يُصر الساخر الأكبر محمود السعدني، على ممارسة شقاوته حتى وهو في مرقده بالدار الآخرة، فبعد أن سلك الطريق إلى "زمش"، أعاد مصر من تاني إلى خضم النزالات الأدبية النقدية بعد أن تسببت مقالة في تأكيد عودة الولد الشقي للواجهة بعد 14 سنة من الرحيل.
وأطلق طايع الديب الكاتب الصحفي، الشرارة الأولى بمقالة ينتقد فيها رئيس جمهورية الكتابة الساخرة الراحل محمود السعدني لم يهدف من خلاله إلا لتسويق كتابه الجديد بحسب قوله، إلا أن ما سببته كتابته من إزعاج يدعو لمراجعة بعض التعريفات الخاصة بالرموز والنقد واختلافه عن النقض.ولسنا بصدد البحث عن تعريف دقيق لهذه المصطلحات الوثيقة بالمعركة الصحفية التي بدأت بمقال الديب في "نافذة حرف" التابعة لجريدة الدستور بعنوان «السعدنى.. رائد أدب الولا حاجة»، عبر خلاله عن رغبته في تحطيم الصورة السائدة عن السعدني باعتباره أحد الآلهة التي صنعها وعبدها المصريون وذلك من خلال التعرض لحكايات السعدني المنشورة في كتبه والتي رآها مجرد هجص تحول إلى أدب.
طايع الديب.. دعاية ولم أتوقع الهجوم من عائلة السعدني
وأدلى الديب بتصريح خاصة لـ«بلدنا اليوم» حول الجدال الدائر، عبر خلاله عن حبه وتقديره للكاتب محمود السعدني، ولكن المقال المنشور جاء ضمن كتاب بصدد إعداده حول رحلته الصحفية الممتدة منذ عام 1994 إلى الآن، والإساءة لم تكن مقصده بل الهدف الرئيسي منه تعريف القراء بكتابه الجديد؛ وهو أمر مشروع في العالم أجمع.
وأضاف لم أتوقع أن يلاقي المقال -السعدني أديب الولا حاجة- ردود الأفعال الكبيرة عقب نشره في جريدة حرف بعد موافقة الدكتور محمد الباز على نشره في حين رفضته أغلب الصحف باستثناء المشهد والدستور.
وأكد أنها المرة الأولى التي ينقد فيها أحد محمود السعدني، بل انهالت عليه دائما قصائد الإشادة والمديح، معتبرا أن السبب وراء عدم نقد السعدني حيا أنه كما أورد في كتاباته "سليط اللسان وهجام" أي يهاجم بقسوة مستخدما في ذلك خلط الحقائق بالتشنيعات، ولكن تمتعه بالظرافة والصحبة الكبيرة مثل حماية له من النقد استمرت إلى سنوات عمره الأخيرة التي ظهرت حينها بعض المحاولات على استحياء.
محبي محمود السعدني وعائلته يواصلون الهجوم والتهديد
ولم تمر أيام إلا وتوالت ردود الأفعال حول المقال القنبلة ممن أطلق عليهم الديب في منشوراته المتتالية «دراويش السعدني» وأطلق الكاتب الصحفي حمدي حماده سهامه تجاه الديب ومقالته واصفا الكاتب بـ«الضايع» والمقالة بالوقحة والمنحطة عبر منشورات متتالية على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أعقبها بمقالة في جريدة الدستور بعنوان «السعدني.. المفترَى عليه بالهرتلة والتلفيق والأكاذيب».
وتعرضت كذلك صفحة الساخر الكبير محمود السعدني والتي تديرها ابنة الراحل هالة السعدني لما جاء في المقالة محل الخلاف والجدال مطالبة بالكف عن انتقاد والدها أسطورة الكتابة الساخرة والذي لم يجرؤ أحد على نقده باعتباره أسطورة مصرية وعربية، وأبدت استيائها من سماح جريدة مصرية بنشر مثل هذا المقال في حق والدها.
وكشف "الديب" عن تعرضه لكيل من السباب على صفحات التواصل الاجتماعي من أقارب وأحفاد السعدني ومحبيه، مؤكدا أنه لن يرد على الإساءات في ظل إيمانه بالديمقراطية وحرية الرأي، موضحا أنه يكن الاحترام للزميل حمدي حمادة، مضيفا أنه التقى "بالأستاذ خالد البلشي الذي أطلعه على تفاصيل مكالمة من الزميل أكرم السعدني" أنتوى خلالها تقديم شكوى لنقابة الصحفيين "يتهمني بسب والده ووصفه بالحشاش" لكني أوضحت للنقيب على الفور أن ما ذكرته في المقالات المتتالية؛ ذكره الراحل محمود السعدني عن نفسه في مقالات وكتب، وذكره أنه صادق وزير الداخلية السابق عبد الحليم موسى بهدف "شرب الحشيش أصلي".
وفي تلك الأثناء أعقب الديب مقالته الأولى بمقالات تواصل ما بدئه من نقد ونقض كما اعتبرها البعض للرمز الساخر محمود السعدني، وتصاعدت موجة الهجوم من أنصار ومحبي وعائلة وأصدقاء الراحل بل تطرق الخلاف لانتقاد الدكتور محمد الباز رئيس مجلسي الإدارة والتحرير بجريدة الدستور لموافقته على نشر مقالات تنتقد ما جاء في كتب السعدني وتقلل من قيمته الأدبية.
الدكتور محمد الباز يوضح موقف الجريدة ويطالب بإعادة النظر في مفهوم الرمز.. ووكيل لجنة التسويات: لا شكاوي وردت إلينا
ورد الدكتور محمد الباز رئيس مجلسي الإدارة والتحرير لجريدة الدستور على الانتقادات التي طالته بمقالتين يشرح ويوضح فيهما إيمانه الكامل بأن هناك دائمًا رواية أخرى ويجب طرحها بل إن الهدف الرئيسي وراء إصدار ملحق «حرف» الثقافي يكمن في عرض الرؤية الغائبة.
وقال الباز في تصريح خاص لـ«بلدنا اليوم» إن الموضوع يجب وضعه في حجمه الطبيعي، فالهدف الرئيسي من الإصدار الجديد إدارة نقاش ثقافي حر ومفتوح حول الأفكار والأشخاص وكتاباتهم. رافضا تسويق البعض بأن الهدف من مقالة الديب هدم الرموز الثقافية أو غيرها مؤكدا أن الاختلاف أو المعارضة في الرؤى لا يعني الهدم بل يعطي إثراء للشخص وإحياء لتراثه وتعريف الجيل الجديد بقامة كبيرة بحجم الساخر محمود السعدني.
وأوضح أن "حرف" لا يهدُف إلا لعرض وجهات النظر والقيام بأحد الأدوار الصحفية الهامة ممثلة في إدارة النقاش "نحن سمحنا للمخالفين بعرض وجهة نظرهم والأستاذ حمدي حمادة نشر في نفس الجريدة مقالة يرد بها على مقالة الأستاذ طايع الديب"، مضيفا أن كلا المقالتين مجرد وجهات نظر تحتمل الصواب أو الخطأ.
ورأى أن المشكلة الحقيقية التي كشفها الجدال حول المقالة هي معاني النقد والرمز لدينا، فأي ناقد يواجه بالاتهامات حول تدبير المؤامرات لهدم الرمز، لكنني مقتنع أنه "لا توجد رموز بل ناس لهم أدوار؛ فالرمز شيء مقدس لا تختلف البشر حوله، ولا يوجد في حياتنا موضوع أو شيء لا يمكن الاختلاف عليه"، ونحن بحاجة ماسة لمراجعة معنى الإساءة للرموز، فالجميع مجرد بشر لهم إنتاج بشري وليس معهم الحق المطلق.
وعن اتخاذ أسرة الراحل محمود السعدني إجراءات قانونية ضد الجريدة أو ضد طايع الديب كاتب المقالة، قال: "لهم كل الحق في القيام بأي إجراء يرونه مناسبا لهم، والكاتب بدوره عليه حينها إثبات عدم وجود إساءة، ونشرنا لوجهتين النظر يؤكد أننا كجريدة على الحياد التام"، مشيرا أنه لو كان متعمد الإساءة للأستاذ السعدني فالأولى حجب مقال حمدي حمادة وعدم نشرها لدينا.
وأفصح عن معرفته بمكالمة جرت بين خالد البلشي نقيب الصحفيين وأكرم السعدني نجل الراحل، أكد خلالها السعدني الصغير بأنه لا يريد مقاضاة صحفي زميل لكن ربما تقوم الأسرة بهذا الإجراء فليس جميعهم صحفييون، إلا أن حتى هذه اللحظة "لا علم لدي بأكثر من ذلك".
وبالتواصل مع محمد سعد عبد الحفيظ وكيل نقابة الصحفيين للتسويات أكد على عدم علمه بتفاصيل الواقعة وأنه لم ترد حتى اللحظة الراهنة شكوى تجاه الزميل طايع الديب بسبب ما نشره.
وحاولنا التواصل مع أفراد عائلة الساخر الراحل محمود السعدني ومع حمدي حمادة إلا أن جميع المحاولات فشلت حتى موعد النشر، ونؤكد على ترحيبنا بتوضيح مواقفهم تجاه الواقعة.