الذكاء الاصطناعي والواقعية الفائقة.. بقلم الدكتورة إلهام يونس

أصبح مصطلح الذكاء الاصطناعي من أهم المصطلحات التي اخترقت جميع المجالات بقوة وثبات وبالنسبة للإعلام حدث ولا حرج فهو أحد أهم التقنيات التي تؤثر في طريقة تفاعل المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي فالخوارزميات هي التي تقوم بتحليل البيانات والمحتوى ورفع نسب التفاعل على بعض المنشورات بل وحجب غيرها فهي المحرك الفاعل لجذب انتباه رواد مواقع التواصل الاجتماعي وتوجيه سلوكياتهم نحو موضوعات بعينها تخص اهتماماتهم وثقافتهم، ويساعد كذلك في تحسين جودة نشر المحتوى وكذلك التحري والتحقق للكشف عن المحتوى المضلل أوالمسيء فأصبحنا نتعامل دون أن ندري مع تطبيقات التعلم الالي، الشبكات العصبية، التوليد التلقائي للنصوص، بما تتيحه هذه الأدوات من انتاج محتوى وصور وفيديوهات وأصوات تبدو وكأنها من انتاج البشر فأصبحت الخوارزميات تلبي احتياجات الجمهور وتوجهه من خلال تكرار نشر اعلانات لسلع وخدمات يبحث عنها على صفحته بل والاشعارات الخاصة التي تصله لابد أن يكون لها صله بما يبحث عنه على صفحته أو حتى يتحدث عنه تليفونياً.

 حيث تتوجه خوارزميات الذكاء الاصطناعي بقراءه الأفكار والمشاعر التي تتضح عبر عمليات البحث الالكتروني وتوظفها لخدمة الأغراض التسويقية أو الدعائية وفي هذا الصدد أشارت العديد من النظريات العلمية لأهمية ادراك أن خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي"سلاح ذو حدين "تقدم فرص ومنافع تسويقية لمستخدميها وفى نفس الوقت هناك مخاطر وتحديات فى غاية الخطورة كانتهاك الخصوصية والتحكم في المعلومات الشخصية وقراءة الأفكار وتوجيه السلوكيات الى مساحات غير مرغوبة، بالاضافة الى انعدام الامان وحرية التصفح بل وحدوث استقطاب مجتمعي حول بعض الافكار بالاضافة للغرف المغلقة Echo Chamber التي قد تنطلق منها أفكار معادية لاستقرار المجتمع وفقاعات الفلترة Filter bubble التي تعلي من شأن فكرة معينة وتحجب الاخرى، بالاضافة إلى التصيد الاحتيالي typo squatting الذى يعتمد على خوارزميات تصيد أخطاء الناشرين في كتابة رابط معين به خطأ ما ولكنه مشابه إلى درجة كبيرة مع اللينك الأصلي ومن الصعب اكتشافه بالعين المجردة ويستخدم في توزيع برامج اختراق الحسابات الخاصة فيما يعرف بالقرصنة الالكترونية ويشكل خداع للمستهلكين لسحب بياناتهم الشخصية والبنكية في بعض الأحيان، وكذلك Doppelganger أحد إستراتيجيات انتحال الصفحات الرسمية للشخصيات العامة والمنظمات والمواقع الرسمية ونشر معلومات زائفة عليها وتقوم الخوارزميات بالانتحال بهدف هدم مصداقية وشرعية هذه الشخصيات والمؤسسات لدى المستخدمين وهي أحد طرق التضليل الممنهج.

Manufactured amplifications ويعتمد على خوارزميات التضخيم المصطنع حيث يتم استخدام وسائل صناعية تتضمن التلاعب البشري والألي بنتائج محركات البحث والترويج ببعض الروابط لجذب تفاعل كبير على منشور أو خبر بشكل مصطنع ومدفوع وتحدد قائمة أسعاره لهذا بعدد علامات الاعجاب واعادة النشر والتعليقات وتستخدمها الخلايا الالكترونية لنشر الأخبار الزائفة المغرضة.

 فالخوارزميات لديها قدرة فائقة على محاكاه الذهنية البشرية بل والقيام بأنماط عمل متنوعة بالاضافة الى قدرتها على محاكاة السلوكيات وتوجيهها ومساعدة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي داخل العالم الافتراضي الذى يمتد ليؤثر فى العالم الواقعى .

 فما سبق يعرف "بالواقعية الفائقة" لجان بودريار عالم الاجتماع والفيلسوف والناقد الثقافي الفرنسي ومؤلف كتاب "التشبيه والمحاكاه" والذي تأثر بأراء مارشال ماكولهان الذي وضع تصور لما نعيشه الأن منذ بدايات القرن العشرين في عبارة "العالم قرية كونية صغيرة "، والذى أكد أن الواقع الفائق ملازم للتكنولوجيا الحديثة والإعلام المعاصر – الذي يسود العالم بغض النظر عن العولمة التي حقنت الثقافة الأمريكية في أوردة العالم - هو ما يفسر مدى تأثير الواقعية الفائقة في سلوكياتنا ونمط حياتنا ليعبر باختصار عن حدوث المزج بين الافتراضي والواقعى وما يتطلبه ذلك من اجراءات لفصل العالمين وضرورة الانتباه الى قدرة الذكاء الاصطناعي على اختراق الافكار وتوجيه السلوكيات وحشد الخلايا الإلكترونية وتنميط الاستهلاك وصبغه بثقافات متعددة، فمتى يفيق العالم العربى ويحشد جنوده الإلكترونية لتصنيع دروع حماية سيبرانية وصد الخوارزميات الهادفة.