مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.. هل تستطيع أمريكا احتواء نووي كوريا الشمالية؟

السبت 13 يناير 2024 | 11:10 صباحاً
علما أمريكا وكوريا الشمالية
علما أمريكا وكوريا الشمالية
كتب : وكالات/ نور نادر

في الوقت الذي تتركز فيه أنظار الكثيريين على التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، يتزايد خطر الترسانة النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، واحتمالات نشوب صراع مسلح في شمال شرق آسيا.

وتتصاعد حدة الحرب في الإقليم بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة إلى المواجهة بين الولايات المتحدة وحلفائها من ناحية وجماعة الحوثيين اليمنية في جنوب البحر الأحمر من ناحية أخرى، حسبما يرى الدبلوماسي الأمريكي روبرت جالوتشي، كواليس صراع الحرب النووية بين أمريكا وكوريا الشمالية، والذي وصفه بالخطر الحقيقي الواجب تجنبه.

وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية قال المحلل الاستراتيجي والدبلوماسي الأمريكي المخضرم روبرت جالوتشي إن هناك تغيرا واضحا في النهج الذي تبنته كوريا الشمالية خلال السنوات الأخيرة، مقارنة بنهجها طوال عقود سابقة.

مفاوضات بيونج يانج

وانتقلت بيونج يانج من المفاوضات البطيئة في عهد إدارتي الرئيسين السابقين كلينتون وبوش إلى سلسلة استفزازات، من إغراق سفن وقصف جزر وإسقاط طائرات مروحية واختبار أسلحة نووية لتجد واشنطن نفسها أمام وضع مختلف تماما في شبه الجزيرة الكورية.

ولم تبد كوريا الشمالية طوال السنوات الثلاث الماضية أي اهتمام بالدخول في مفاوضات مطولة مع الولايات المتحدة. وبدلا من الاستفزازات التي تستهدف جذب الانتباه وخلق أوراق مساومة، فإنها أجرت اختبارات لأسلحة باليستية طويلة المدى لمنع أي محاولة لتغيير نظام حكمها، والحصول على المواد اللازمة لتوسيع ترسانتها النووية، والتهديد باستخدام الأسلحة النووية "أولا" في حال نشوب أي صراع.

ويضيف جالوتشي الاستاذ البارز للدبلوماسية العملية في كلية وولش سكول للعلاقات الخارجية في جامعة جورج تاون الأمريكية أن إدارة الرئيس جو بايدن واجهت عند وصولها للحكم قيادة كورية شمالية قلقة، مع مشهد دولي سريع التغير. فكانت آسيا تشهد صعود النفوذ الصيني وتراجع الدور الأمريكي، في حين كانت أوروبا مسرحا لعودة النفوذ الروسي، وصولا لغزو أوكرانيا. في الوقت نفسه اختار الجيل الثالث من عائلة كيم الحاكمة في كوريا الشمالية المحافظة على العلاقات مع بكين وتبني دروها الرئيسي كدولة حليفة للصين مع التحسين السريع لعلاقاتها مع موسكو وتكوين شكل من التحالف الديكتاتوري. وفي ظل هذه الأوضاع يمكن توقع الأسوأ والتفكير في احتمال نشوب حرب نووية في شمال شرق آسيا خلال 2024 والبحث سبل تجنب مثل هذا السيناريو الكارثي.

ويرى الدبلوماسي الأمريكي المخضرم روبرت جالوتشي الذي عمل كسفير متجول ومبعوث خاص لوزارة الخارجية الأمريكية مهمته التركيز بشكل أساسي على جهود منع الانتشار النووي والصواريخ بعيدة المدى في العالم أن هناك سيناريوهات عديدة يمكن أن تقود إلى تلك الحرب النووية في شمال شرق آسيا. ومن هذه السيناريوهات يوجد ما يسمى "سيناريو تايوان"، وفيه ستتحرك الصين ضد تايوان التي تعتبرها إقليما منشقا ردا على أي تحركات استفزازية من جانب القيادة التايوانية، لتتحرك واشنطن دعم لحليفتها تايوان.

وفي هذه الحالة يمكن أن تتحرك كوريا الشمالية سواء بتشجيع من الصين أو بدونه، لدعم بكين، بتوجيه تهديدات نووية لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في شمال شرق آسيا، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ستواجه دولتين نوويتين في مسرح واحد، إلا إذا اختارت روسيا أن تصبح الثالثة. في المقابل فإن اليابان وكوريا الجنوبية حليفتي الولايات المتحدة غير نوويتين. وهما تعتمدان على واشنطن لمنع حدوث هذا السيناريو، الذي يجب التفكير فيه بجدية لآن الدول يمكن أن تكون انتهازية مثل قادتها.

وهناك سيناريو آخر أقل تعقيدا، وفيه ستقرر القيادة الكورية الشمالية استخدام ترسانتها النووية والصاروخية لإجبار جارتها الجنوبية على الخضوع للتوجهات السياسية والحدودية للشمال وضمان ردع الولايات المتحدة عن التدخل دعما لكوريا الجنوبية. ومن المهم في هذ السيناريو أو في أي سيناريو آخر مطروح، إدراك أن ما ستقوم به الولايات المتحدة بالفعل ليس هو النقطة المهمة، وإنما المهم هو ما تعتقد القيادة الكورية الشمالية أن واشنطن ستقوم به. فقد تعتقد كوريا الشمالية أن ترسانتها الصاروخية العابرة للقارات يمكنها ليس فقط ردع الولايات المتحدة عن محاولة تغيير نظام الحكم في بيونج يانج، وإنما تقلص أيضا قدرتها على دعم حلفائها في آسيا. وتصور كوريا الشمالية لهذه النقطة بالذات يمكن أن يحدد ما إذا كانت الحرب نووية ستنشب في آسيا أم لا.

كواليس الأزمة النووية الكورية الشمالية

ويقول جالوتشي الذي ترأس الوفد الأمريكي في مفاوضات الأزمة النووية الكورية الشمالية عام 1994، إنه إذا كانت الولايات المتحدة قلقه بالفعل من احتمال نشوب حرب نووية، فعليها التفكير في السيناريوهات المختلفة التي يمكن أن تؤدي إليها، بعيدا عن مجرد فكرة مدى فشل الردع الأمريكي لبيونج يانج.

وأضاف أن هناك احتمال وقوع حادث عارض أو قيام الجيش الكوري الشمالي بإطلاق صاروخ نووي دون إذن من القيادة العليا. فرغم كل شيء تعتبر كوريا الشمالية "جديدة على اللعبة النووية" مقارنة بالدول النووية الأخرى. كما أن الحديث الكوري الشمالي الصاخب عن الاستعداد لاستخدام الأسلحة النووية، لا يجب أن يكون سببا للثقة في أن احتمال حدوث هذا الأمر ضعيف.

وأوضح أن تنامي الترسانات النووية في شمال شرق آسيا، وفي بيئة يسيطر عليها التنافس وأحيانا العداء السياسي، يفرض على الإدارة الأمريكية إعادة النظر في استراتيجيتها الإقليمية والتفكير في مخاطر الاعتماد على سياسة "الدبلوماسية هي الملاذ الأخير"، والتفكير جيدا في العودة إلى المسار الدبلوماسي، رغم صعوبة تحقيق هذا الأمر خلال العام الحالي في ضوء انشغال إدارة الرئيس بايدن بالانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل.

وأخيرا يرى جالوتشي الذي شغل منصب عميد كلية وولش سكول للعلاقات الخارجية لمدة 13 عاما، أنه ليس من الخطأ التفكير فيما يمكن أن يجذب بيونج يانج إلى المحادثات مع واشنطن. 

وتابع: الأمر بسيط لكنه ليس سهلا. فعلى الولايات المتحدة السعي بإخلاص نحو تطبيع العلاقات مع كوريا الشمالية وجعل هدف تفكيك ترسانتها النووية هدفا أبعد مدى وليس الخطوة الأولى في عملية التقارب. 

كما يجب أن يكون مطروحا على مائدة المناقشات من البداية تخفيف العقوبات على كوريا الشمالية وميثاق التدريبات العسكرية الأمريكية الكورية الجنوبية وتحسين سياسات حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، وهو أمر أبدت بيونج يانج استعدادها له في الماضي، كما أنه حيوي لتطبيع العلاقات. وكما قال جالوتشي فالأمر قد يكون بسيطا لكنه ليس سهلا.