تشكل زيارة المقابر في يوم العيد مناسبة مهمة في ثقافة وتقاليد المجتمع المصري، حيث يتوافد الناس بكثافة لزيارة قبور أقاربهم وأجدادهم بهدف الاحتفال بالعيد والتذكير بأهمية الأحباء المفقودين.
_أهمية الزيارة:
تعكس زيارة المقابر في يوم العيد قيم الترابط الأسري والاحترام للأجداد والأسلاف. يسعى الناس خلال هذه الزيارة إلى إسعاد أرواح الموتى وتقديم التبرعات والصدقات لهم، فضلاً عن قراءة القرآن الكريم على أرواحهم كتلاوة للفاتحة.
_الآراء المتباينة:
تختلف الآراء بين من يرون أن زيارة المقابر في العيد لها شرعية دينية وقيمة ثقافية عميقة، وبين من يعتبرونها من التقاليد التي يجب التخلي عنها بناءً على تفسيرات دينية تحظرها.
وفي ذات السياق، قال الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء، في فتوى سابقة لدار الإفتاء إن زيارة القبور يوم العيد تعود لقصد الإنسان، موضحا أن من ضمن الفرحة، أننى كما أفرح مع الأحياء، أفرّح الأموات بزيارتى، فإذا كانت زيارة القبور بقصد أنه يوم البر والإحسان والصلة يوم تتنزل فيه الرحمات فلا مانع من ذلك.
إنما يمنع من يذهب إلى المقابر كأنه يعترض على قضاء الله، وكأنه يقول لا عيد بعدك يا فلان "أي لا يوجد عيد بعد وفاة هذا الشخص"، فهذا لا يجوز، مضيفًا أنه إذا كان هذا من ضمن برنامج الفرحة والبر والصلة، فهذا أمر مستحب، كما ورد فى بعض الأحاديث عن سيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أنه يستحب زيارة القبور يوم الجمعة، وهو يوم عيد، وخصوصًا زيارة الوالدين.
ومن جانبه قال الشيخ حسن أحمد، أمين الفتوي، بدار الإفتاء المصرية ،إن زيارة القبور جائزة في العيد وغيره، للرجال والنساء، مستشهداً لقوله صلى الله عليه وسلم: (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا) رواه مسلم، وزاد الترمذي: (فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ)، وهذا يشمل الرجال والنساء.
وتابع :ولكن لا يسمح بارتكاب المخالفات الشرعية في المقابر، كالاختلاط بالرجال، والتبرج المحرم، وكشف العورات، ومصافحة الرجال الأجانب،وأما البكاء وهو نزول الدموع عند غلبة الحزن فلا يؤاخذ الله به، ولكن يؤاخذ على النوح والصياح والصراخ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) متفق عليه.
واختتم كلامه، ويجوز توزيع الحلوى في الأعياد وغيرها، ولكن المقابر ليست مكانًا مناسبًا لذلك؛ فزيارة القبور غرضها الموعظة والاعتبار، وليس الطعام والشراب، فإن اقتصر الأمر على التصدق بالمال على الفقراء فذلك أفضل، والله تعالى أعلم.
_تجارب الأفراد:
تتنوع تجارب الأفراد في زيارة المقابر في يوم العيد، حيث يعبر كل فرد عن تجربته الشخصية ومدى أهمية هذه الزيارة بالنسبة له ولأسرته.
قال أحمد عبدالله، إن زيارة عائلته للمقابر فى العيد تعتبر عادة سنوية، فهم لا يعتبرونه عيدا بدون ذهابهم لزيارة موتاهم ورؤية أقاربهم الذين لم يلتقِ بهم منذ الزياة الأخيرة عند المقابر أيضا.
ومن جهتها تقول ثريا عبدالعزيز، ٧٦ عاما، إنها اعتادت سنويا أن تجمع أولادها الخمسة وأحفادها فى كل عيد من أجل زيارة قبر زوجها الذى لم يره أحفاده قط لموته المبكر بعد إنجابه الابن الأخير، فعودت أبناءها الرجال فى كل عيد الذهاب لوالدهم من أجل ود الموتى واستدعاء ذكراهم الطيبة فى حياتهم.
تبدأ ثريا التحضير لزيارة المقابر بدءا من يوم الوقفة، حيث تجهز الطعام الذى سيوزع عند قبره ويعدوا الكعك والبسكويت، مشيرة إلى أنهم يذهبون جميعا لصلاة العيد ثم يتوجهون للمقابر. وتعد المقابر فرصة لالتقاء الأحفاد حيث يلعبون الكرة والألعاب الجماعية فى مناطق شاسعة بين القبور.
_الاستنتاج:
تظل زيارة المقابر في يوم العيد جزءًا من العادات والتقاليد التي تميز المجتمع المصري، وتعبر عن قيم الوفاء والاحترام للأسلاف. تستمر هذه العادة في البقاء عبر الأجيال، مما يعكس أهميتها العميقة في الحفاظ على الهوية والروابط الأسرية.