ليس لدى أدنى شك أن مصر الأن تعيش فى خضم إرهاب اقتصادى منقطع النظير، يستهدف تركيع هذا البلد والسيطرة على قرارها وسيادتها، ليس لصالح مخطط التهجير القسرى للفلسطينين إلى مصر فحسب، بل لصالح المشروع القديم لتركيع هذه الأمة والذى رصدت ملامحه التاريخية فى مقالى السابق على نفس هذه المساحة.. والمتأمل لكم الحروب التى خاضتها مصر خلال العقد الأخير فقط.. سوف يدرك بمنتهى الوضوح أننا وسط حرب ممتدة.
دخلت مصر حرب على هويتها وأنتصرت، ثم دخلت مصر حرب على ألارهاب الكلاسيكى وانتصرت، وبعد أن فشلت كل المخططات داخل نظرية المؤامرة، أجبرت مصر أعدائها على التحول للخطة "باء" وهى جزء من حرب شاملة، فإذا كانت معارك الفتن الداخلية جميها بائت بالفشل، فكان من الطبيعى أن يتم إعلان الحرب الاقتصادية على مصر، وسط عقاب أقتصادى غير معلن، وإن كان صندوق النقد الدولى كان بمثابة رأس الحربة فى هذه المعركة، خاصة بعد أن استجابت الحكومة المصرية لكل شروطه، فلا يمكن أن نستبعد أن ما يفعله مليشيات الحوثى على أبواب البحر الأحمر، والذى أدى لفقدان ما يقرب من 40% من إجمالى الدخل القومى من قناة السويس، والتى رصدنا قبل سابق ملامح المؤامرة القديمة عليها، ليس غير ورقة جديدة للعبث الأقتصادى مع مصر، حتى وكان له أهداف أخرى كثيرة غير ذلك فى المنطقة.
ببساطة لقد مورست علينا لعبة تجويع الشعوب التى تم توجيهها قبل سابق على دول مثل الارجنتين، وفانزويلا التى أعلنت هى الأخرى رسمياً أن واشنطن مارست عليها الأرهاب الأقتصادى، وغيرهما من الدول التى حاولت أن تنشق عن مخططات الغرب وتنجوا بقرارها السيادى، ومنهج اللعب على الأحتياجات الأساسية للأسرة كأقل وحدة فى البناء المجتمعي إنما تستهدف تفكيك المجتمع ككل بسياسة التجويع والتركيع دون خسارة جندى واحد أو طلقة نارية واحدة..
ويحضرنى هنا تلك التدوينة الشهيرة للرئيس الأمريكى "ترامب" والذى قال عبر موقع تويتر بالحرف الواحد "إذا هاجمت تركيا الأكراد في سوريا سوف أدمر اقتصادها" هذا ما قاله دونالد ترمب في تغريدة له وهذه المقولة تدفعنا للحديث عن ثنائية الاقتصاد والسياسة، وتغريدة ترمب تجعلنا نعود إلى الحديث عن كيف تمارس الدول كبرى الإرهاب الاقتصادى، ولا يختلف ترامب عن بايدن فكل رؤساء أمريكا يتم أنتاجهم على مقاس حكام العالم القابعين فى عاصمة الضباب وهو ما تعرضنا له فى المقال السابق، ولم يكن لقاء الرئيس السيسى مع السفير الأمريكى مع بداية الحرب الصهيونية على غزة، وهو تقريباً أول لقاء رئاسى يتم إذاعته على الناس على الهواء مباشرة، فى كسر لكل قواعد البرتوكول المتعارف عليها داخل مصر على الأقل غير بمثابة رسالة واضحة المعالم للجميع أن مصر لن تفرط، وجاء الرد سريعاً أسرع مما يتخيل أحد، وتعددت الضربات الأقتصادية على كافة المستويات للدولة المصرية.
وأنا هنا لا يصدق عقلى أن رؤوس الأموال العاملة فى الصناعة والتجارة فى مصر بريئة أو بمعزل عن ما يحاك لنا، وعلى أقل تقدير ومع أفتراض حسن النوايا، فيمكن اعتبارها عصا غليظة فى يد أعداء هذا الوطن، وتم توجيه ضربة قاصمة لكامل الحياة الاقتصادية للمصريين بها.. فمابالنا لو لم نفترض حسن النوايا!!.
وبمنتهى الوضوح لم يكن أداء الدولة المصرية فى هذه المعركة على المستوى اللائق بحقيقة الأرهاب الأقتصادى الذى يمارس علينا، خاصة مع نظرية "انهم تجار مصريين ومن حقهم الربح" فهذا الكلام قد يجعلنى أنا وأمثالى حيارى فى وعى الدولة تجاه هذه المعركة، فبمنتهى البساطة يكمن جانب ضخم من نظريات الحفاظ على الأمن القومى الداخلى لأى دولة فى قدرتها على فرض سيطرتها على الأسواق وعدم ترك مواطنيها فريسة سهلة فى يد رؤوس الأموال، خاصة وأن ما يشهده السوق المصرى لم يعد يخضع بأى حال إلى نظرية العرض والطلب، بقدر ما يخضع لحالة من الجشع وأيضاً مع فرض حسن النوايا لرؤوس الأموال هذه.
وإذا كان الأرهاب بشكله الواضح يستهدف زعزعة استقرار الأوطان وتشكيك الشعوب فى تحقيق أمنهم داخل النظام العام للدولة، فإن الارهاب الاقتصادى يؤدى لنفس النتائج، وبعيداً عن كل النظريات التى وضعت فى هذا السياق، فنحن من أبناء نظرية "الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" وقدم الله الأمان من الجوع على الأمان من الخوف، وهنا يمكن القول أن الأرهاب الأقتصادى الذى أعلن على بلادنا، أشد خطراً وأكثر وطئاً فى التأثير على كيان الدولة ككل.. وهنا لابد أن نقف وقفة حقيقة مع حقيقة الوعى الرسمى لهذا المخطط، وكيف ستتعاطى معه الدولة وقد باتت ملامح التأثير تتعاظم فى كل شوارع مصر.
نعم أدرك تماما أن المصريين لن يثوروا على هذه الأوضاع، ولن يلجأوا لثورة جياع كما يخلو للبعض التبشير بها، فمازالت الذاكرة الجمعية للمصرين تبكى على ما حدث فى 25 يناير 2011 ولكن نظرة سريعة على معدلات الجرائم الأجتماعية، وعلى معدلات التفكك الأسرى وحالات الطلاق، بالإضافة إلى تزايد معدلات العنف المجتمعى، جميعها تضعنا أمام تدهور واضح لمنظومة الكيان المجتمعى للمصريين، وهو ما لا يمكن أن يتحمله الأمن القومى الداخلى، ولن يكفى معه المسكنات إن لم تتدخل الدولة فورا وحالاً لفرض سيطرتها على كامل مناحى الاقتصاد المصرى وفى القلب منها حركة الأسواق.
وأخيراً لابد أن يعلم الجميع أن فى هذه البلد.. من لا ولم ولن يسمح بأن تنجر مصر إلى سيناريو لبنان، حتى ولو كان هذا هو السيناريو الأقرب الذى يقوم أعداء مصر بالتبشير له، فمصر ليست لبنان، ولن تكون الأرجنتين أو فانزويلا، ببساطة لأن هناك حراس لهذا الوطن، قل عنهم ما شئت ولكن هم دوماً جاهزون حين تستدعيهم مصر، ولنا فى الغد القريب لقاء، لنقف ونرصد ونحلل كيف عبرت مصر هذه المعركة وكيف تعاملت مع هذه الحرب.