السفير مصطفى الشربيني يكتب: البشرية اليوم أمام مفترق الطرق.. درجتان مئويتان ليست نهاية المطاف بل بداية الجحيم

الجمعة 03 يناير 2025 | 02:09 مساءً
كتب : السفير مصطفي الشربيني

لا تنسوا أن الكوكب يصرخ بصوت عالٍ ونحن بحاجة إلى أن نصغي لهذا النداء العاجل قبل فوات الأوان. البشرية اليوم أمام مفترق طرق، والخيار واضح: إما أن ننقذ أنفسنا وكوكبنا، أو نمضي في طريق التدمير الذاتي بلا عودة. حيث تستمر الانبعاثات الكربونية في التسارع دون كبح. فدرجتان مئويتان ليست نهاية المطاف، بل بداية الجحيم.

الخطر لم يعد بعيدًا بل هو يطرق الأبواب ويصرخ بصوت مدوٍ. كل ما أنجزته البشرية من حضارة وتقدم مهدد بأن يتحول إلى رماد تحت وطأة الجفاف والفيضانات والأعاصير التي لا تميز بين غني وفقير ولا بين شمال وجنوب. بل تضرب بلا رحمة وتغرق الجميع في دوامة الانهيار. أصبح العالم على وشك الغرق في بحر من الكوارث المناخية المتسارعة، والتي ستلتهم أحلام أجيالكم القادمة ولن ترحم أحدًا منكم.

احذروا يا شعوب الدول العظمى، فإن أفعالكم الصناعية التي تستنزف موارد الكوكب تتسبب في معاناة شعوب الدول النامية مثل مصر، التي تجد نفسها في مواجهة آثار تغير المناخ دون أن تكون مساهمة كبيرة في حدوثه. حيث ترتفع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، مما يؤدي إلى موجات حر شديدة تضرب الزراعة التي يعتمد عليها ملايين المصريين، وتجعل المحاصيل الزراعية أقل إنتاجًا، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء بشكل جنوني ويزيد من معاناة الفقراء الذين بالكاد يستطيعون توفير احتياجاتهم اليومية.

انتبهوا أيها القادة في الدول الغنية والنامية، فإن كوكب الأرض يئن تحت وطأة حرارة تزداد بسرعة تهدد حياة الملايين. وتصبح مساحات شاسعة من أراضينا غير قابلة للعيش. فتغمر المدن الساحلية بالمياه، وتختفي الأراضي الزراعية تحت أمواج البحار الغاضبة، وتصبح الصحارى أكثر اتساعًا وقسوة. حيث ستشهد موجات الجفاف الشديد نقصًا في الغذاء والماء، وسيتحول الصراع على الموارد إلى حروب تقضي على الإنسانية بلا رحمة.

انتبهوا يا دول الشمال الغنية، فإن انبعاثاتكم الهائلة ترفع منسوب مياه البحر الذي يهدد دلتا النيل، المنطقة الزراعية الأكثر خصوبة في مصر. حيث يتسلل ماء البحر المالح إلى التربة ويقضي على الأراضي الزراعية، مما يؤدي إلى نزوح آلاف المزارعين من قراهم ويزيد من البطالة والفقر، بينما يواجه الشعب المصري أعباءً اقتصادية جديدة نتيجة الاضطرار لاستيراد الغذاء بتكاليف مرتفعة بسبب انهيار الإنتاج المحلي.

احذروا أيها القادة في الدول العظمى، فإن العدالة المناخية التي تدّعون الالتزام بها تتطلب اتخاذ قرارات جريئة تعترف بمسؤوليتكم التاريخية عن تغير المناخ. وعلى رأس هذه القرارات إلغاء كافة الديون المستحقة على مصر وغيرها من الدول النامية، لأن هذه الديون ليست مجرد أرقام في دفاتر حساباتكم، بل هي قيود تكبل جهودنا لتحقيق التنمية المستدامة وتزيد من معاناة شعبنا الذي لم يساهم في الكارثة المناخية ولكنه يدفع الثمن الأكبر من صحته واستقراره ومستقبله.

إن فوائد الديون المستحقة على مصر تمثل عبئًا ضخمًا يستنزف الموارد التي يمكن توجيهها للتعليم والصحة والبنية التحتية والطاقة النظيفة. فكيف يمكن لدولة تواجه تحديات مناخية متزايدة أن تحقق التنمية المستدامة وهي مضطرة لدفع مليارات الدولارات سنويًا في صورة فوائد للدول الغنية التي استفادت من الصناعات الملوثة التي دمرت كوكبنا؟ أليس من الإنصاف أن تتحمل هذه الدول نصيبها العادل من المسؤولية وتلغي الديون التي تعيق تقدمنا وتزيد من الفقر وعدم المساواة؟

استفيقوا أيها المسؤولون في دول العالم، فإن درجتين مئويتين من ارتفاع حرارة الأرض ليست مجرد رقم، بل هي بداية النهاية للحضارة التي بنيناها بصبر وجهد عبر آلاف السنين. حيث ستصبح موجات الحرارة الشديدة قاتلة، وسيموت الآلاف من البشر بسبب الإجهاد الحراري، وستشهد المحاصيل الزراعية انهيارًا غير مسبوق مما يؤدي إلى أزمة غذائية عالمية. بينما تتساقط الغابات الأمامية وتحترق في مشهد من الدمار الذي لا يمكن تصوره.

استيقظوا يا صناع القرار في الدول العظمى، لأن سياساتكم المستهترة بالطبيعة تدفع مصر إلى كارثة مياه، حيث أصبح النيل، شريان الحياة في مصر، مهددًا بالجفاف بسبب تغير أنماط الطقس، مما يؤدي إلى نقص حاد في المياه اللازمة للزراعة والصناعة وحتى الشرب. وهذا النقص يدفع الحكومة إلى إنفاق المليارات على مشروعات تحلية المياه التي تزيد من أعباء الديون وتثقل كاهل الاقتصاد المصري.

تحركوا الآن أيها البشر، فإن استمرارنا في هذا المسار سيجعلنا نصل إلى زيادة بمقدار 2.5 درجة مئوية، حيث سيشتد الغليان على الكوكب وتصبح الفيضانات أشد عنفًا فتغمر مدنًا بأكملها وتجبر الملايين على الهجرة في رحلات مأساوية للبحث عن ملاذ آمن. وستتحول الأنهار إلى قنوات جافة، وسيصبح الحصول على الماء حلمًا بعيد المنال، وسيعيش البشر في عالم يفقد فيه التوازن بين الطبيعة والحياة.

تحركوا قبل فوات الأوان، فإن ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على الصحة العامة للمصريين، حيث يؤدي الإجهاد الحراري إلى زيادة الأمراض المرتبطة بالقلب والرئة، ويؤدي إلى موجات أمراض جديدة تنتشر بسرعة في المدن المكتظة بالسكان مثل القاهرة والإسكندرية. ومع محدودية الموارد الصحية، تصبح هذه الأزمات عبئًا مضاعفًا على الأسر المصرية التي تعاني بالفعل من تكاليف المعيشة المرتفعة.

احذروا من الوصول إلى 3 درجات مئوية، حيث ستتحول الأرض إلى فرن يغلي بكل من عليها ولن نتمكن من التراجع عن الكارثة حينها، لأن الجليد في القطبين سيذوب بمعدلات مخيفة مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى البحار وغرق المدن الكبرى. وسنشهد اندثار التنوع البيولوجي بشكل يهدد النظام البيئي بأكمله، ولن تسلم المحيطات من الكارثة لأنها ستصبح أكثر حمضية مما سيقضي على الحياة البحرية التي تعتمد عليها مليارات البشر في الغذاء والمعيشة.

لا تستهينوا بما يحدث، فإن السيول المفاجئة التي أصبحت تضرب مصر نتيجة تغير المناخ تؤدي إلى دمار البنية التحتية والمنازل في المناطق الفقيرة، مما يترك آلاف الأسر مشردة دون مأوى. بينما يضطر الاقتصاد المصري إلى توجيه موارد هائلة لإصلاح الأضرار بدلاً من الاستثمار في التعليم والصحة والخدمات التي يحتاجها الشعب.

كافة تقارير العلماء والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بالامم المتحدة (IPCC) حذرتنا بوضوح من أن الوقت ينفد وأن العالم بحاجة إلى تخفيض الانبعاثات بسرعة وبشكل جذري، لكنها أكدت أن الجهود المبذولة حتى الآن غير كافية وأننا نسير نحو مستقبل مجهول مليء بالمآسي. ولن تغفر لنا الأجيال القادمة إذا فشلنا في تحمل مسؤوليتنا التاريخية لتأمين مستقبلهم وحمايتهم من الجحيم الذي نصنعه بأيدينا.

انتبهوا إلى أن موجات الغلاء التي يعيشها الشعب المصري ليست نتيجة أزمات داخلية فقط، بل هي انعكاس مباشر للأزمات المناخية العالمية التي تسببتم بها. حيث أدت هذه الأزمات إلى ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا وزيادة تكلفة استيراد الوقود والمواد الأساسية، مما يضع الحكومة المصرية أمام خيارات صعبة تزيد من معاناة الشعب الذي لم يعد يحتمل المزيد.

انتبهوا، فإن اتفاقية باريس التي أُبرمت لخفض الانبعاثات والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن أصبحت في مهب الريح بسبب عدم التزام الدول بتعهداتها. حيث تؤكد التقارير أن العالم في طريقه إلى زيادة بمقدار 2.7 درجة مئوية إذا استمرت السياسات الحالية. وهذا يعني أن المؤتمر القادم سيكون الفرصة الأخيرة لتصحيح المسار والانتقال من الأقوال إلى الأفعال الحقيقية.

لا تنسوا أن ديون مصر تتفاقم بسبب اضطرارها إلى الاقتراض لتغطية تكاليف الأزمات المناخية التي تسببت بها الدول الصناعية، حيث تذهب هذه الأموال لبناء سدود حماية من الفيضانات أو دعم مشروعات استدامة زراعية في مواجهة الجفاف، بينما يدفع المواطن المصري البسيط ثمن هذه الديون في صورة زيادة الضرائب وانخفاض مستوى الخدمات العامة.

تحركوا الآن قبل فوات الأوان، لأن موجات الجفاف التي تضرب العالم ليست مجرد أزمات مؤقتة، بل هي بداية انهيار النظام الغذائي العالمي. حيث ستنخفض المحاصيل بشكل كارثي، وسترتفع أسعار

اقرأ أيضا