أثلَجَ اختيارُ الدكتور أسامة الأزهري وزيرًا للأوقاف صدورَ ملايين المصريين، كذلك العرب والمسلمون في شتى أرجاء المعمورة. فقد جاء نبأُ تولّي هذا العالِمِ الموسوعيِّ مسئوليةَ وزارة الأوقاف بمثابة الفَجر الجديد الذي انبلَجَ على الأوقاف بعد ليلٍ حالكِ الظلام جَثَمَ على صدر هذه الوزارة -بالغة الأهمية- سنواتٍ طويلة.
وأسبابُ الفرحة العارمة التي استُقبل بها نبأ تولي الدكتور أسامة الأزهري وزارةَ الأوقاف كثيرةٌ؛ بيد أنَّ أهمَّها يكمُن في أن «الأزهري» -بجانب علمِه الموسوعي، وتمسُّكِه بالمنهج الأزهري الوسطي، وفصاحتِه، ومواقفِه الواضحة والصريحة ضد جماعات التطرف والإرهاب، وإخلاصه في خدمة الوطن- تلميذُ الفقيه العلامة الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، ومفتي الديار المصرية السابق، وهذا أمرٌ مُطمئنٌ ومبشِّرٌ بأننا سنرى مبادئ المدرسة «العلية الأزهرية» ومناهجها تُطبَّق في وزارة الأوقاف، وهو ما سيُعيد لهذه الوزارة هُويَّتَها المصرية، وسيحوِّل المنابرَ إلى مناراتٍ لمجابهة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم المغلوطة.
والبُشرى والفرح بتولي الدكتور أسامة الأزهري، حقيبة الأوقاف، لا يعنيان أن طريقه في هذه الوزارة مفروشةٌ بالورود؛ فالجميع يعلم أن «الأزهري» ورث تركةً ثقيلة، وتنتظره ملفات شائكة، وآلاف المظالم المتراكمة التي يأمل أصحابها من الأئمة والعمال أن يرفعها عنهم الوزير الجديد أو حتى بعضها، ناهيك بملف الوقف وما يُثار حوله من شبهات، خاصة بعد الحريق الذي طال الطابق المحفوظ بداخله حجج الوقف في مبنى وزارة الأوقاف القديم بوسط القاهرة.
والملف الأكثر خطورة الذي ينتظر تحركًا عاجلًا من الدكتور أسامة الأزهري، هو سيطرة عناصر جماعات التيار السلفي على أكثرية المساجد في المناطق الشعبية بالقاهرة والجيزة، إضافة إلى قرى محافظات مصر ونجوعها. وهؤلاء يعملون بمعزل عن خطةِ وزارة الأوقاف، ناهيك بالمفاهيم المغلوطة والمتشدّدة التي يُسمِّمون بها عقول رواد بيوت الله. ولعل زيارة إلى أي مسجد بمناطق بولاق الدكرور، أو أوسيم، أو ضواحي إمبابة، أو قرى محافظة البحيرة أو المنيا أو الفيوم، تؤكد ما أقول.
وهناك أيضًا ملف الاهتمام بالتكوين العلمي للأئمة والخطباء، وإعادة تشكيل وجدانهم وتصحيح المفاهيم لديهم، وتسليحهم بالمنهج الأزهري الوسطي الصحيح البعيد عن الإفراط أو التفريط، وجعلهم كوادرَ قادرة على تجديد الفكر الإسلامي، والرد على الأسئلة الوجودية التي تدور في أذهان الأجيال الناشئة، وكذا الرد على الشبهات التي يروجها البعض ضد الإسلام، وتفكيك الفكر المتطرف ومن ثَمَّ مجابهته وتحصين العقول من الوقوع في براثنه.
والتكوين العلمي للأئمة والخطباء، هو جانب من برنامج تأهيل كوادر دعوية يصبحون صمام أمان الوزارة في الحاضر والمستقبل، ويمثلون الضمانة التي تحول دون تغوُّلِ مُعتنقي الفكر الإخواني والسلفي في المجال الدعوي.
كما ينتظر كثيرون من الدكتور أسامة الأزهري إعادة مستشفى الدعاة بمصر الجديدة إلى سابق مجده الذي كان تُقدم فيه خدمات صحية متكاملة على أعلى مستوى للأئمة والخطباء والعمال وجميع المنتسبين إلى وزارة الأوقاف طوال 15 عامًا، هي مدة تولي العلامة والفيلسوف الراحل الدكتور محمود حمدي زقزوق مسئولية وزارة الأوقاف، وقد أصبح هذا المستشفى الآن في حالٍ يُرثى لها بعد أن عصف به الإهمال.
وأمام وزير الأوقاف الجديد مهمتان لا تقلان أهمية عما سبق: الأولى هي الحفاظ على أراضي وممتلكات الوقف، وإعادة المُهدر والمُبدد منها. والثانية تتمثل في تصحيح مهام عمل المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بما يُتيح تشكيل لجان علمية تواصل مهمة تأليف الموسوعات الإسلامية التي تخدم الأمة، وتنقح كتب التراث وتعيد طباعتها، وتجدد الخطاب الديني وَفق قواعد علمية تُعلي من قيمة التراث وتُقدره دون أن تقدسه أو ترفعه إلى مرتبة القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة. وقد كان المجلس الأعلى للشئون الإسلامية يؤدي هذا الدور الحيوي على أكمل وجه في عهد الدكتور محمود حمدي زقزوق - رحمه الله-.
كل ما سبق بعض المهام الوطنية والدينية الجليلة التي تنتظر الدكتور أسامة الأزهري، وعهدنا بالرجل أنه أهلٌ لأداء الأمانة والحفاظ على العهود والقيام بالمأمول على أحسن وجه وأكمله، خاصة أنه بدأ ولايته في وزارة الأوقاف، بطرح مبادرة غاية في الأهمية، تتمثل في دعوته إلى توحيد أفرع المؤسسة الدينية (وزارة الأوقاف، ودار الإفتاء، ومشيخة الطرق الصوفية، ونقابة السادة الأشراف) تحت مظلة الأزهر الشريف، وهي مبادرة حال تحققها على أرض الواقع (وإن كان هذا غير ممكن لأسباب خارجة عن إرادة الأوقاف والإفتاء ومشيخة الطرق ونقابة الأشراف) فإنها تُبشر بأن ملامح تجديد حقيقي تظهر في الأفق، وأن فجرًا جديدًا أشرقت أنواره على أرض مصر، وسيضيء شتى ربوع البلدان العربية والإسلامية.