لا يخفي على الكثير من المصريين إيمان الرئيس عبدالفتاح السيسي وارتباط أسرته بالتصوف بشكل مباشر.
أحد الكتب التي تطرقت بوضوح لهذه العلاقة كان كتاب (الرؤساء وأقطاب الحقيقة) للكاتب محمود رافع.
محمود رافع أكد أن والد الرئيس السيسى جاء من بيت أحمدى، حيث كان والد السيسى شيخًا للمرازقة الأحمدية عن منطقة الجمالية، كما أن رقم عضويته متقدم فى مشيخة المرازقة الأحمدية - بحسب الكتاب.
هذا من باب الانتساب للطرق، أما من باب النسب لأهل البيت، فقد أكد الإعلامي عماد أديب أن أصول أجداد الرئيس السيسي من المغازية، ومعلوم أن السيد محمد المغازي رضي الله عنه كان من أعمدة الأشراف الحسينيين في القرن السابع الهجري، وله ذرية ضخمة داخل مصر وخارجها، وهو ابن شقيقة السيد البدوي رضي الله عنه.
هذه المقدمة ضرورية لفهم طبيعة الصراع الدائر منذ سنوات بين التيار السلفي، الذي تلقى ضربة موجعة بسقوط نظام الإخوان عام 2013، وبين الصوفية التي تنفست الصعداء بانتهاء حكم الإخوان، الخوارج كما يصفونهم.
استهداف القطب البدوي
على مدار سنوات حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي كانت الدعوة السلفية تركز هجومها على الأولياء، ولكن الهجوم الأكبر كان من نصيب السيد أحمد البدوي رضي الله عنه، ومعلوم أن جميع الجماعات التي تخدم الاستعمار الغربي أو خرجت بتخطيط منه، تركز هجومها على السيد البدوي لدوره في صد حروب الصليبيين وأسر لويس التاسع عشر ملك فرنسا.
لكن التركيز السلفي في مهاجمة السيد البدوي في السنوات الأخيرة، هدفه بالأساس توجيه السهام تجاه الرئيس السيسي نفسه، فكما ذكر الكاتب محمود رافع، كان والده شيخ الطريقة المرازقة الأحمدية بالجمالية، وهي إحدى الطرق التي تنتسب إلى السيد أحمد البدوي.
الهجوم على البدوي- بجانب خدمة الاستعمار- يستهدف الرئيس نفسه ووالده، وكأن السلفيون يبعثون رسالة للرئيس بأنك ووالدك على خطأ.
لذلك رأينا هجومًا على السيد البدوي بشكل مستمر، في الماضي كان الهجوم يتزامن مع مولده فقط، أما الآن فالهجوم تقريبًا كل عدة أسابيع طوال العام.
استهداف الأزهري
خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية، كان وزير الأوقاف الدكتور محتار جمعة محسوبًا على التيار السلفي، من جهة صلاته بالجمعية الشرعية، ومن جهة تصرفاته تجاه الصوفية ومساجد الأولياء وأهل البيت، ومنعه وتضييقه الزيارات، وإغلاقه الأضرحة أكثر من مرة، دون مبررات في بعض الأحيان.
عندما تم الإعلان عن تولي العالم الجليل الدكتور أسامة الأزهري، وهو مستشار الرئيس السيسي للشؤون الدينية طيلة عشر سنوات، لوزارة الأوقاف، غضب السلفيون وكان ردهم على هذا التعيين زيادة وتيرة مهاجمة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.
كان السلفيون يكثفون هجومهم على المولد النبوي، فانبرى المفتي الدكتور نظير عياد وسخر كل منصات دار الإفتاء للدفاع عن المولد النبوي ومشروعيته، وكان الدكتور أسامة الأزهري يرد بشكل مختلف، حيث كثف من احتفالاته بالمولد النبوي، وكثرت الاحتفالات بالمولد بمساجد وزارة الأوقاف.
السلفيون، الذي يدركون أن الاحتفال الرسمي بالمولد يكون برعاية وحضور الرئيس نفسه، لم يتورعوا عن تكفير المحتفلين ووصفهم بالمبتدعين والمشركين، في محاولة ثانية لضرب إيمان الرئيس نفسه.
استهداف التصوف
كان الرد على السلفيين موجعًا، حيث احتفلت الدولة المصرية برعاية وحضور رئيسها بالمولد النبوي كالمعتاد، وكانت الاحتفالات الشعبية هذا العام أكبر من الأعوام الماضية، فما كان من السلفيون إلا أن قرروا أن يقوموا بأمر جديد، وهو استهداف التصوف نفسه.
استهداف التصوف أمرًا صعبًا، إذا كان على المستوى الرسمي، فالبعض قد ينتقد تصرفات تحدث في مولد عام من العوام، لكنه من الصعب أن يمسك سقطات على مشايخ الطرق الصوفية الرسميين، الذين يعملون تحت مظلة المشيخة العامة للطرق الصوفية، فهم من جهة يتمسكون بالوسطية الإسلامية التي تميز بها الأزهر، ومن جهة أخرى وطنيون لم يخرج من عباءتهم متطرف أو إرهابي.
لذلك بحث السلفيون عن مطاريد الصوفية، الأشخاص الذين تم فصلهم لانحرافهم فكريًا عن مناهج الطرق، وأخذوا منهم مثالاً، وهو ذلك الرجل القابع في إمبابة، واتخذوا منه مدخلاً لمهاجمة التصوف.
هذا الشخص مفصول من طريقته، وللعلم نظام الفصل في الطرق الصوفية يتم فيه إبلاغ الجهات المختصة من المحافظة والأوقاف والأمن، وبذلك تخرج مسؤوليته نهائيًا من الطريقة لهذه الجهات، التي عليها أن تتابعه وتحاسبه إذا انحرف، أو تمنعه من ممارسة أي نشاط دعوي، لأن الطريقة تخلي مسؤوليتها بقرار الفصل وتخبر الجهات الرسمية أن هذا الشخص منحرف عنها فكريًا.
كما أن شيخ إمبابة حاول تسجيل طريقة باسمه، ورفض المجلس الأعلى للطرق الصوفية ذلك، فهو قانونيًا ليس شيخًا صوفيًا، لأن المشايخ يعملون تحت مظلة قانونية ولديهم جهة رقابية وتنظيمية هي المجلس الأعلى للطرق الصوفية، الذي بالمناسبة به العديد من ممثلي مؤسسات الدولة: الأزهر والأوقاف والداخلية والثقافة والحكم المحلي، وهم يمثلون ثلث أعضاء المجلس الأعلى، وتتولى كل جهة تعيين ممثلها، بجانب الأعضاء العشرة من المشايخ الذين يتم اختيارهم بالانتخاب بين المشايخ.
وبالمناسبة أيضًا ممثل الأزهر في المجلس الأعلى للطرق الصوفية هو الدكتور أحمد عمر هاشم، والجميع يعرف علاقة رئيس الجمهورية به ومدى احترامه وتبجيله له.
من خلال متابعتي لتعليقات الهجوم على شيخ إمبابة، وجدت أن التعليقات تستهدف التصوف بشكل أساسي، بل إن الصفحات التي بدأت إثارة الترند كلها تدور في الفلك السلفي / الإخواني، أي أن هناك حملة منظمة.
لن نتحدث عن الرجل ونقول هل هو بريء أم مدان، فهذا أمر في يد القضاء، ومن الصعب جزمه من قبلنا، لأن حتى أسرة الفتاة منقسمة، فالوالد يدعمها والأم تهاجمها، وفي كل الأحوال هذا أمر لا يخص إلا أصحابه، والقضاء سيقول كلمته، ونحن نثق فيه تمام الثقة.
ما هدف الحملة؟
هدف التحركات السلفية من البداية طيلة السنوات الإحدى عشرة الماضية هي توجيه سهام الانتقاد تجاه الرئيس ذاته، ففي عهده استمر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وتم تعيين وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري، ومفتي الجمهورية الدكتور نظير عياد، وثلاثتهم بمرجعية صوفية وسطية واضحة، وهي سمة الأزهر الشريف طوال تاريخه.
كما أن اللجنة الدينية في البرلمان تولى رئاستها الدكتور علي جمعة مفتي الديار الأسبق، وهو شيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، وأمين سرها الدكتور محمد أبو هاشم نائب رئيس جامعة الأزهر السابق وهو شيخ الطريقة الهاشمية، وزعيم الأغلبية البرلمانية هو الدكتور عبدالهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية، والثلاثة أعضاء بالمجلس الأعلى للطرق الصوفية بجانب من ذكرتهم سابقًا من ممثلي الجهات الرسمية.
يدرك السلفيون أن الدولة المصرية تخلصت من غشاوة فكرهم الذي تسبب في خروج المتطرفين والإرهابيين طيلة العقود الماضية، ويدركون أن انتشار الفكر الصوفي الصحيح سيعمل على استقرار المجتمع، وهو يهدد نفوذهم في القرى والمراكز في الدلتا والصعيد، ويهدد مكانتهم الاجتماعية التي اكتسبوها بإطالة اللحى، حتى أضحى كل ملتحي منهم يقال له: "يا شيخ"، من الناس البسطاء، لذلك يحاولون بشتى الطرق الضغط على الدولة المصرية.
ختامًا، نوجه رسالة للدولة المصرية بضرورة اتخاذ موقف جاد تجاه الفكر السلفي، حتى لا يخرج من عباءته جماعة أنصار بيت مقدس جديدة، أو تكفير وهجرة، أو قاعدة، أو داعش، وكلها جماعات خرجت من رحم الفكر السلفي ومن تنظيم الإخوان.
وإذا كانت بعض الدول الإقليمية التي خرج منها هذا الفكر، وتم رعايته وتمويله من قبلها لعقود، قد تخلت عنه، فنرجو ألا تسمح الدولة المصرية لهذا الفكر بأن يتخذ الوطن مقرًا رئيسيًا جديدًا له، لأنه مفرخة للإرهاب، ونحن قد دفعنا ثمن الإرهاب غاليًا من دماء رجالنا في الجيش والشرطة والقضاء والمواطنين المسالمين، فيجب ألا نسمح بأن تتكرر هذه الفترة السوداء مرة أخرى، ويكون ذلك بتجفيف منابع الإرهاب الفكري، حتى لا يخرج منه إرهاب حركي.