داخل غرفة صغيرة، بُنيت جدرانها من الطوب اللبن والبلوك الأبيض يطغو عليها طابع البساطة، يملأها جريد النخيل، المُبعثر هنا وهناك، يجلس «عم محمد» كما يلقبه زبائنه، صاحب الـ52 عامًا، مرتديًا جلبابًا رماديًا اللون، ممسكًا بيده عيدان الجريد المقسمة إلى قطع صغيرة، وفي يده قطعة خشبية يطرق بها على الأعواد لتلتصق بعضها ببعض، ليصنع منها أشكالًا متنوعة، بقرية سلامون جنوب محافظة سوهاج.
التقت «بلدنا اليوم» محمد مسعود، لتعرف منه عن قرب ملامح صناعة الجريد، ومخاطرها.
أوضح محمد في بداية حديثه: إنه يعمل بمهنة صناعة الجريد منذ مولده، فتوارثها أبًا عن جد، قائلا: «اتولدت لقيت أبويا بيشتغل كدا وجدي كان بيشتغل نفس الشغلانة».
مهنة شاقة
وأضاف «محمد»، أنه يعمل وأبناؤه الثلاثة في هذه المهنة التي وصفها بالشاقة، وتحتاج لمزيد من الصبر والجلد، مؤكدًا إنه هو من قام بتعليم أبنائه أصول المهنة، وكيفية صناعة منتجاتها وتجنب مخاطرها.
وتحدث "محمد" عن المنتجات التي يتم صناعتها من جريد النخيل، قائلا: « يتم صناعة الأسَّرة، والكراسي الخشبية العادية والهزازة، وأقفاص الفاكهة، والأقفاص المستخدمة في تربية الطيور بالمنازل، وغيرها مما يمكن صناعته من الخشب».
المواد المستخدمة
وتطرق للحديث عن المواد الخام المستخدمة، قائلا: «جريد النخيل هو العنصر الأساسي، وآلة حادة نستخدمها لتقطيع الجريد بالأحجام المراد استخدامها، وقطع خشبية سميكة للطرق على الجريد»، عن خطوات التصنيع، رد: « نشتري جريد النخيل من المزارعين، ونقوم بعد ذلك بتنشيفه وتقطيعه، ونبدأ بعد ذلك العمل عليه باستخدام أدوات يدوية بدائية».
مخاطر صناعة الجريد
وعن مخاطر المهنة، قال إنها متعدة تتمثل في قطع الأيدي بالآلة الحادة بدلا من الجريد، أو الإصابة بجروح قطعية متفرقة، وكذلك القطعة الخشبية المستخدمة في الطرق على القطع الصغيرة فكثرة استخدامها تُسبب تمزقًا في أربطة الكتف.
لا توفر مصدر دخل مناسب
وحول توفيرها لمصدر دخل مناسب يساعد على المعيشة ويوفر حياة كريمة، أوضح «محمد»: إنه بالكاد يستطيع توفير قوت يومه وأسرته، خاصة الفترة الأخيرة بسبب قلة الإقبال على شراء منتجات الجريد، والاتجاه لشراء المنتجات البلاستيكية بدلًا منها، مطالبًا المسؤولين بضرورة الالتفات إلى أصحاب المهن البسيطة والنظر إليهم بعين الرأفة ومساعدتهم في توفير مصدر دخل آخر يوفر لهم حياة آمنة.
وعن إمكانية استبداله لمهنة صناعة الجريد بمهنة أخرى، قال: إنه لا يجيد غيرها، فهو مُلم بكل شيء بها من بداية شراء جريد النخيل حتى تسويق المنتجات، وعرضها في الأسواق وتوزيعها على الزبائن المعتادين لديهم.
مهنة متوارثة
ويذكر أن «صناعة الجريد» من المهن الشعبية القديمة المُتوارثة في قرى الصعيد بصفة عامة ومحافظة سوهاج بصفة خاصة.
ومع التقدم العلمي والتكنولوجي، أوشكت المهنة على الاندثار، وأصبحت تصارع من أجل البقاء، بسبب قلة الإقدام عليها وشراء منتجاتها، ما جعل الكثيرين ممن يعملون بها يتركون المهنة بحثًا عن حرفة غيرها.