سوق الكربون الطوعي بين الواقع والمأمول

الخميس 15 اغسطس 2024 | 12:19 مساءً
السفير مصطفي الشربيني
السفير مصطفي الشربيني
كتب : السفير مصطفي الشربيني

السفير مصطفي الشربيني الخبير الدولي في الاستدامة وتقييم مخاطر المناخ والمراقب باتفاقية باريس لتغير المناخ.

إن تطوير أسواق الكربون في مصر يجب أن يكون وفقا لأحد الخيارين، الاول ان يكون مشروع تعويض الكربون مسجل ومدعوم بأدوات أساسية مثل معيار الكربون المعتمد VCS والمعيار الذهبي، او احد البرامج الثلاثة الأخرى التي اعتمدها مجلس النزاهة مما يضمن الشفافية والجودة والرقابة الصارمة، أو الخيار الثاني ان تعمل مشاريع الكربون في مصر وفقا لمعايير المادة ٦.٤ لاتفاقية باريس UNFCCC فإن الافتقار إلى المراقبة الصارمة بالتغافل عن معايير مجلس النزاهة للأهلية لـ CCP وذلك بالتسجيل والاعتماد والتحقق قي أحد الخمسة برامج العالمية يشكل خطرًا يتمثل في مشاريع دون المستوى الأمثل والتي قد تفشل في تحقيق الفوائد البيئية المتوقعة.

وقد أعلنت مصر انطلاق سوق الكربون الطوعي يوم الثلاثاء ١٣ أغسطس ٢٠٢٤ عاشر دولة أفريقية والرابع عربيا بعد دولة قطر والسعودية والإمارات تدشن سوق لتداول شهادات الكربون في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يتم إصدار ما يقرب من 65 في المائة من أرصدة الكربون في أسواق الكربون الطوعية التي تتركز في خمس دول اساسية : كينيا وزيمبابوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وأوغندا، كما تعمل جنوب إفريقيا، كاستثناء، ضمن أسواق الامتثال، باستخدام ضريبة الكربون الوطنية ونظام الحد الأقصى والتداول.

وكانت مصر ضمن تحالف إطلاق مبادرة أسواق الكربون في أفريقيا ACMI في مؤتمر الأطراف السابع والعشرين في شرم الشيخ في مصر، والتي يقودها التحالف العالمي للطاقة من أجل الناس والكوكب GEAPP، والطاقة المستدامة للجميع SEforALL، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا UNECA بدعم من أبطال الأمم المتحدة رفيعي المستوى لتغير المناخ وذلك بهدف توسيع أسواق الكربون الطوعية والممتثلة في أفريقيا، وتعزيز مساهمة القارة في الحد من الكربون العالمي بموجب اتفاق باريس، وتم تعيين المحاسب القانوني بول موثورا، الرئيس التنفيذي لمبادرة أسواق الكربون الأفريقية، وكان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لهيئة أسواق رأس المال في كينيا.

إن أسواق الكربون عالية النزاهة قادرة على تحفيز العمل المناخي بشكل كبير، وتحقيق فوائد مشتركة كبيرة للاقتصاد والرفاهة والتنوع البيولوجي، ولكي يتم بيع شهادات الكربون في الأسواق العالمية، فلابد أن تراعي المشاريع المصرية للشهادات الكربون، معايير مجلس النزاهة للأهلية لـ CCP وذلك بالتسجيل والاعتماد والتحقق قي احد الخمسة برامج التي حصلت علي اعتراف مجلس النزاهة في تلبية معايير سوق الكربون الطوعي ، حيث أن هذه البرامج أثبتت أنها تلبي معايير CCP الصارمة فيما يتعلق بالحوكمة الفعالة والشفافية والتتبع والتحقق والتحقق المستقل القوي من قبل طرف ثالث، كما أنها تلبي قواعد CCP المتعلقة بالبرامج بشأن التحديد الدقيق لتخفيضات الانبعاثات وإزالتها، وعدم العد المزدوج وفوائد التنمية المستدامة والضمانات.

وقد أعلن مجلس النزاهة لسوق الكربون الطوعية، أن برنامج VCS)Verified Carbon Standar)، الذي تديره شركة Verra، وهو أكبر برنامج لمنح الائتمان الكربوني في العالم، قد حقق مبادئ الكربون الأساسية عالية النزاهة CCPs بعد إجراء تغييرات كبيرة على إجراءاته، وذلك مع نشره القرار الثاني في سلسلة مستمرة من قرارات التقييم، كما وافق مجلس إدارة مجلس النزاهة على برنامج ART - Architecture for REDD+ Transactions الذي تديره Winrock International، والذي يعمل على مستوى العالم، من خلال منهجية تخضع حاليًا لتقييم أصحاب المصلحة المتعددين من ICVCM، وتضم اربعة برامج إلى ACR وCAR وGold Standard، TREES باعتبارها برامج مؤهلة لـ CCP، وتبلغ حصة هذه البرامج الخمسة مجتمعة 98% من سوق الكربون الطوعية.

ومن الجدير بالذكر أن مجلس النزاهة لسوق الكربون الطوعية هو هيئة حوكمة مستقلة غير ربحية لسوق الكربون الطوعية، والتي تهدف إلى ضمان تسريع سوق الكربون الطوعية للانتقال العادل إلى 1.5 درجة مئوية.

يهدف مجلس النزاهة إلى وضع والحفاظ على معيار عالمي طوعي للجودة والشفافية والرقابة الصارمة لسوق الكربون الطوعية، ويستند معيار العتبة إلى مبادئ الكربون الأساسية لمجلس النزاهة ويتم تنفيذه من خلال إطار تقييم يحدد ما يعنيه الجودة العالية بالإشارة إلى تلك المبادئ. 

والنتيجة هي معيار عتبة وعلامة توفر وسيلة موثوقة ودقيقة وسهلة الوصول لتحديد أرصدة الكربون عالية الجودة.

ومبادئ الكربون الأساسية التي أعلنها مجلس النزاهة هي الحوكمة الفعالة، حيث يجب أن يتمتع برنامج ائتمان الكربون بحوكمة فعالة للبرنامج لضمان الشفافية والمساءلة والتحسين المستمر والجودة الشاملة لائتمانات الكربون.

وثاني المباديء يأتي التتبع بحيث يجب أن يعمل برنامج اعتماد الكربون أو يستخدم سجلاً لتحديد وتسجيل وتتبع أنشطة التخفيف واعتمادات الكربون الصادرة بشكل فريد لضمان إمكانية تحديد الاعتمادات بشكل آمن لا لبس فيه.

ثم مبدأ الشفافية، بحيث يجب أن يوفر برنامج اعتماد الكربون معلومات شاملة وشفافة عن جميع أنشطة التخفيف المعتمدة. ويجب أن تكون المعلومات متاحة للجمهور في شكل إلكتروني ويجب أن تكون متاحة للجمهور غير المتخصص، لتمكين التدقيق في أنشطة التخفيف.

وهم هذه المباديء هو التحقق والتحقق القوي من قبل طرف ثالث مستقل ، بحيث يجب أن يتضمن برنامج اعتماد الكربون متطلبات على مستوى البرنامج للتحقق من صحة أنشطة التخفيف من قبل طرف ثالث مستقل قوي.

وهناك عدد من الشروط وضعها مجلس النزاهة اولها انه يجب إيضاح تأثير الانبعاثات بحيث تكون تخفيضات أو إزالة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من أنشطة التخفيف إضافية، أي أنها لم تكن لتحدث في غياب الحافز الناتج عن عائدات ائتمان الكربون.

ويجب أن تكون تخفيضات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أو إزالتها من أنشطة التخفيف دائمة، أو في حالة وجود خطر التراجع، يجب وضع تدابير لمعالجة هذه المخاطر وتعويض التراجعات.

يجب أن يتم قياس تخفيضات أو إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من أنشطة التخفيف بشكل كمي قوي، بناءً على النهج المحافظ والاكتمال والأساليب العلمية السليمة.

وبشرط ان لا يوجد حساب مزدوج، فلا يجوز احتساب تخفيضات أو إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن أنشطة التخفيف مرتين، أي أنه لا يجوز احتسابها إلا مرة واحدة لتحقيق أهداف أو غايات التخفيف. 

ويشمل الحساب المزدوج الإصدار المزدوج، والمطالبة المزدوجة، والاستخدام المزدوج.

ويجب أن يتضمن برنامج ائتمان الكربون إرشادات وأدوات وإجراءات امتثال واضحة لضمان أن تتوافق أنشطة التخفيف مع أفضل الممارسات الصناعية الراسخة على نطاق واسع بشأن الضمانات الاجتماعية والبيئية أو تتجاوزها مع تحقيق تأثيرات إيجابية على التنمية المستدامة.

ويجب أن يتجنب نشاط التخفيف تحديد مستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أو التقنيات أو الممارسات كثيفة الكربون التي لا تتوافق مع هدف تحقيق صافي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري صفر بحلول منتصف القرن.

تصنف أسواق الكربون إلى أسواق طوعية وأسواق امتثال، وتفرض أسواق الامتثال، التي تحكمها اتفاقيات مثل بروتوكول كيوتو، أهداف خفض الانبعاثات الإلزامية من خلال آليات مثل تجارة الانبعاثات، وتشمل الأمثلة نظام تجارة الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي وبرنامج كاليفورنيا وكيبيك للتداول بالحد الأقصى، وتعمل أسواق الكربون الطوعية بما يتجاوز الالتزامات القانونية، مما يسمح بالمشاركة الطوعية من قبل الأفراد والشركات، وتقدم أسواق الكربون الطوعية، مثل معيار الكربون المعتمد VERRA، والمعيار الذهبي GO، وبرنامج الكربون الطوعي وسجل الكربون الأمريكي ، أنواعًا متنوعة من المشاريع، مما يعزز المرونة والابتكار. وتحافظ المعايير والسجلات الصارمة على الشفافية والمساءلة، مما يضمن مصداقية أرصدة الكربون.

والجدير بالذكر أن أسواق الكربون الطوعية تسمح لمُصدري الكربون بشراء أرصدة الكربون طواعية لتعويض انبعاثاتهم، وعلى عكس أسواق الامتثال التي تحد من شراء أرصدة الكربون وتفرض قيودًا الزامية، حيث توفر أسواق الكربون الطوعية فرصة لمشاريع الكربون القائمة في أفريقيا، والتي يمكن تطويرها من قبل كيانات خاصة وعامة وغير ربحية، لبيع أرصدة الكربون الخاصة بها إلى مشتري أرصدة الكربون العالمية، كما تعد أسواق الكربون الطوعية وسيلة للحكومات لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحقيق أهدافها في التخفيف من آثار تغير المناخ، حاليًا، تعد أسواق الكربون الطوعية واحدة من أكثر الفرص الواعدة حيث يتم شراء وبيع أرصدة الكربون لمشاريع الكربون القائمة في أفريقيا.

أما أسواق الامتثال تنظم أسواق الامتثال انبعاثات خفض الكربون من خلال فرض أهداف ملزمة قانونًا لخفض الانبعاثات على الشركات، ويمكن إنشاؤها على مستوى الصناعة، حيث تنفذ هيئة صناعية حاكمة إطارًا للمنظمات الأعضاء فيها للحد من الانبعاثات، مثل خطة تعويض الكربون وخفضه للطيران الدولي في CORSIA ، أو على مستوى الولاية القضائية، حيث تستخدم الولاية القضائية مخططات الحد الأقصى والتجارة، المعروفة باسم أنظمة تداول الانبعاثات ETS وعلي سبيل المثال سوق الكربون الاوروبي EU ETS، أو تفرض ضرائب الكربون.

في حين أن أسواق الامتثال هي أكبر أنواع أسواق الكربون حيث ان التبادل للانبعاثات يتخطى ما قيمته 100 مليار دولار أمريكي سنويًا، إلا أنها توجد بشكل أساسي في الاقتصادات الصناعية مثل أوروبا وكاليفورنيا وتسمح باستخدام محدود للغاية لائتمانات الكربون للتعويض عن الانبعاثات، وعندما تسمح للمشاركين باستخدام ائتمانات الكربون، فإن لديهم معايير أهلية صارمة تقيد جغرافية المنشأ ونوع المشروع، مما يجعل أسواق الامتثال فرصة محدودة للمشاريع القائمة في إفريقيا اليوم، ونجد في سوف تبادل الانبعاثات الالزامي في كوريا الجنوبية وسنغافورة مرونة كبيرة نحو استخدام ارصدة الكربون للسوق الطوعي في افريقيا، فهما الولايتان القضائيتان الوحيدتان اللتان لديهما أسواق امتثال تقبل ائتمانات الكربون الصادرة عن مشاريع في دول أفريقية مختارة، كما نجد دولة جنوب أفريقيا هي الدولة الوحيدة في القارة الأفريقية التي لديها سوق امتثال حتى الآن.

اما أسواق الكربون العالمية الجديدة للأمم المتحدة وفقا للمادة ٦.٤ فهي توفر أداة واعدة للتخفيف من الانبعاثات ودفع العالم نحو مستقبل مستدام بشرط التقيد برائحة النشاط والتحقق وتحت رقابة صارمة من لجنة الشفافية في اتفاقية باريس UNFCCC ويجب ان يتم مشاريع الكربون الطوعية بموافقة وتحت اشراف وزارة الطاقة في البلد التي يتم فيها اصدار شهادات الكربون وتحت رقابة صارمة من لجنة الشفافية باتفاقية باريس ، حيث بدأ العمل في هذا السوق هذا العام كبديل لآلية التنمية المستدامة السائدة في وقت سابق ، وتتوافق ويجب أسواق الكربون الطوعية العالمية مع الاتفاقيات الدولية الرئيسية مثل بروتوكول كيوتو 1997واتفاقية باريس 2015 ، إنها توفر للدول والكيانات إطارًا مرنًا لتبادل أرصدة الكربون ، ويتم تداول أرصدة الكربون دوليًا ومحليًا، مما يخلق نظامًا بيئيًا ديناميكيًا، يمكن للدول التي تعمل تحت حدود الانبعاثات بيع الأرصدة الفائضة لتلك التي تتجاوز عتباتها، وبالتالي تعزيز الفوائد المالية من الممارسات المستدامة، يمكن للشركات داخل بلد ما الانخراط في التداول لتلبية أهداف التخفيض الفردية، مما يحفز إدارة الانبعاثات النشطة.

يعود تاريخ أسواق الكربون إلى حدثين أساسيين وضعا الأساس لنهج تحويلي في التعامل مع تغير المناخ ، بروتوكول كيوتو 1997، أول معاهدة دولية أدخلت تجارة الكربون العالمية، ونظام تجارة الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي EU ETS في عام 2005، وهو أول نظام عالمي لتحديد سقف الانبعاثات وتداولها، كما عزز اتفاق باريس لعام 2015 دور أسواق الكربون في العمل المناخي، مما أدى إلى عصر جديد من التعاون العالمي بشأن قضايا المناخ.

لقد طبق بروتوكول كيوتو ثلاث آليات سوقية رئيسية، وكانت الآلية الأولى هي نظام تداول الانبعاثات، وقد عمل هذا النظام على مبدأ تحديد سقف للانبعاثات وتداولها، فحدد سقفاً تنظيمياً للانبعاثات في قطاعات محددة، ولم توقع البلدان الخاضعة لنظام تداول الانبعاثات اتفاقيات مباشرة، بل عمل النظام بدلاً من ذلك كإطار تنظيمي إقليمي أو وطني، وكانت البلدان خاضعة تلقائياً لأحكامه استناداً إلى عضويتها في مناطق أو كتل محددة، أو بدلاً من ذلك، كان بوسعها أن تختار تنفيذ نظامها الوطني الخاص لتداول الانبعاثات، الأمر الذي يسمح بحلول مصممة خصيصاً للتعاون الفعّال في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ.

أما النموذج الثاني فكان آلية التنمية النظيفة التي مكنت البلدان المتقدمة من الاستثمار في مشاريع خفض الانبعاثات في البلدان النامية، وقد أدى هذا التعاون إلى توليد أرصدة الكربون المعروفة باسم شهادات خفض الانبعاثات المعتمدة، كما قدم الدعم المالي للتنمية المستدامة ، وتعمل آلية التنمية النظيفة من خلال اتفاقيات ثنائية بين البلدان المضيفة في البلدان النامية، المسؤولة عن تحديد وتطوير مشاريع خفض الانبعاثات، والبلدان المستثمرة في البلدان المتقدمة، التي تقدم المساعدة المالية والتكنولوجية.

أما الآلية الثالثة فكانت آلية التنفيذ المشترك، التي سمحت لبلد متقدم واحد وهو البلد المضيف، بتحديد مشروع لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، في حين قدمت دولة متقدمة أخرى من البلد المستثمر ، الدعم المالي والتكنولوجي لتنفيذ المشروع، وقد أنتج المشروع شهادات خفض الانبعاثات المعتمدة التي تم التحقق منها من قبل كيانات مستقلة، الأمر الذي سمح للبلد المستثمر بالمطالبة بالتخفيضات اللازمة لتحقيق أهداف بروتوكول كيوتو.

وعلى الرغم من إرساء الأساس للتعاون الدولي وأهداف خفض الانبعاثات، واجهت آليات بروتوكول كيوتو تحديات، حيث لم تصادق الدول الكبرى على الاتفاقية، وأثارت دول أخرى مخاوف بشأن فعاليتها، وردا على ذلك، تلت ذلك سلسلة من المداولات والمفاوضات، مما أدى إلى صياغة وقبول اتفاق باريس في عام 2015 ، حيث تحدد المادة 6 من اتفاقية باريس الإطار العام للنهج التعاونية في التعامل مع قضية المناخ، بما في ذلك آليات السوق، وتحدد ثلاثة مناهج رئيسية: آلية التنمية المستدامة، ونتائج التخفيف المنقولة دولياً، والنهج غير السوقية، وتهدف آلية التنمية المستدامة إلى تعزيز أنشطة التنمية المستدامة التي تساهم في خفض الانبعاثات، وخاصة في البلدان النامية، وعلى عكس الآليات المنصوص عليها في بروتوكول كيوتو، لا تقتصر آلية التنمية المستدامة على تداول الانبعاثات، بل تركز على توليد نتائج التنمية المستدامة التي تتجاوز مجرد خفض الانبعاثات.

ترمز نتائج التخفيف المنقولة دوليًا إلى تخفيضات انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي التي تحققت في بلد ما، مما يساهم في تحقيق أهداف الانبعاثات في بلد آخر، تعمل المشاريع في بلد ما على تقليل الانبعاثات، والتحقق منها، وقياسها كميًا وفقًا للمعايير الدولية، وتحويلها إلى نتائج تخفيف منقولة دوليًا قابلة للتداول، يمكن تداول نتائج التخفيف المنقولة دوليًا، الصادرة عن السلطات المعينة أو السجلات المعترف بها بموجب اتفاقية باريس، على المستوى الثنائي أو من خلال الأسواق المعتمدة، يمكن للدول المشترية تضمين نتائج التخفيف المنقولة دوليًا في جرد خفض الانبعاثات للامتثال، مع احتفاظ كلا الطرفين بسجلات شفافة لمنع العد المزدوج.

واجهت دول مثل مدغشقر وأنجولا ونيجيريا والسودان وتنزانيا، على الرغم من إمكاناتها الكبيرة في مجال أرصدة الكربون، مشاركة محدودة بسبب عدم التوافق بين أنشطة المشروع وإمكانات أرصدة الكربون لديها، بين عامي 2016 و2021، شكلت البلدان الأفريقية ما يقرب من 11 في المائة فقط من إجمالي أرصدة الكربون العالمية الصادرة، مع استغلال 2 في المائة فقط من قدرتها السنوية القصوى على أرصدة الكربون، خلال هذه الفترة، نما الطلب على أرصدة الكربون من أفريقيا بنسبة 36 في المائة، تشير هذه الزيادة في الطلب إلى فرصة كبيرة للتقدم الاقتصادي والتنموي التحويلي للقارة.

إن العقبة الرئيسية التي تواجه أسواق الكربون في أفريقيا تتمثل في ندرة البيانات المناخية وعدم كفاية القدرات التحليلية في مختلف أنحاء القارة، على سبيل المثال، فإن الافتقار إلى المعلومات الدقيقة حول العوامل الحاسمة مثل معدلات إزالة الغابات، وإمكانات الطاقة المتجددة، وانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي يعوق تحديد مشاريع تعويض الكربون القابلة للتطبيق، بالإضافة إلى ذلك، فإن ندرة البيانات تعوق تقييمات جدوى المشاريع، وتصميم التدخل الفعال، وتحديد كميات تخفيضات الكربون المحتملة، وعلاوة على ذلك، فإن محدودية توافر البيانات تعقد عملية التحقق من أرصدة الكربون الفعلية التي تولدها المشاريع، مما يجعل من الصعب مراقبة التقدم بدقة، وبالتالي، فإن هذا يثير المخاوف بشأن فعالية المشروع وشفافيته، مما يجعل من الصعب على مشتري الكربون تقييم مصداقية وتأثير مشاريع التعويض وتبرير دعم المستثمرين في المنطقة.

وهناك قيد آخر يتمثل في محدودية الرقابة والمساءلة في هذه الصناعة، إن غياب الآليات القوية لمراقبة وإنفاذ المعايير في العديد من البلدان الأفريقية يخلق فرصًا للممارسات غير الأخلاقية، مثل تقديم ادعاءات خاطئة بشأن خفض الانبعاثات، وتقديم تقارير غير دقيقة، وغسيل الأموال، مما يقوض سلامة السوق بشكل عام، والنتيجة هي فقدان الثقة داخل السوق وانخفاض مصداقية مشاريع تعويض الكربون، مما يردع المستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء ، وعلاوة على ذلك.

إن الوعي المحدود والفهم لأسواق الكربون بين صناع السياسات والشركات والمجتمعات المحلية يشكل أيضًا قيدًا رئيسيًا آخر للنمو في سوق الكربون في أفريقيا، وهذا يعيق تبني وتنفيذ مبادرات سوق الكربون، حيث قد لا يفهم أصحاب المصلحة تمامًا الفوائد المحتملة أو الآليات المشاركة، يشير وجود أطر قانونية غير متسقة أو غير متطورة إلى نقص أوسع في الفهم الشامل والمشاركة على مستوى السياسات، قد تعيق الهياكل القانونية غير الكافية إنشاء لوائح ومعايير وحوافز واضحة ضرورية للتشغيل الناجح لأسواق الكربون، مما يعيق خلق بيئة مواتية.

كما تفرض تعقيدات الحوكمة تحديات كبيرة على أسواق الكربون في أفريقيا، ففيما يتصل بحيازة الأراضي، تعوق حقوق الملكية غير الواضحة والأنظمة المجزأة تحديد حقوق الكربون، مما يؤثر على تطوير المشاريع ويثير المخاوف بشأن الاستيلاء المحتمل على الأراضي، ويؤدي غياب نماذج الملكية المجتمعية الواضحة واختلال التوازن في القوة إلى حرمان المواطنين من حقوقهم ومعارضتهم للمشاريع، وتتفاقم هذه القضايا بسبب الفساد، حيث يسمح ضعف إنفاذ القانون بالممارسات الاحتيالية وتحويل الفوائد، ويؤدي الافتقار إلى الشفافية في عملية صنع القرار إلى زيادة التعقيد، مما يعوق التنفيذ الناجح وسلامة أسواق الكربون الأفريقية.

ولتوفير بيئة مواتية لسوق الكربون في أفريقيا، يتعين على صناع السياسات أن يدافعوا عن إنشاء منصات للتعاون الإقليمي، ومن خلال تبني تدابير سياسية استراتيجية لمعالجة القيود القائمة، تستطيع الدول الأفريقية إرساء الأساس لسوق كربون مزدهرة ومرنة تتوافق مع الأهداف البيئية والتنموية، وتلعب هذه الأساليب الاستباقية دوراً حاسماً في التخفيف من آثار تغير المناخ، والتنمية المستدامة، والنمو الاقتصادي في مختلف أنحاء القارة.

في مختلف أنحاء أفريقيا، تبرز أسواق الكربون كأداة قوية لمكافحة تغير المناخ، وتتطلب هذه الأسواق ترجمة كميات ثاني أكسيد الكربون التي يتم خفضها من خلال تدابير التخفيف إلى أرصدة كربون قابلة للتداول ، وهي سلعة ثمينة يمكن للدول والشركات والأفراد بيعها وشراؤها للتعويض عن انبعاثاتها.

وبعبارات بسيطة، فإن أسواق الكربون تشبه قاعات التداول لمكافحة تغير المناخ، وتعمل أرصدة الكربون مثل شهادة للحد من غازات الاحتباس الحراري، وهذا يشجع الأنشطة الخضراء، من زراعة الأشجار إلى التحول عن محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وتكتسب هذه الأسواق أهمية خاصة بالنسبة لأفريقيا، لأنها تمكن البلدان من الوصول إلى التقنيات الجديدة والتمويل الكبير، وفي المقابل، يمكن أن تساعد هذه الأسواق الدول بشكل كبير في تنفيذ خطط العمل المناخي الطموحة والوفاء بمساهماتها الوطنية المحددة.

إن العديد من البلدان مهتمة بتداول أرصدة الكربون، ولكن القيام بذلك بشكل عادل يتطلب قواعد واضحة، والتي ينبغي أن يتم تحديدها في أطر أسواق الكربون الوطنية للدول، وقد أبرزت المخاوف بشأن سلامة أسواق الكربون والمصالح المتزايدة الافتقار إلى السياسات والآليات التوجيهية، وتمنع هذه الفجوات العديد من البلدان الأفريقية من المشاركة بفعالية في أسواق الكربون ذات النزاهة العالية، ومن ثم، هناك حاجة ملحة لأن تضع البلدان أطراً قوية لسوق الكربون الوطنية، وتوفر هذه الأطر نهجاً منظماً لتجارة الكربون، مما يضمن مساهمتها بشكل هادف في خفض الانبعاثات، والتزامات المساهمات المحددة وطنياً، وأهداف التنمية المستدامة، وينبغي للدول الأفريقية أن تعطي الأولوية لتطوير هذه الأطر، وعلى وجه التحديد، فإنها ستمكن البلدان من تنفيذ إجراءات منح التراخيص؛ وتسجيل وتتبع نتائج التخفيف المنقولة دولياً؛ والإبلاغ عن مشاركتها في النهج التعاوني.

لدعم المشاركة الفعالة للدول في الأسواق عالية النزاهة، أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عرضاً ومبادرة لسوق الكربون في ديسمبر الماضي في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في دبي، وتتضمن المبادرة أربعة عروض، الأول، بشأن الاستعداد، يدعم تطوير استراتيجيات الوصول إلى أسواق الكربون، والثاني يقدم دعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للمادة 6، في حين يركز الثالث على أسواق الكربون الطوعية على المستوى القضائي، ويركز العرض الرابع على أسواق الكربون المحلية وخطط تداول الانبعاثات، وسيتم تنفيذ العروض الأربعة جميعها وفقاً لحواجز السلامة عالية النزاهة.

في جوهرها، تؤكد المبادرة على أنه في حين يمكن لأسواق الكربون أن تساعد في سد الفجوات المالية الكبيرة، إلا أنها لا ينبغي أن تمس بالتأثير البيئي أو حقوق السكان الأصليين أو كرامة الإنسان، ويؤكد النهج على سلامة إمدادات ائتمان الكربون وضمان المساواة للجميع: من البلدان المضيفة والمزارعين والأسر إلى التركيز على الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية والنساء، وبهذه الطريقة، تسلط المبادرة الضوء أيضًا على الإمكانات التحويلية لأسواق الكربون المُدارة جيدًا.

ومن خلال إعطاء الأولوية للاستدامة البيئية وتعزيز التنمية الاقتصادية الشاملة، وخاصة في المجتمعات المتضررة بشكل غير متناسب من تغير المناخ، يضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي معياراً للمشاركة المسؤولة في سوق الكربون، ومنذ إطلاق المبادرة، دعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي غانا وموزامبيق وناميبيا، وبدأ مؤخراً تقديم الدعم لجنوب السودان، في تطوير أطر سوق الكربون الوطنية.

ويعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أيضًا مع مفوضية الاتحاد الأفريقي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا في تطوير عملية مشتركة للاستعداد لسوق الكربون، ورغم أن أسواق الكربون تتمتع بإمكانات هائلة لدفع عجلة التنمية المستدامة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، فإن نجاحها يتوقف على التوافق مع أهداف اتفاق باريس، ومن الأهمية بمكان إعطاء الأولوية لخفض الانبعاثات إلى جانب الفوائد المالية ، ومن خلال تطوير أطر وطنية قوية والاستفادة من الدعم الدولي المتاح، تستطيع البلدان الأفريقية ضمان أن توفر مشاركتها في أسواق الكربون الريادة في تعزيز سلامة أسواق الكربون.

وصلت سوق الكربون العالمية إلى قيمة قياسية بلغت 949 مليار دولار في عام 2023، وفي أفريقيا، توفر أسواق الكربون للقارة فرصة استراتيجية للاستفادة من مواردها المتجددة لتوليد أرصدة الكربون الممتازة والمتاجرة بها، مما يوفر مصادر إيرادات جديدة مع تعزيز أهداف المناخ العالمية في كينيا عُقد يونيو 2023، مزاد لسوق الكربون في نيروبي حيث تم بيع أكثر من 2.2 مليون طن من أرصدة الكربون، ليصبح أكبر مزاد لأرصدة الكربون على مستوى العالم ، تم عقد المزاد من قبل منصة تداول واستثمار أرصدة الكربون، وهي شركة سوق الكربون التطوعية الإقليمية، وتضمن مزيجًا من برامج تجنب وإزالة ثاني أكسيد الكربون، تشمل مشاريع الكربون البارزة في كينيا مشروع Northern Rangeland Trust Carbon، الذي يهدف إلى إزالة 50 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون على مدار 30 عامًا؛ مشروع ممر الحياة البرية في كاسيجاو؛ ومشروع ميكونو باموجا، الذي من المتوقع أن يصبح أول مشروع للكربون الأزرق في العالم.

أما في الجابون، أعلنت في أكتوبر 2022، الجابون عن التحقق من أكثر من 90 مليون طن من أرصدة الكربون في إطار البرنامج الذي تقوده الأمم المتحدة للحد من الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها (REDD+)، وسيتم تسويق هذه الاعتمادات من قبل صندوق الثروة السيادية في البلاد ومن المتوقع أن تجلب سعرًا يتراوح بين 25 إلى 35 دولارًا لكل ائتمان، تمثل الجابون ثاني أكبر دولة غابات في العالم وهي أول دولة توفر أرصدة الكربون بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لمواجهة الانبعاثات عن طريق منع إزالة الغابات.

وفي ملاوي تقدر إمكانات سوق الكربون في ملاوي بحوالي 19 مليون طن سنويًا، وفي أعقاب التقييم الذي تم تنفيذه في إطار آلية التنمية النظيفة في البلاد ومبادرة خفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها، سجلت حكومة مالاوي 11 مشروعاً لتجارة الكربون، تركز أغلبها على توزيع مواقد الطهي المحسنة.

وفي موزمبيق، يتوفر ما يقدر بنحو 45 مليون رصيد كربون متاح للتداول، أصبحت موزمبيق عضوًا في ACMI في يونيو 2023، مما يسمح للبلاد بالمشاركة في أسواق ومشاريع الكربون الدولية، وتعكف موزمبيق حاليا على وضع خطة لتفعيل وجودها في السوق في قطاع تجارة الكربون، مع التركيز على إنشاء إطار تنظيمي، تشير التقديرات إلى أن البلاد يمكن أن تكسب ما بين 200 إلى 500 مليون دولار سنوياً من خلال إنتاج ما بين 10 إلى 25 مليون من أرصدة الكربون.

أما في توجو، اعتمدت في مارس 2023، حكومة توجو مرسومًا جديدًا لدعم جهود البلاد لتعزيز آليات إدارة الكربون والمساعدة في تعزيز تخزين الكربون، والتزامًا منها بالتعاون مع ACMI لتوسيع نطاق إنتاج أرصدة الكربون، تعتزم توجو توسيع نطاق سوق الكربون التطوعي من خلال تنفيذ آليات الإدارة ومشاريع العمل المناخي المعتمدة.

وفي نيجيريا افتتح في فبراير الماضي، نائب الرئيس النيجيري كاشم شيتيما لجنة تضم مسؤولين من الوزارات والإدارات الرئيسية لخطة تنشيط سوق الكربون التي أقرتها ACMI في البلاد، وتهدف الخطة إلى دعم سوق الكربون المستدام في نيجيريا بقيمة 2.5 مليار دولار، مع تسهيل تنفيذ السياسات التي تعزز النظام البيئي الفعال لسوق الكربون.

وفي بوروندي، كجزء من مساهمة بوروندي المحددة على المستوى الوطني للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، تهدف البلاد إلى تخفيف ما يقرب من 16.86 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 23٪ مقارنة بسيناريو العمل كالمعتاد، في يوليو 2022، سجلت بوروندي أول آلية للتنمية النظيفة في إطار برنامج تعويض معايير الكربون الذي تم التحقق منه، والذي يهدف إلى إصدار 82300 رصيد كربون لسوق تجارة الكربون في البلاد.

وفي رواندا تعمل بعد إطلاق إطارها الوطني لسوق الكربون خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP28 في دبي، على نظام مقايضة الكربون، مما يسمح للشركات بشراء وبيع أرصدة الكربون، ومن المتوقع أن يساعد الإطار، الذي يستعد لتقديم حوافز اقتصادية للشركات لتقليل بصمتها الكربونية، في زيادة الشفافية والثقة بين تجار الكربون في البلاد.

اقرأ أيضا