في ذكرى ثورة 23 يوليو 1952، أتذكر انتقادات البعض للرئيس جمال عبد الناصر، مؤسس تنظيم الضباط الأحرار، بأنه قام بعزل اللواء محمد نجيب حتى يحتفظ بالسلطة لكونه مؤسس تنظيم الضباط الأحرار الذي قام بالثورة، بل تم اتهامه بأنه ساهم في خفض قيمة الجنيه المصري وأنه ورط الجيش في حرب اليمن، وأنه أضر بالاقتصاد المصري، وأن الخدم قبله كانوا أجانب، وأن مصر كانت دائنة لإنجلترا، وأن المباني في عصر الملكية كانت من طراز فريد، وأن الملك كان يحكم مصر والسودان الذي تخلى عنها "عبد الناصر" وأن عبد الناصر كان يبحث عن مجد شخصي، وكيف يأخذ أموال الباشوات ويعطيها للفلاحين وكيف أمم المصانع وحول تبعيتها للدولة، وكذلك أنه كان علماني، اضطهد الإخوان وعذبهم وأدخلهم السجون، بل ستجد البعض يتحدث عن عبد الناصر بأشد العبارات قسوة كونه ضد الدين. وكذلك أنه ورط مصر في هزيمة 1967.
والحقيقة التي لا يختلف عليها اثنين في مصر، أن عرابي حينما ثار ضد الخديوي توفيق وعاد إلى الثكنات وتم تشكيل حكومة برئاسة محمود سامي الباروي وتم ترك الأمر للسياسيين، قام "توفيق" بدعوة القوات الإنجليزية، التي احتلت مصر من 1882 حتى ثار عبد الناصر ورفاقه في 1952، فلم يكن من المعقول ترك الأحزاب والملك، خاصة أن "نجيب" كان يرى بقاء الحياة السياسية والملك، وعلى مجلس قيادة الثورة أن يعود إلى ثكناته، فهل كان مجلس قيادة الثورة سيقبل بذلك، بالتأكيد.. لا، أما محاولة "نجيب" الاستقواء بالإخوان للسيطرة على الحكم فلم تكن مقبولة، وخاصة أن الإخوان كانوا ضد إزاحة الملك من الحكم.. لذا كان قرار المجلس بقيادة عبد الناصر بعزل "نجيب" والتحفظ عليه في منزله.
نجح "عبد الناصر" في تنفيذ برنامج الثورة بداية من القضاء على سيطرة رأس المال على الحُكم، والقضاء على الإقطاع، والقضاء على الإستعمار، وإنشاء جيش قوي، وإقامة عدالة إجتماعية، إلا أنه لم يُنفذ بند إقامة حياة ديمقراطية سليمة، لتعرض مصر لهجوم ثلاثي عام 1956، من بريطانيا وفرنسا واسرائيل، وتم التصدي لبريطانيا وفرنسا، ونجحت الجهود الدبلوماسية، بضغط روسي، من صد العدوان الثلاثي، بل إن انحياز عبد الناصر لدعم الفقراء كان يعني بدء المعركة مع الإقطاع، الذي حاول بشتى الطرق تخريب الإقتصاد، عملاً بمبدأ "اللي مش هاتأكله .. إدلقه" .
لا يستطيع أكبر أعداء عبد الناصر أن ينكر أن "عبد الناصر" وضع حد أدنى للأجور، وقام بعمل منظومة تأمين صحي واجتماعي، وخفض الحد الأقصى للمعاش من 65 عاما إلى 60 عاما، مع معاش محترم.
كما لا يستطيع أحد أن ينكر أن مصر "عبد الناصر" أنشئت قطاع الإنتاج الحربي بالجيش الذي كان أفضل قواته الخيالة، أي الذين يركبون الخيل، وأتمنى أن تبحث عن عدد الدبابات والطائرات في 1952 وفي 1956 وفي 1967 لتعرف الطفرة التي أنجزتها مصر، في هذا المجال.
كان الفلاح المصري، قبل الثورة، يزرع مرة أو مرتين على أكثر تقدير سنوياً، قبل الثورة، إلا أنه قام بإصلاح الترع والجسور وتم بناء السد العالي لإنتاج الكهرباء، حيث كان يعيش أغلب الشعب المصري على لمبة الجاز، عفواً الكيروسين، وتم عمل دورة زراعية أسهمت في أن يزرع الفلاح أربع مرات سنوياً ، وحمى مصر من الفيضان الذي كان يغرق معظم المحاصيل أنذاك، وقامت بتوفير طاقة هائلة للتصنيع.
نجح "عبد الناصر" في إنشاء ألاف المصانع، في مختلف ربوع مصر، وأضاف ميزات أخرى للعمال ، بأن تصبح مصر دولة صناعية ، بمساعدة الإتحاد السوفيتي، حيث أنشأ الحديد والصلب والكوك وشركات الحرير ، وغيرها بشكل رفع مستوى الدخل القومي، وضمن وظيفة لكل خريج ودعم التعليم المجاني.
من يرجع للتاريخ، سيعرف أن مصر حينما حكمها محمد علي، بفرمان السلطان العثماني آنذاك، إعتبر الأرض ومن عليها ملك له، وأن تاريخ الملكية الزراعية في مصر تعود إلى ما منحه أسرة محمد على للجند والخدم من إقطاعيات وغيرهم، دون أن يدفع أي منهم مليماً واحداً للدولة، سوى الولاء الشخصي لمن يملك من أسرة محمد علي، ناهيك عن استغلال أغلبهم لجهل الفلاحين، وإن شئت قل تجهيلهم، وتشغيلهم بالسخرة، لدرجة أن حزب الوفد، وهو الحزب الأكثر شعبية أنذاك، قدم مشروع للبرلمان، بمحاربة الحفاء، في الوقت الذي كانت الموضة تظهر بين أبناء الاقطاعيين في القاهرة قبل باريس ولندن، لتعرف كم التفاوت بين الإقطاع والفقراء.
أما عن الوضع الاقتصادي لكون مصر دائنة لإنجلترا ، والتي هي بالمصادفة تحتل مصر أنذاك وخاضت حرباً عالمية فازت فيها ، بإستغلال مصر وإقتصادها وغيره، ومع ذلك فإن إنجلترا، المستدينة من مصر، قامت بحصار قصر عابدين قبيل الثورة، لإجبار الملك على تكليف حزب الوفد بتشكيل الحكومة ، بالإضافة لإنشاء خطوط السكك الحديد، التي أنشائها الانجليز من الخزانة المصرية لخدمتهم في الحرب ، ثم نتحدث عن أن مصر كانت دائنة لإنجلترا ، الدولة التي لا تغيب عنها الشمس ، الغازية لمصر منذ 1882 حتى عام 1954 حينما قام عبد الناصر بطردهم من مصر .
أما ثورة اليمن التي ساندها عبد الناصر كان لها هدف استراتيجي بالسيطرة على مضيق باب المندب وإنهاء الإستعمار البريطاني في اليمن.
وللحديث بقية ..