليها الأصالة، الابتسامة ام تُفارق وجنتيها منذ أن وضعت قدم كرسيها أرض مطار القاهرة، كانت عيونها تتراقص فرحًا، تلتفت حولها يمينًا ويسارًا فهي كانت أشبه بطفل صغير، يستعد للذهاب لرحلة كان ينتظرها طويلًا.

 

 

«نعيمة يوسف» عجوز فلسطينية، جاءت من قطاع غزة لأول مرة لزيارة بيت الله الحرام، لم تعلم المُسنة تحديدًا عمرها، فهو ما بين السبعين والخامسة والسبعين، لكنّها تتذكّر أنّها في عمر الثلاث سنوات هاجرت من قريتها الصغيرة أثناء هزيمة 1948، لتنتقل هي وأسرتها إلى قطاع غزة.

 

كانت تلك الزيارة الأولى للعجوز الفلسطينية والتي لطالما تمنّتها كثيرًا، عاشت حروبًا ومعاناة بأوطانها، لكنّها ما زالت تؤمن أنّ الأرض لا بد أن تتحرّر وتعود لأصحابها.

«أنا عمري مجيت مصر لكن هيا في قلبي بعيش فيها من ورا الشاشة» العجوز الفلسطينية لم تزور مصر مطلقًا تلك كانت المرة الأولى التي تنزل فيها الأراضي المصرية، لكنّها تأتي إليها يوميّا في خيالها، أغاني شادية وعبدالحليم، أفلام أحمد ذكي وإسماعيل ياسين، وغيرها الكثير والكثير، قصّت العجوز حكايات عن المحروسة وكأنّها أحد أبنائها، فالشاشة كانت كفيلة أن تجعل السيدة تعيش بهذا الوطن وهي بعيدة عنه.

اقرأ أيضا