المعروف أن أول استخدام لمصطلح الترند هو للإشارة إلى اتجاه معين لتحريك الأسعار، حيث يتم تحديده بعد إجراء تحليل فنى لسلوكيات واتجاهات البيع والشراء فقد تكون صاعدة أو هابطة أو أفقية.
أما فى مواقع التواصل الاجتماعى فقد اختلف المفهوم ليعبر الترند عن الموضوع الذي ينتشر بشكل كبير بحيث تزيد سرعة انتشاره عن باقى الموضوعات وكما هو معروف أن السوشيال ميديا غيرت العادات الاتصالية والإعلامية للجمهور بشكل عام فقد تدخلت أيضاً لقلب موازين الأمور فى المفاهيم العلمية ليتحول الترند من كونه موضوع انتشر سريعاً لنجاح صاحبه سواء كان مسلسل حقق ترند أو لاعب كرة أو أغنية أو بطل رياضى أو طالب متفوق حققوا ترند إلى أكذوبة يطرحها دعاة الشهرة على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى وخاصة الفيسبوك وتويتر لرفع نسبة المرور على صفحاتهم ولفت النظر إليهم.
وليس هذا فقط بل امتد البحث عن ترند إلى حفلات التخرج الجامعية والتى كنا نعتبرها رمز الوقار والشموخ وطقوسها التى كانت تعكس قدسية الحرم الجامعى وإحترامه ؛ فما يحدث فيها الآن خروج عن المألوف وإبتزال وإهانة للزى الجامعى الذى يرتديه الخريج ... والسؤال الذى يطرح نفسه أين ذهبت هيبة الجامعة وأساتذتها ؟؟ وكيف تجرأ هؤلاء الخريجون الراقصون على أداء فقرات راقصة قبل صعودهم منصة التكريم ويقف على هذه المنصة علماء فى تخصصاتهم وقيادات فى جامعاتهم ؟؟؟وكيف تقبل هؤلاء العلماء أن يقفوا إجلالًا لهؤلاء الخريجين لتكريمهم يوم تخرجهم منتظرين إنتهاء فقرة الرقص والتصوير .. عجبت لهذا الزمن هل صعب على مقدم حفلة التخرج أن ينهر هذا الخريج أو الخريجة التى تأتى للمنصة راقصة أم يخشى هو أيضًا من لوم المتابعيين ويصبح هو أيضًا موضوع للترند ولكن بطريقة سلبية ... الأمر ليس مقتصر على لوم الخريجين ولكنى أقدم اللوم كذلك لإدارة الجامعة وللأساتذة ولأولياء الأمور الذين حضروا هذه المهازل ووقفوا مبتسمين لحين انتهاء التصوير .
وبمتابعتي لصفحات التواصل الإجتماعى فى العطلة الصيفية لاحظت أن المسئولية مشتركة بين عدة أطراف حيث شاهدت فيديو لأحد أولياء الأمور يتبارى فى الرقص الخليع المثير للاشمئزاز أمام إبنته الخريجة وأمام منصة التكريم ومن شدة ذهولى بما يحدث ظننت أن الفيديو مفبرك ولكن إتضح أنه حقيقي.
والأمر لم يقتصر على حفلات التخرج ولكن حفلات الزفاف أيضًا حدث ولا حرج عن أفعال مبتذلة وتقاليع غريبة وتصرفات تخدش حياء العروسين أو تقلل من شأن أحدهم .....هل غيرت وسائل التواصل الإجتماعى منظومة القيم المصرية الأصلية؟ هل نجحت فى إعادة ترتيب أولويات الجمهور ؟ هل أصبح البحث عن الترند هو قمة المراد الذى فى سبيله تنهار كل الثوابت؟
الإجابة عن هذه التساؤلات هى "نعم" ... فلم يقتصر البحث عن ترند على مواقع التواصل الإجتماعى على تقليد المشاهد الدرامية او الرقص الخليع فى محافل العلم بل إمتد لطقوس الحياة اليومية لدى كثير من الشباب فسيطر عليهم هوس السيلفى حتى داخل غرف العمليات فى المستشفيات وقد يدفع الكثيرون حياتهم فى بعض الأحيان بسبب المغالاة والتهور فى إلتقاط السيلفى أيضاً بدافع نشرها على مواقع التواصل الإجتماعى حرصاً على الدعم النفسى من خلال الحصول على like,comment,share عبر الفيس بوك وتويتر بالتحديد فيما يعكس نرجسية هؤلاء الأشخاص وإعجابهم الغير عادى بصورهم الذاتية ورغبتهم فى جذب الإنتباه اليهم بشتى الطرق وإستغلالهم للأصدقاء على صفحتهم لتلبية حاجاتهم الذاتية فى حب الظهور والاستعراض والرغبة فى التأثير فى الأخريين بل والتفوق عليهم وتحقيق الترند.
ويضاف إلى ما سبق ظاهرة تبنى المواقف الغريبة النادرة والمختلفة عن العرف المألوف حتى فى الأمور المصيرية كالزواج مثلاً وما يرتبط به من وثائق تضمن حق المرأة فقد وصل الأمر للتنازل عنها واستبدالها بعبارات تجذب رواد السوشيال ميديا أيضاً للبحث عن ترند.
فرفقاً برواد السوشيال ميديا من الإسفاف والابتذال ونشر الأفكار الغريبة والمواقف الوهمية ورفقاً بالصغار من الانحدار فى اللغة والذوق والسلوكيات.. لقد حملنا مواقع التواصل الإجتماعى فوق طاقتها وأصبحت بالفعل مسرح البحث عن الترند.. فلو اعتبرنا أن الجديد فى وسائل الإعلام هو المحتوى الرقمى ومواقع التواصل الاجتماعى فإن المعيار الرئيس لنجاح الرسالة الإعلامية هو الوصول لهدفها والبقاء فى وجدان الجمهور بالمعلومة والخبر والمضمون المحترم وليس الترند اليومي الوقتي.