وليد الغمرى يكتب.. "كامب ديفيد" مجرد أوراق يوماً ما سوف تحترق

الثلاثاء 28 مايو 2024 | 03:55 صباحاً
وليد الغمرى
وليد الغمرى
كتب : وليد الغمرى

قبل أى شئ ودون أى مواربة، لو دخلت أى منزل فى مصر، ستجد صورة شهيد معلقة على الحائط، تخبرك أن ثأراً ما لايزال معلقاً فى ضمير هذا البيت، ستجد نفسك أمام عقيدة شعبية تجذرت منذ عام 48 فى العقل الجمعى لهذه الأمة.. تخبرك أن دولة الكيان الصهيونى اللقيط لها فى ضمائرنأ ثأرأ لا ينتهى، وقدساً يدرك كل عقل مصرى أننا يوماً ما سنصلى فيه ونحن نرتدى الزَى العسكرى.. فطال العمر أو قَصُر الجميع ذاهب إلى هذه اللحظة.. شاء من شاء وأبى من أبى.. نقطة ومن أول السطر.

أمام عشرات المشاهد التى تذاع بشكل لحظى لمجازر العدو الصهيونى، وأمام محرقة الخيام الأخيرة، وأمام شهيد مصرى جديد على الحدود أمس.. هناك أفئدة تحترق من المحيط إلى الخليج.. وهناك نيران تشتعل فى قلوب كل الأمة.. وأقصد هنا المفهوم الواسع للأمة العربية والأسلامية وفى قلبها وضميرها الأمة المصرية بتاريخ الصراع مع العدو، الذى وإن انتهى على أوراق كامب ديفيد، فالجميع يعلم أنها مجرد أوراق يومأً ما سوف تحترق.

هذا الاستهلال سيقودنا للسؤال الأكثر طرحاً ولو فى العقول وعلى المقاهى فى شوارع المحروسة.. لماذا لا تدخل مصر الحرب؟! والإجابة على هذا السؤال إنما تدفعنا لشرح العديد من المشاهد الغائبة عن هذا السؤال الإنفعالى بامتياز..

أولاً: يجب أن نعرف أن قوى إقليمية وعالمية سعت فى هذا الإتجاه، وتدفع فيه لأسباب كثيرة، والهدف الواضح والمعلن هو توريط مصر فى أى معركة، للتخلص من المارد والعملاق الذى ينمو كل يوم، ويسمى الجيش المصرى، والذى لا يزال لم يعلن عن قدراته الحقيقية حتى هذه اللحظة، وما يرعب أعدائك حقاً هو ما يعرفونه فقط عن قدرات المؤسسة العسكرية المصرية.. وربما هذا ما دفع البعض لطرح رؤيا، تقول بأن هناك لحظات تحتاج للأسد أن يزأر لكى تعرف الثعالب أنه موجود، مجرد زئير واضح للتعبيرعن نفسك، فبعض الذئاب الدولية مع مرور الوقت، ومع الهدوء والرزانة المصرية.. قد ظنوا خطئاً أن الأسد المصرى نائم.. وأصارحكم القول أنى كنت من أنصار هذه الرؤيا، ولكن فى سياق سماع صوت الأسد فقط.

ثانياً: بشكل معلن وليس خفى فقد كان ولا يزال البعض يدفع لتوريط مصر لخوض أول حروب المياه فى التاريخ، والأشتباك هناك عند منابع نهر النيل فى أثيوبيا ولا زالت مصر حتى هذه اللحظة تتعامل بحكمة من يعرف كل خطوط اللعبة فى ملف السد الأثيوبى.. وهو ما دفع باللعب على الحدود الغربية مع الشقيقة الليبية، وهو ما ردت عليه مصر بشكل واضح فى خط "سيرت الجفرة" الذى أعلنه الرئيس ولم يجرؤ أحد فى العالم على أختراقه حتى الأن.. ثم بدأ اللعب معك من على الحدود الجنوبية، وما يحدث فى السودان ليس بأقل مأساوية مما يحدث فى فلسطين، وأصبحت لأول مرة فى التاريخ حدود الدولة المصرية الأربعة تواجه تهديد مباشر، وهو ما يعنى تجاوز كل الخطوط الحمراء فى حدود الأمن القومى المصرى، وكانت القيادة السياسية فى مصر بالحكمة التى جعلتها لا تنجر لأى صراع مسلح حتى الأن.

ثالثاً: نأتى للملف الأكثر سخونة وهو الملف الفلسطينى، حيث العالم كله لا يريد أن تدخل مصر على هذه الجبهة، باختصار لأنها المعركة النهائية والجميع ليس مستعد لها الأن بما فيها العدو ومن يسانده فى "بريطانيا" و"واشنطن"، ولأن الجميع يدرك تماماً أن دخول جندى واحد مصرى فى هذا الصراع.. سيكون إعلان رسمى لقيام الحرب العالمية الثالثة فى الشرق الأوسط، وهى الحرب المذكورة فى النبؤات وكل الأديان لدى الجميع، فهى الحرب المقدسة التى يستعد لها العالم وهى قادمة لا ريب فى هذ!!

رابعاً: إذاً قرار الحرب هو ببساطة ليس مجرد نزهة عسكرية بالنسبة لمصر أو للعالم، فموازين العالم كله ستكون على حافة الإنهيار لو خرج هذا القرار من مصر، وهو ما أعلنه الرئيس السيسى بشكل واضح فى خطاباته وتحذيراته خلال الشهور الماضية، محذراً العالم أن تداعيات ما يحدث من العدو الصهيونى سوف تكون خطيرة، والعالم أجمع يعلم ما هى الخطورة التى يقصدها الرئيس..

يبقى وسط هذه الأجواء الحس الشعبى العربى، وفى قلبه الحس المصرى الذى تدفعه مشاهد الدماء للتضحية بكل شىء، ونحن أمة تمرست على الحروب خاصة مع هذا العدو الخسيس، ونعلم تماما وسط كل أزماتنا الداخلية ماذا يعنى أن تُصبح فى فجر يوماً ما وقد تحول أقتصادك بكل أزماته إلى اقتصاد حرب، ولكنه الضمير الشعبى الذى طالما ضغط على القيادة السياسية، ورغم حنكة العقل المصرى الذى يقود دفة هذا الوطن لكان للحديث شأن أخر.

خامسا: لقد كتبت كثيراً ومراراً على هذه المساحة أن المؤامرة على مصر قديمة ولا تنتهى، ويمكن أن تشتم رائحتها فى كل حدث يحدث داخل أو حتى خارج مصر، وسأقولها ثانية منذ أن دخل باراك أوباما مسجد السلطان حسن، ووقف على منصة جامعة القاهرة يستشهد بأيات من القرأن الكريم، وقد دخلت مصر فعليا الحرب، وتم إعلان كل أنواع الحروب على مصر، ثقافية وأقتصادية وأجتماعية وحتى حروب المخدرات، حتى وصلنا إلى حروب الجيل الرابع والخامس، وحروب الفوضى الخلاقة والتى كان من نتائجها قيام ثورة يناير فى 2011 وما شهدته مصر من أحداث جثام، هددت كيان الدولة المصرية بعنف من الداخل، لاكنها مصر يا سادة، وقفت وانتفضت وتم تلقين الجميع درساً جديداً من دروس الأمة المصرية التاريخية، ففعليا مصر دخلت الحرب يا سادة بكل مقدراتها ودفعنا جميعاً اثمان باهظة لمعارك ضخمة كانت فى الخفاء وفى العلن، وكان من عبقرية هذه الحرب هو أستثمار قدرات الجيش المصرى فى إعادة بناء المنظومة، ورفعنا جميعاً شعار "يد تبنى ويد تحمل السلاح" ولم يترك السلاح من أيدينا أبدا حتى كتابة هذه السطور.

كل هذه كل هذه المشاهد وغيرها العشرات يتم وضعها أمام صانع القرار.. قبل أن يكون هناك قرار بدخول الحرب بالسلاح، أى حرب، فمابالنا بحسابات القدرات الاقتصادية والعسكرية والظروف التى تخلق قواعد جديدة للأشتباك العسكرى، وهنا لابد أن نتحدث عن توقيت القرار، فإذا كان من حقك أن تعادينى.. فمن حقى أختيار التوقيت المناسب للرد، وليس أكتوبر 73 ببعيد عن ضمير وعقل هذه الأمة، ولازالت خطة الرئيس السادات فى هذه المعركة يتم تدريسها فى كل الأكاديميات العسكرية فى العالم، ليصبح السؤال الأن ماذا لو أستجاب الرئيس السادات وقتها للغضب الشعبى ومظاهرات الجامعات والشارع التى كانت تطالبه بالحرب؟!

بأختصار شديد أن من يملك المعلومات هو وحده من يملك أتخاذ قرار الحرب، وأن التاريخ يخبرنا أن كل المعارك الذى كان المحرك فيها هو ثورات العاطفة فقط، كانت فى النهاية معارك خاسرة، أقول هذا وأنا أعلم علم يقين.. أن على أرض هذا الوطن 110 مليون مشروع شهيد، تقريباً ثلثى هذا العدد قادر على حمل السلاح الأن، ولكن ليست هكذا تدار المعارك، فالحسابات شديدة التعقيد، ويبقى المؤكد لدى الجميع فى كل أرجاء المعمورة، أن عمر دولة الكيان الصهيونى لن يتم الأحتفال لها بمئوية وجود، بل أذيدكم من الشعر بيتاً.. أنه داخل "تل أبيب" نفسها هناك من يؤمن أن زوال هذا الكيان اللقيط أصبح وشيكاً.. بل ويطالبون رؤسائهم بالرحيل، فلو كان هناك قدر لهذه الأمة المصرية أن تكون صخرة فى جبل كبرياء الله للدفاع عن شرف ووجود وكيان الأمة الأكبر، فقدر دولة الصهاينة هو الشتات والتيه، وإننا قريباً سنكون على موعد للصلاة فى القدس.