العالَم الإسلاميّ على موعدٍ يومَيْ 29 و30 يوليو الجاري (2024)، مع حدثٍ دينيٍّ مهم وهُو المؤتمر التاسع لدار الإفتاء المصرية، الذي ينعقد تحت مظلّة الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، التي يترأسها فضيلة الإمام العلامة الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية.
وخلال هذا المؤتمر الذي تحتضنه القاهرة؛ تَستقبل مِصرُ ضيوفًا من 100 دولة، وهم خلاصة الفقهاء والمفتين والعلماء بمختلف أنحاء العالم. جميعهم يأتون تلبيةً لدعوة دار الإفتاء المصرية للمشاركة في جلسات تناقش موضوعًا نحن في أمسِّ الحاجة إلى سبر أغواره ووضع ضوابط له، وهو: «الفتوى والبناء الأخلاقي في عالم متسارع».
ففي ظل ما نحياه من تسارع وتوالٍ للأحداث، تحول معه العالَم إلى عالَمٍ مادي متسارع، أصبحنا -نحن المجتمعات العربية والإسلامية، بل جميع المجتمعات في أرجاء المعمورة- في أشد الاحتياج إلى إعادة تذكير الناس بالبناء الأخلاقيّ الذي وَضعتْ قواعدَه وشيَّدتْ جدرانه الأديانُ السماوية، وهو البناء الذي يحفظ على الناس أوطانَهم، وأنفسَهم، ودينَهم، وعقولَهم، ونسلَهم، وأموالَهم، ويحميهم من زلّاتِ اللهث وراء المادة والشهرة دون مراعاة لأيِّ أوامر ونواهٍ إلهية، أو ضوابط أخلاقية، أو أعراف مجتمعية.
ولأن اللاهثين وراء المادة والشهرة بينهم من ينتسبون إلى علماء الدين، وهم الذين نطلق عليهم «الدعاة الجدد» أو «مشايخ التيك توك»؛ فالفتوى بالتبعية لم تسلم من الزلل، خاصة أن هؤلاء أخذوا ينشرون غريبها والشاذ منها، ويدسون فيما يبثونه من أحاديث باسم الدين مفاهيمَ مغلوطة ومتطرفة يستقطبون بها الشباب، ويهيئون عقولهم ليصبحوا لقمةً سائغة لجماعات التطرف وتنظيمات الإرهاب، وهم يفعلون هذا غير عابئين بشيءٍ سوى تحقيق أرباح مادية، وشعبية مجتمعية، وكل هذا -وغيره- أصاب مجتمعاتنا بما يمكن أن نطلق عليه «النكسة الأخلاقية».
وقد أدرك القائمون على دار الإفتاء المصرية خُطورةَ استمرار التفسُّخ الأخلاقيّ داخل مجتمعاتنا، وترْك الساحة لـ«مشايخ التيك توك»، ولذا آثروا خلال جلسات مؤتمر هذا العام مناقشة تعزيز الوعي بأهمية الفتوى الرشيدة في ترسيخ الأخلاق والقيم الإنسانية، وكذا مناقشة دور الفتوى المستندة إلى صحيح العلم الشرعي في مواجهة تحديات العصر الحديث، إضافة إلى تعزيز التعاون بين مؤسسات الفتوى والمنظمات الدولية والإقليمية، ومحاولة الخروج بتوصياتٍ عمليةٍ لتعزيز البناء الأخلاقي في المجتمعات.
وحُسن اختيار موضوع المؤتمر السنوي أمرٌ ليس بجديد على دار الإفتاء المصرية؛ فتأدية العمل على أكمل وجه، والنجاح في إيصال الرسالة، والانطلاق بدوافع متفانية الإخلاص في محبة مصرنا الغالية هو دَيدَن فضيلة الإمام الفقيه الدكتور شوقي علام، مفتي الديار، وجميع العلماء والعاملين بدار الإفتاء المصرية.
كما أن هذا المؤتمر يُعدُّ استكمالًا لسلسلة جهود تجديد الخطاب الديني، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، والاشتباك مع مستجدات العصر والقضايا المجتمعية التي تشغل أذهان الناس، والعمل على حفظ الأمن الفكري المصري بشكل خاص، والعربي/ الإسلامي بشكل عام، وهي سلسلة من الجهود الدينية والوطنية الدءوبة التي حملت دار الإفتاء المصرية رايتها منذ سنوات طويلة مضت، سائرة في طريق تحقيقها غير عابئة بالحملات الشرسة التي يشنها طيور الظلام صباحًا ومساءً ضد فضيلة المفتي، ومستشاره المخلص الدكتور إبراهيم نجم (دينامو العمل في الدار)، وجميع العلماء والعاملين في دار الإفتاء.
ويقيني أن المؤتمر التاسع لدار الإفتاء المصرية، سيحقق نجاحًا باهرًا، وسيخرج بتوصيات مهمّة، ونأمل أن يضع لنا خريطة طريق تنتشل مجتمعاتنا من التردي في نفق التفسخ الأخلاقي، كما نأمل أن يضع المفتون والفقهاء والعلماء الحاضرون لهذا المؤتمر -وهم خلاصة علماء الأمة- حدًّا لفوضى الفتاوى التي تشارك بشكل رئيسٍ في هدم البناء الأخلاقي.
وأكاد أجزم أن مؤتمر دار الإفتاء المنتظر، سيكون حلقة جديدة من حلقات النجاح الذي تحققه دار الإفتاء المصرية، تحت قيادة فضيلة الإمام الدكتور شوقي علام، في جميع القضايا الدينية والمجتمعية التي تصدّت لها، وفي كل هذا ما زالت الدار تسير مُحافظةً على عهدها المقدس وهو الانطلاق من أرضية وطنية لا تقبل أي مداهنة أو مهادنة مع جماعات التطرف والإرهاب.