وليد الغمرى يكتب.. حسن راتب رجل أعمال فى بلد بلا أسرار؟!

الاربعاء 09 أكتوبر 2024 | 05:25 صباحاً
وليد الغمرى
وليد الغمرى
كتب : وليد الغمرى

في رائعة الكاتب الكبير وحيد حامد "طيور الظلام" جائت عبارة عبقرية على لسان فتحى نوفل الذي جسد شخصية الزعيم عادل أمام وهو يتحدث إلى الفنانة يسرا قائلا "البلد دى ما بيستخباش فيها سر أكتر من سنة" والحقيقي إن بلدنا فعلاً لا يوجد فيها أسرار، فما يحدث داخل أروقه السلطة ليلاً يتداوله رواد المقاهي الشعبية نهاراً وهم يحتسون قهوة الصباح، والقاعدة السرية فى بلادنا تقول"طالما أن هذه الحكايات تتناثر وتتطاير مع أدخنة التبغ والنرجيلة.. فدع الناس تتحدث، فلا الحديث سيؤثر ولا أحد يستطيع تحريك ساكن".

ربما كانت هذه القاعدة الذهبية هى التى صنعت قناعات راسخة عن فساد مجتمع المال والاقتصاد في مصر، فأصبح كل رجال الأعمال في مرمى نيران الشائعات أو حتى مرمى نيران الحقائق المنتشرة شعبياً، وبعد ثورة يناير وما تلاه من عمليات تصفية الحسابات مع عدد ليس بالقليل من رجال الأعمال لم يلتفت الشارع لهم، فجميعهم في نظر الجميع كانوا جزىء من نظام فاسد، أضف إلى ذلك ما عرفوا فيما بعد برجال الأعمال المنتمين لجماعة الإخوان الإرهابية، وكان قانون الإرهاب جاهز للتحفظ على كل من يقترب أسمه من أموال الجماعة، وقد صمت المصريون أيضاً لكراهيتهم للجماعة وكل من يقترب منها..

ثم بدأت لعبة أخرى ووجدنا رجال أعمال يزج بهم خلف القضبان بتهم مختلفة، كان قانون الإرهاب صاحب النصيب الأكبر فيها.. ثم توالت الإفراجات عنهم ثم رفع التحفظ على أموالهم وسط شائعات جميعها تصب فى خانة "أن دولة حاولت ابتزاز بعض رجال الأعمال" ووسط حالة من الطبقية المفزعة لم يلتفت أحد لهذه الشائعات ولم يتعاطى معها رغم أنها أنتشرت كالنار في الهشيم، وبرزت أسماء من عينة رجل الأعمال صفوان ثابت ونجله سيف ثابت أصحاب شركة جهينة، ثم رجب السويركى صاحب التوحيد والنور، والقائمة طويلة ضمت مثلا عدد كبير من أعضاء عائلة سعودى أصحاب محلات ماركت سعودي، وانتهت القائمة التي لازالت أقواسها مفتوحة حتى هذه اللحظة باسم رجل الأعمال حسن راتب والذي قضى عقوبة ثلاث سنوات بعد اتهامه فيما عرف ب"قضية الأثار الكبرى"..

وأنا هنا لا أملك ولا أستطيع التعقيب على أحكام القضاء، ولكن هذه القضايا جميعها والتي أنتهت بالافراج ورفع التحفظ عن الأموال وضعت عشرات العلامات من الاستفهام، كانت إجاباتها جميعاً تصب في حفلات الشائعات التي يتداولها المصريون على مقاهيهم الشعبية، وسيظل الإفراج عن رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، ومشهد جلوسه مع الوزيرة سحر نصر وزيرة الاستثمار وقتها ورجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال.. فى اليوم التالي لخروجه من السجن مشهد يستحق التأمل ويطرح هو الأخر علامات استفهام وتعجب لا حصر لها..

ولكن كانت قضية رجل الأعمال حسن راتب على وجه التحديد هى ما أستوقفتني واستوقفني الشائعات التى دارت عنها، خاصة وأن راتب لم يكن من هؤلاء المغضوب عنهم وكان واحداً من أوائل من كسروا حاجز الصمت والعجز من الدولة في دخول سيناء، قبل حتى أن تبدأ مشاريع الدولة في تعميرها عقب ثورة 30 يونيو..

فكان في ضميري رجل أعمال مقاتل فعل في لحظة ما.. ما كانت الدولة كلها عاجزة عنه، أضف إلى ذلك أن الرجل ذي الحس الصوفي الذي رافق مشايخ مصر العظام وعلى رأسهم الإمام الشعراوي، وضع الرجل فى ضمير المصريين في خانة رجل الأعمال النظيف والذي شهد له قامات كبرى من رجال الدين أمثال الشيخ الشعراوي، فى لحظة كان مجتمع رجال الأعمال برمته يشار إليه بأصابع الاتهام، وخرج حسن راتب مثل كثيرين غيره للإستثمار فى الإعلام والذي أنشاء قناة المحور، والتي كانت في لحظة ما واحدة من أهم الفضائيات المصرية، قبل أن تشهد هذا الإنهيار الإعلامي بعد أن أنتقلت ملكيتها لجهات أخرى، وسيظل برنامج 90 دقيقة محطة هامة في خريطة الإعلام المصري، وقدم الكثيرين من الوجوه الإعلامية التي احترمها المصريون..

ثم بين عشية وضحاها يصبح حسن راتب مدان في قضية التنقيب عن الأثار، وهى قضية شديدة الغرابة خاصة لدى المصريون الذي يعتبر الكثرين منهم أن تجارة الأثار ليست حرام شرعاً ولا يعترف الكثيرين بقوانين تجريمها في مصر!!

ولا أعلم إلي أين وصلت قضية شقة الزمالك التي رصدتها الأجهزة الرقابية فى مصر وكانت حديث مصر كلها، بسبب حجم الأثار التي كانت مخزنة بها وتم عمل متحف خاص بها تعرض له وزير الأثار شخصيا وقام بعرضه مع الأجهزة الرقابية والأمنية أمام جموع الشعب المصري وعرض عبر الفضائيات.

كل هذا يجعلني أقف وأنا أحمل علامات استفهام أمام القضية التي أدين فيها وقضى عقوبتها رجل الأعمال حسن راتب.. فشخصية رجل الأعمال الفاسد لا تليق بتاريخ حسن راتب الذى عرفه المصريون، صاحب الحضرات الصوفية التي تضم رموز مصر الدينية والثقافية، ولا رجل الأعمال الذي كان أول مصري يبدأ فى تعمير سيناء بمشاريعه، وكم تمنيت أن أحظى بمعلومات عن ما آلت إليه ورقياً هذه المشروعات، ولكن للأسف في بلد يكافح صحفيوها من نصف قرن مضى لخروج قانون لحرية تداول المعلومات، لا أمل لدينا في الحصول على معلومة موثقة أبداً في مصر، ولكن ستظل دأئماً وأبداً مقولة وحيد حامد في "طيور الظلام " إحنا فى بلد ما بيستخباش فيها سر أكتر من سنة" هى واحدة من القوانين السرية للدولة المصرية. 

اقرأ أيضا