أكاد أجزم أن معظم ما نقابله من مشكلات في حياتنا بسبب سوء الظن ، فكل منا يريد أن يبحث في ضمير الآخر ويدقق في معظم التفاصيل وكأنه يؤكد مقولة ( أن الشيطان يكمن في التفاصيل ) لا يرغب أحد فينا ( إلا من رحم ربي ) أن يقبل الآخر كما هو ، أو ما هو ظاهر منه تاركاً ما يخفى وحسابه على الله الذي يعلم السر وأخفى، وأكرر للقارئ العزيز تجربتي التي سردتها من قبل لمقابلة مع الأحد الأشخاص ذوي المكانة عندما سألني عن شخص ما فقلت له ( رجل محترم ) وظل يكرر أسماء وأنا أكرر نفس الرد فقال لي ( هل جميع الناس عندك محترمون ) قلت له يا سيدي أنا أتعامل مع الجانب المحترم في الشخصية فلو أن لهذه الشخصية أو تلك جوانب أخرى صدقني لا أعرفها ، وبالتأكيد قدر الرجل هذا الفكر وهذه الطريقة في التعامل مع الناس فهي طريقة طيبة لتتحاشى سوء الظن في الآخرين
حسن الظن بالناس سيوفر عليك الكثير من المجهود النفسي والعصبي مع التأكيد بالطبع على الحكمة التي هي ( وضع الأمور في نصابها ) اعمالاً بمقولة عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ( لا أنا بالخب ولا الخب يخدعني ) ، فسوء الظن مرتبط بسوء الفهم ، وسوء الفهم كان سبباً حتمياً لكثير من مصائب عصرنا الحالي ، فكم من جرائم ارتكبت بسبب سوء الفهم ، وكم من أواصر قُطعت بسبب سوء الظن وتابعه سوء الفهم ، وأرجع البعض أن سبب التباغض والتحاسد هو سوء الظن لأن المباغض والحاسد يتأول أفعال من يبغضه ويحسده على أسوأ التأويل
وظان السوء يعرض نفسه لغضب الله ( سبحانه وتعالى ) حيث قال تعالى ( ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ) ، وسيء الظن يغلب مظنة الشر على جانب الخير ، وسيء الظن في الناس لا أعتقد أن بإمكانه الإكثار من الأصدقاء بل ستجد قليل من يرافقه أو يصادقه بسبب سوء ظنه
وفي المقابل على الإنسان العاقل الفطن أيضاً أن يجنب نفسه مواطن سوء الظن كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أتته إحدى أزواجه ليلاً وهو معتكف فخرج لها خارج المسجد وبينما هو يحادثها مر رجل من المؤمنين فنادى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له (هي زوجي فلانة ) قال الرجل ( سبحان الله يا رسول الله ) وبمفهومها أنك رسول الله فكيف أشك في تصرفك فقال له رسول الرحمة ( صلى الله عليه وسلم ) إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فاجتناب سوء الظن لدى الشخص يولد لديه صفاء السريرة ونقاء القلب ، وما علينا جميعاً إلا أن نتعامل مع الجانب الظاهر لنا في أي شخصية ونترك خفايا القلوب إلى علام الغيوب ( فقد اطاعك من يرضيك ظاهره وقد أجلك من يعصيك مستترا ).