الهندسة الاجتماعية واختراق العقول

الخميس 27 يونية 2024 | 01:35 مساءً
دكتورة إلهام يونس وكيل كلية الإعلام -أكاديمية الشروق
دكتورة إلهام يونس وكيل كلية الإعلام -أكاديمية الشروق
كتب : إلهام يونس

لا شك أن المعرفة عامل محوري في إحداث التغييرات الكبرى في المجتمعات الانسانية، إذ بدونها يظل الإنسان على حالته الأولى بعيداً عن التفاعل الاجتماعي والوعي والتطور البشري المشهود على مر العصور.

وهنا تصنف المعرفة إلى عدة أنواع أو مراحل وهي اللامعرفة والمعرفة الموسعة والمعرفة الفوضوية، وتعد المعرفة الفوضوية مزيجاً صعباً بين ما هو صحيح وخاطئ وبين ما هو ضار ونافع وهي أيضاً انتشار لأجزاء من المعرفة الغير دقيقة مع افتقاد الأفراد للمنهج العلمي في التفكير... وهنا تكمن خطورتها، إذ يؤدي هذا الافتقاد إلى نقل كميات كبيرة من المعرفة المغلوطة والسطحية خاصة في عصر التطور التكنولوجي الهائل الذي ساعد على انتشارها بشكل مذهل وجعل من الصعوبة تحديد ما هو حقيقي وما هو زائف الأمر الذي مكن المنصات الرقمية المتعددة في فضاء الإنترنت وغيرها من الجهات والمؤسسات المعادية لاستقرار وأمن الشعوب من استغلال انتشار المعرفة الفوضوية وبعض نقاط الضعف في الأفراد لتحقيق أغراض هدامة.

وهنا برز مفهوم الهندسة الاجتماعية واختراق العقول، هذا المصطلح الغير مألوف والذي يحمل في طياته العديد من التعريفات ربما لتعدد مداخل التعريفات، فمن المدخل الاجتماعي هي التخطيط لمحاولة إدارة التغيير الاجتماعي من خلال التأثير على قرارات أغلبية المجتمع وهي هنا تعني إعادة تشكيل المجتمع.

وفي سياق تكنولوجيا المعلومات هي استخدام الخداع وآليات التزييف المتعددة للتلاعب بأفراد المجتمع سواء بإفشاء معلومات سرية او اختراق خصوصية وتستخدم لحمل الجمهور على القيام ببعض الإجراءات وهى أيضًا استخدام المهارات لاستدراج الأشخاص للحصول على بعض المعلومات أو لتغيير أفكارهم أو التأثير عليهم أو الإدلاء بمعلومات سرية لا يتوجب لأحد معرفتها.

وفي ظل أزمة الثقافة وانخفاض معدلات القراءة بين الشباب أصبحت الهندسة الاجتماعية تؤثر في عملية اتخاذ القرار ذلك لأن قطاع كبير من الشباب ليس لديهم القدرة المعرفية الكافية لمعالجة جميع الموضوعات والقضايا المطروحة ويضاف إلى هذا الإستخدام المتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي الذي وصل إلى حد الإدمان فى بعض الحالات وافتقاد الغالبية العظمى من الشباب لقواعد التربية الإعلامية وتسليمهم التام لما يدور على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك، وهنا تبدأ معركة الوعى وتكمن خطورة الأخبار الزائفة المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تهدف في المقام الأول إلى السيطرة على عقول الشباب حيث يدرك صناع التزييف جيدًا كيف يقومون بدور "المهندس الاجتماعي" الذي يدفع الشباب للتحيزات في المعرفة وفقاً لهدفه ويدركون أيضاً الطرق المتعددة لاختراق عقول الشباب سواء بالإقناع أو الاصطياد أو المقايضة أو إحداث أزمة ثقة حيث تستهدف كل طريقة من هذه الطرق إلى الاستفادة من المشاعر الإنسانية بطريقة إيجابية أو سلبية لتحقيق هدف المهاجم أو صانع التزييف باستخدام الإيحاء وزراعة الأفكار المعادية التي تعد أحد أخبث الأساليب لاختراق العقول والسيطرة عليها.

ومن الأمثلة الواضحة التي نشاهدها في العالم هو ما تشنه التيارات الفكرية المختلفة من حروب الجيل الرابع والخامس على المجتمعات للتحكم في مصيرها وزراعة الأفكار السلبية في أذهان الشباب بشتى الطرق والوسائل لسلبهم حرية التحكم في قراراتهم دون أن يشعروا.

وتتزايد خطورة هجمات الهندسة الاجتماعية ضد أولئك الذين يشاركون معلوماتهم الشخصية وأسرارهم الخاصة مع جهات مجهولة أو شخصيات وهمية بدافع الحصول على حساب شخصى على هذه المنصة أو تلك حيث يتتبع المهندسون الاجتماعيون المعلومات الشخصية التي يشاركها الأفراد مع أصدقائهم لمحاولة الحصول على مزيد من المعلومات باستخدام مختلف حيل الهندسة الاجتماعية وعند حصولهم على المعلومات المطلوبة ربما يقومون بتزييف وتزوير هوية الضحية مما يتسبب له في خسائر مالية أو يورطه في مخالفات قانونية. بالإضافة إلى محاولة هذه المنصات المجهولة من الإستفادة من البيانات الشخصية سواء للتعرف على المزاج العام أو الاهتمامات الشخصية أو الإبتزاز الإلكترونى لدرجة أوصلت أصحاب هذه البيانات إلى الإنتحار فى بعض الحالات .

ولعل مفتاح مواجهة اختراق العقول يكون أولاً بالوعي والإدراك وزيادة حملات التوعية بمخاطر التسليم للمعلومات الزائفة ومواقع اختراق الخصوصية والاهتمام بتنمية الذكاء الوجداني من خلال الثقافة والاستنباط واستخدام التفكير المنهجى الاستقرائي فى فهم وإدراك الأمور وتطوير المهارات التكنولوجية والقدرة على فرز المعلومات والتفكير الناقد.

فالهندسة الاجتماعية علم خطير بكل المقاييس تترتب عليه نتائج بالغة الاهمية والأثر على المجتمع والدولة في عصر التكنولوجية الحديثة.