ستظل إلى الأبد العلاقات المصرية السودانية جزئ ضخم من منظومة الأمن القومى المصرى، فإذا كان أمن مصر يبدأ من أقصى جنوب القارة السمراء عند منابع نهر النيل، فإن التاريخ الواحد والمصير الواحد والارض الواحدة هى حكاية مصرية سودانية بامتياز، ومنذ أن جاء القائد والرئيس عبد الفتاح السيسى وحلم العودة إلى الجذور الأفريقية للأمة المصرية، هو أحد أبرز الأحلام التى يمكن أن نرصدها من قلب وعقل فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى، وإذاكان الحلم الكبير هو أفريقيا فأن السودان هى القلب الدافئ لهذا الحلم العظيم، فكانت قبلة مصر الأولى فى هذا الحلم تبدأن من الخرطوم لتمتد إلى كل ربوع القارة السمراء، من أجل هذا نرصد عبقرية الحلم الرئاسى للتكامل بين مصر والسودان ليس كهوية واحدة ولغة واحدة ودين واحد فحسب، ولكن كمصير واحد إلى الأبد.
المتتبع لتاريخ مصر والسودان يجد أن البلدين عاشا تاريخاً مشتركاً منذ أقدم الأزمنة وحتى العصر الحالي، إلى الدرجة التي يتعذر معها الحديث عن تاريخ مستقل بمصر أو تاريخ مستقل بالسودان، وهذه الحقيقة التاريخية تؤكد أن التاريخ المشترك بين البلدين قد أوجد قدراً كبيراً من الإمتزاج بين أفراد الشعب العربي في مصر والسودان.
والحقيقة أن رصد شكل العلاقات المصرية السودانية منذ تولى الرئيس السيسى والطفرة الهائلة فى هذه العلاقة وكيف تشكل الحلم من قلب الرئيس المصرى وعقله على أرض الواقع يحتاج منها إلى عشرات الكتب والدراسات والابحاث لرصده فمابالنا بهذه السطور المتواضعة التى نحاول أن نرصد فيها هذه العلاقة، على اى حال يمكننا أن نتعرض إلى بعض العناوين والأرقام التى يمكن من خلالها رصد هذه العلاقة بتبسيط ربما كان مخل ولن يكفى ولكنها المساحة المتاحة لنا.
فعلى سبيل المثال لا الحصر شهد حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات القليلة الماضية، حيث سجل حجم التجارة بين البلدين عام 2021 نحو 1.2 مليار دولار، وذلك ارتفاعًا من حوالي 500 مليون عام 2014. وقفزت قيمة الصادرات المصرية إلى السودان إلى حوالي 827 مليون دولار خلال عام 2021، مقابل 394 مليون دولار خلال عام 2014. في حين بلغت قيمة الواردات المصرية من السودان نحو 383 مليون دولار، مقابل 114 مليون دولار في عام 2014. هذا مع إمكانات تصدير غير مستغلة تصل إلى نحو 300 مليون دولار. ويذكر أن زيادة الصادرات المصرية إلى لسودان تأتي في إطار الخطة التي وضعتها القاهرة لزيادة صادرتها إلى الدول الأفريقية حتى تصل إلى 30 مليار دولار.
وقد بلغت قيمة الاستثمارات السودانية في مصر 10,2 مليون دولار خلال العام المالي 2019/2020 مقابل 2,2 مليون دولار خلال العام المالي 2018 /2019 بنسبة ارتفاع قدرها 370%
تتوزع الاستثمارات على حوالي 229 مشروعًا، وقد تركزت في القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية، ومنها 122 مشروعًا صناعيًا باستثمارات 1.372 مليار دولار بصناعات الأسمنت والبلاستيك والرخام والأدوية ومستحضرات التجميل والأثاث والحديد والصناعات الغذائية، و90 مشروعًا خدميًا استثماراتها 8.629 مليار دولار بقطاعات المقاولات والبنوك والمخازن المبردة والري والحفريات وخدمات الكهرباء ومختبرات التحليل والمراكز الطبية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلى جانب 17 مشروعًا زراعيًا باستثمارات 89 مليون دولار بقطاعات المحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني والدواجن ونشاط صيد الأسماك.
بلغ إجمالي حجم الاستثمارات السودانية في مصر خلال الفترة نفسها نحو 97 مليون دولار أمريكي ممثلة في 315 شركة سودانية مستثمرة تتركز في القطاعات الصناعية والتمويلية والخدمية والزراعية والإنشائية والسياحة والاتصالات، ويحتل القطاع الصناعي المقدمة حيث تعمل 73 شركة باستثمارات تقدر بـ 50.4 مليون دولار، فيما يحتل النشاط التمويلي المرتبة الثانية بـ 7 شركات واستثمارات تقدر بـ 21.3 مليون دولار.
كل ما سبق من عرض سريع لأرقام التعاون الاقتصادى بين البلدين يقول أنه لولة الأزمة الحالية التى تعيشها الشقيقة السودان كان يمكن أن نصل لأفاق اوسع وارحب للتعاون الاستراتيجى بين البلدين، ويمر السودان بمحنة قاربت على العام يمكن القول أنها المحنة الأكبر فى تاريخه الحديث، ورغم ذلك فلا تزال السودان وما يحدث فيها جزئ لا يتجزئ من امن مصر القومى، والبوابة الجنوبية لمصر، وما يضر السودان يشعر به المواطنين فى شوارع القاهرة، من أجل هذا لابد وأن نعلم جميعا، أنه مهما طال عمر الأزمة السودانية او قصرت فى الوقت، فسوف يظل الشعب السودانى والمصرى ليسوا غير نسيج واحد وهوية ومصير مشترك، وعلينا أن ندعم كل محاولة بين البلدين الشقيقين للنهوض وعبور هذه الازمة، من أجل هذا مرحبا بكل سودانى على الارض المصرية ليس فى بلده الثانى وانما فى جزء شمالى من نفس الارض ونفس البلد.