يبدو أن سوريا لم تعد لها السيادة الأولى والوحيدة على أرضها، وقرارتها السياسية.
فحينما تتدخل دولة في شؤون الأخرى بالحماية، تخضع الأخيرة دائما لسيادة الأولى، وتسلبها حريتها بالضرورة.
هكذا بدا الوضع في سوريا، بعد الدخل الروسي والإيراني والأمريكي عقب قيام الثورة في 2011، ولكل دولة مصالحها وأهدافها، وحروبها التي تجريها هناك بالوكالة.
حتى انقسم المشهد بين دول روسيا وإيران، وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
وبين الحين والآخر تجري مفاوضات دولية، معلنة نيتها عن تحديد مصير الأوضاع وحل الأزمة السورية، دون مشاركة للرئيس الأسد في أي منها، وكأن دولته لم يعد لها أي كيان وإرادة سياسية قادرة على تحديد مصيرها وحدها دون وصاية دولية من أحد.
قمة هلسنكي
تعد قمة هلسنكي 17 مايو الجاري، بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والروسي فلادمير بوتين، من أشهر الاجتماعات التي تناولت الوضع السوري، حيث كان الملف من بين أولويات اللقاء.
وبعد انتهاء القمة أعلن الطرفان تحديد وضع منطقة الجولان لاتفاقية 1974م، بجانب التأكيد على الحافظ على وحدة سوريا وحمايتها من خطر الحرب والجماعات الإرهابية.
ولم تقتصر المفاوضات حول الوضع في سوريا بين الدول الكبرى وبعضها، بل شملت التفاوض بينهم وبين المعارضة السورية دون التدخل من النظام القائم على الدولة.
روسيا والمعارضة السورية
بعد تطور الوضع في الجنوب السوري بتوجيه الضربات العسكرية المتتالية من النظام السوري بمساعدة من موسكو، اضطر عشرات الآلاف من السوريين النزوح إلى الأردن، مشردين بلا مأوى، ولم تستطع الأردن أن تستقبلهم.
ولم يبق أمام الجانب الأردني المتاخم لسوريا، إلا محاولة التدخل لتدهئة الأوضاع في الجنوب السوري وإعادة اللاجئين إلى بلادهم مرة آخرى.
ونجحت وساطة الأردن بالفعل، بإقناع المعارضة السورية للتفاوض مع روسيا التي ظهرت متحدثة باسم نظام الأسد.
وقال المتحدث باسم المعارضة السورية إبراهيم الجباوي، إن الاتفاق يقضي بوقف إطلاق النار في درعا وانسحاب القوات من هناك، وأن قوات محلية ستشرف عليها روسيا ستتولى السيطرة على تلك المنطقة.
وتوصل الجانبان إلى اتفاق تهدئة الأوضاع في درعا، مع وقف إطلاق النار والتخلي عن السلاح، مع عودة عشرات الآلاف من النازحين السوريين مرة آخرى إلى مدن الجنوب.
وبحسب وسائل الإعلام السورية، فإن الحكومة استعادت السيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، الذي خضع ثلاث سنوات للمعارضة وتعرض لضربات جوية روسية على مدار هذه الفترة.
بوتين ونتنياهو
يحاول الاحتلال الاسرائيلي، تقويض نفوذ الدولة الإيرانية في المنطقة، وعدم السماح لها بالسيطرة على الوضع في سوريا، بعد دعم الأخيرة لعدد من القوات المسلحة هناك ضد نظام الأسد.
واتجهت قوات الاحتلال الاسرائيلي للتفاوض مع روسيا بشأن الوضع الإيراني داخل الأراضي السورية.
ونقل موقع "The Times of Israel" عن مسؤول إسرائيلي رفيع بعد لقاء لافروف ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في القدس، أن تل أبيب طلبت من موسكو ضمان عدد من الشروط، من شأنها حرمان إيران من موطئ قدم عسكري في سوريا. ومن هذه المطالب:
إزالة جميع الصواريخ طويلة المدى من سوريا وإغلاق جميع المصانع التي تصنع صواريخ دقيقة
ضمان إخراج جميع أنظمة الدفاع الجوي التي تحمي الأسلحة المذكورة أعلاه من سوريا
إغلاق المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان، وبين سوريا والعراق، لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية.
وزعم المسؤول الإسرائيلي أن روسيا "ملتزمة" بإقامة حزام أمني بعرض حوالي 100 كم عن الحدود الإسرائيلية الشمالية، مضيفا أن بلاده راضية عن ذلك "كخطوة أولى"، ولكنها ستستمر بالعمل لمنع "التجذر الإيراني" في أي مكان آخر في سوريا.
وحسب المسؤول، فإنه "ما دامت لدى القوات الإيرانية القدرة على إطلاق صواريخ بعيدة المدى باتجاه أهداف إسرائيلية، حتى إن كانت تقع خارج المنطقة العازلة، لن يتوقف سلاح الجو الإسرائيلي عن العمل من أجل حماية المواطنين الإسرائيليين".
وتابع أنه حتى موافقة طهران المفترضة على إنشاء منطقة عرضها 100 كم تخلو من "القوات الإيرانية أو المليشيات التي تدعمها" غير كاف بالنسبة لإسرائيل، معتبرا أن "إيران تريد تحويل سوريا إلى لبنان آخر، ونحن عازمون على منع ذلك".
وأضاف المصدر أن الجانب الإسرائيلي قدم للافروف والوفد الروسي "معلومات مفصلة جدا" حول هذا الموضوع.
تركيا والمعارضة
تدعم تركيا المعارضة في سوريا ضد الأسد، ومثلما يتحدث اللسان الروسي دائما باسم نظام الدولة السورية، تفعل تركيا ذلك باسم المعارضة.
وأعلنت وزارة الخارجية التركية، قبيل مؤتمر الحوار الوطني بمدينة سوتشي الروسية، أن وفدا تركيا سيشارك في المؤتمر بدلًا من المعارضة السورية التي رفضت المشاركة هناك.