رفَعت لجنة السياسات النقدية التابعة للبنك المركزي المصري، أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس خلال الاجتماع الأول لها في العام الحالي 2024 لتصبح 21.25%، 22.25% على الإيداع والإقراض، وبذلك تكون الزيادة السابعة منذ بدء الرفع في 2022 عقب اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية وخروج 22 مليار دولار – الأموال الساخنة - من الاقتصاد المصري لتبدأ دائرة الأزمات المالية التمويلية.
يأتي قرار البنك المركزي متوافقا مع توقعات البنوك الاستثمارية لاستيعاب الضغوط التضخمية في الاقتصاد المصري، والهبوط بمعدلات التضخم إلى ما دون الـ10% بحلول 2025، وإتاحة الفرصة لتخفيض قيمة الجنيه وفاء لبرنامج صندوق النقد.. فهل يحقق القرار المستهدف منه أم أنه استمرار للرفع دون استخدام آليات مساعدة تصل إلى المستهدف منه بل وربما تؤدي لنتائج عكسية؟!.
الصادي: الاستيراد للسلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج فقط.. «كفاية مكسرات ومعادن نفيسة»
يرى الدكتور حسن الصادي أستاذ اقتصاديات التمويل بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، أن الرؤية الضبابية والعشوائية تسيطر على المجموعة الاقتصادية، ومن الضروري تغييرها، مشيرا أن رفع الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس، مؤشر يؤكد أن معدل الفائدة للشهادات المطروحة من البنوك الفترة المقبلة لن تقف عند حاجز الـ27% بل ستتجاوزها، مع العلم أن شهادات الـ27% لم تحقق العائد المنتظر، متوقعا أن لا تحقق آلية الشهادات أو رفع الفائدة جذب للأموال وزيادة للودائع حتى لو ارتفعت الفائدة بنسبة 50%، في ظل عدم تحقيق الشهادات الماضية تعويض حقيقي لأصحابها، ما تسبب في تفاقم الأزمة التي أصبحت بالدرجة الأولى أزمة ثقة بين المواطن والقرارات الصادرة عن المجموعة الاقتصادية المصرية، ولن تتوجه الأموال إلى الودائع البنكية بل سيزداد الإقبال على الذهب والعقار والسلع عموما بعد تبثت قدرتهم على تعويض المدخرين بأكثر من ما تعوضه فائدة البنك.
أعباء الديون تتضاعف بعد رفع أسعار الفائدة
وعن تأثير رفع أسعار الفائدة على الديون يؤكد الصادي لـ«بلدنا اليوم»، أن أعباء خدمة الدين تتضاعف وتتضاعف مع رفع أسعار الفائدة حيث أن معظم الديون يتم خدمتها بالجنيه المصري، فعلى سبيل المثال بدلا من أن تكون خدمت 167 مليار دين أجنبي على سعر صرف 31 جنيه بفائدة 20.25%، الآن ستصبح خدمة الدين على فائدة أعلى بمقدار 2%.
وطالب الصادي التوخي والحذر في إطلاق التصريحات الاقتصادية باعتبارها عامل حفاز في رفع سعر الدولار في السوق الموازي، مشيرا أن طارق عامر المحافظ السابق للبنك المركزي ساهم بتصريحاته في رفع قيمة السوق الموازي مع بداية توليه المسؤولية ونرى الآن تصريحات لرئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب تسير على نفس النهج في رفع السوق السوداء بما لا نتوقع معه نتائج جديدة.
وحذر من الآثار السلبية المترتبة على المسار الاقتصادي الحالي لاستمرار رفع الفائدة دون إيجاد حلول لحل مشكلة نقص العملة الأجنبية، فمع تفاقم أعباء الدين المحلي وصعوبة تدبير احتياجاتنا المحلية ربما ندخل في دائرة من بيع الأصول والتي لن تكفي للخروج من الأزمة.
ورأي الصادي أن دعم الاقتصاد حاليا مرهون بخطة تقشفية لخفض قيمة الاستيراد عبر السماح بالسلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج فقط مع المنع الكامل للسلع الغير أساسية والترفيهية ومنها الفواكه المجففة والمكسرات التي تصل فاتورتها الاستيرادية إلى 625 مليون دولار وفقا لميزان المدفوعات المصرية في 2023، والرقم كبير للغاية ويتجاوز قسط القرض الذي نتفاوض مع صندوق النقد الدولي منذ شهور للحصول عليه، وقولا واحدا "كفاية مكسرات ومعادن نفيسة دفعنا فيها أكثر من مليار و625 مليون جنيه".
أبو الفتوح: خفض العملة يتطلب مزيد من الرفع لأسعار الفائدة
من جانبه قال الدكتور هاني أبو الفتوح الخبير الاقتصادي، إنه في حالة اللجوء لتعويم الدولار أو تخفيض نسبته فأسعار الفائدة الحالية لن تساعد صانع القرار على اتخاذ هذه الخطوة، وإذا كان ثمة نية لتخفيض العملة المحلية من وراء القرار فإن النسبة المناسبة لرفع أسعار الفائدة تتراوح ما بين 3 إلى 5%، لذا فمن المستبعد حدوث تخفيض للعملة في الوقت الراهن، متوقعا أن السبب في ذلك ربما يعود لتوافق بين الإدارة المصرية وصندوق النقد الدولي على تاجيل الخطوة وربطها بتدفق أموال أجنبية أخرى من الجهات الغربية المانحة وليست الخليجية.
وأضاف أبو الفتوح في تصريحات لـ«بلدنا اليوم»، أن رفع أسعار الفائدة بنسبة 2% لم يكن الحل الأمثل لمعالجة الأزمات الاقتصادية الحالية، لأنه يؤثر على تكلفة الأموال إقراضا واقتراضا ما يبطىء من النمو الاقتصادي بالتبعية في ظل إحجام الشركات والمستثمرين عن اللجوء للقروض في ظل الفائدة المرتفعة والتي لن تغطيها أو تعوضها المشروعات الاستثمارية في أغلب الأحيان؛ والقرار مدفوع فقط بالرغبة في تحجيم نسب التضخم التي انخفضت على مدار الأشهر الثلاثة الماضية لكنها لا تزال مرتفعة وكذلك نسبة الرفع الحالية لن تستوعب معدلات التضحم الحالية.
وأشار إلى أن القرار يتماشى مع التوقعات المنخفضة لصندوق النقد الدولي للنمو الاقتصادي في مصر خلال 2024 والتي تراجعت نهاية يناير الماضي بنسبة 0.6 نقطة مئوية لتصبح 3% مقارنة بالتوقعات السابقة في أكتوبر 2023 والتي قُدرت بـ 3.6%. وأضاف أن على الرغم من أن رفع الفائدة بنسبة 2% تساهم في تعويض المدخرين بهامش ربح جيد إلا أن التأثير السلبي الأكبر يظهر في تكلفة الدين الحكومي أو أذونات الخزانة التي سيتم طرحها خلال العام الحالي.
فيما يرى الدكتور هاني جنينة أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، أن بعد رفع أسعار الفائدة سوف نشهد سعرًا جديدًا للدولار في البنوك عقب الرفع الأخير لأسعار الفائدة، متوقعًا أن يتراوح السعر الرسمي ما بين الـ40 والـ45 جنيهًا.
وينتظر المواطنون من المجموعة الاقتصادية مزيدًا من الإجراءات الفاعلة في تحجيم الأزمة الاقتصادية الحالية وعدم تمددها بما يدخل البلاد في مرحلة أشد قسوة وضراوة في ظل أوضاع عالمية تبعث الشعور بالقلق بعد أن تسببت في خفض قيمة الجنيه المصري ثلاث مرات ورفع أسعار الفائدة 7 مرات منذ 2022.