وليد الغمرى يكتب عن المشروع الدينى للجمهورية الجديدة وصوفية الرئيس

الاحد 31 ديسمبر 2023 | 02:48 صباحاً
وليد الغمرى
وليد الغمرى
كتب : بلدنا ليوم

هل يمتلك الرئيس السيسى مشروعاً دينياً للجمهورية الجديدة؟ هل كان صراع الرئيس مع الأخوان قائم على صراع دينى وعقائدى قبل أن يكون صراع سياسي؟! وهل بالفعل وقف شيخ الأزهر كعائق للمشروع الدينى للرئيس؟! وما هى علاقة مشروع الرئيس بالصوفية؟!

العديد من علامات الاستفهام طُرحت ولازالت تطرح حول الهوية الدينية للرئيس، الذى أرسى قواعد جديده فى السلوك الرئاسى الدينى، وكان أول رئيس مصرى يزور الكنيسة مهنئاً فى عيد الميلاد، فى نفس التوقيت الذى لا يتوارى من أن يرى الناس دموعه فى الحضرة المحمدية، داخل الروضة الشريفة على قبر رسول الله، ولا يخلو أى خطاب رئاسى له من تلك المصطلحات المعبرة عن قناعات الرئيس الدينية، ومداومة قوله بأن الذى أتى به هو الله وأن الله وحده الذى يمنح الملك ولا دخل لأحد فى هذا..

والحقيقة أن عشرات الشواهد والوقائع قد أكدت أننا أمام مشروع دينى مكتمل الأركان يسكن فى قلب وعقل الرئيس، وأن هذا المشروع وإن لم يُفصح عنه علانية إلا أنه يمكن القول أنه مشروع صوفى بأمتياز، يتوافق بشكل قاطع مع "الأسلام المصرى" ويتقاطع بشكل مباشر مع إسلام البادية المستورد من شبه الجزيرة العربية، بل وإسلام حسن البنا وأتباعه، وطالما كان يؤكد فى كل لقاءاته أبان فترة الحرب على الأرهاب لجنوده أنهم على الحق المبين بحس ووازع اليقين الدينى الراسخ أن قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار..

ومن هنا يمكن أن نقف عند عشرات المحطات التى تبرز المشروع الدينى للرئيس، بداية من الدعوة لتجديد الخطاب الدينى وتنقيح التراث، وانتهاءً بما عرف على أنه أزمة الطلاق الشفهى التى دخلت فيها مؤسسة الأزهر وشيخها على خط التقاطع ورفض الطرح الرئاسى، ثم مشروع تجديد وترميم أضرحة أل البيت فى مصر، وتزامن ذلك مع موقف الطرق الصوفية من الرئيس السيسى منذ اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم فى مصر، وهم الذين بايعوه فى كل المحطات السياسية التى مرت بها البلاد.

وهنا يمكن القول أن خلاف الدكتور الطيب مع الرئيس لم يكن بأى شكل من الأشكال خلاف جذرياً بقدر ما كان خلاف فى وجهات النظر، فالإمام الطيب نفسه هو الذى تحدث عن تنقيح التراث ولكن مع تحفظه على الجهة المنوط بها هذا التنقيح، حتى فى أزمة الطلاق الشفهى شاهدنا مرونة من المشيخة فى الفكرة التى لم تفرضها الرئاسة ولم يحاربها الإمام.. والمتتبع لرحلة الإمام الطيب نفسه سوف يجد أرضية مشتركة قديمة بينه وبين الرئيس السيسى ألا وهى الأرضية الصوفية، فالشيخ الطيب من أسرة عُرف عن كل أبنائها التصوف ويعرف عن شقيقه بأنه شيخ الطريقة الخلوتية فى الطرق الصوفية، بينما يأتى الرئيس من نفس الأرضية من بيت عرف عنه النزعة الصوفية أيضاً..

ويقول الزميل محمود رافع، مدير تحرير جريدة "الأخبار المسائية"، فى كتابه الذى يحمل عنوان: "الرؤساء وأقطاب الحقيقة" عن تصوف الرئيس وأسرته "جاء الرئيس من البيت الأحمدى على أذكار القطب أحمد البدوى، فكان والده واحدًا من عباد الله الصالحين، وشيخًا مهاباً في الطريقة المرازقية الأحمدية" ويكشف أيضاً الزميل محمود رافع فى كتابه الهام، عن انتماء الرئيس لـ«الطريقة الجعفرية»، وهى إحدى الطرق الصوفية المنبثقة عن الطريقة الأحمدية، وتتمركز بشكل أساسى في مصر والسودان، ويعد الشيخ على جمعة، مفتى الديار المصرية السابق أبرز المنتمين لها وأحد أبرز مشايخ الصوفية المقربين من الرئيس..

كل ما سلف يلقى بظلاله على تلك المنصة القديمة التى أنطلق منها مشروع الرئيس الدينى والذى بات الأن جزئ لا يتجزأ من المشروع القومى المصرى نحو الجمهورية الجديدة وفلسفتها الدينية، وأننا أمام بناء قيمى وفلسفى ودينى يتحرك منه الرئيس الذى جعل من "الإعمار" ملمح واضح لمشروعه المجتمعى، وهو نفس الأرضية التى أرتضاها الاله للانسان نفسه فى خلافته على ألارض والهدف الرئيسى للخلافة البشرية من أعمار البسيطة، ومن ثم فحين يتحدث الرئيس ويرد كل ما يحدث وحدث فى مصر طيلة السنوات الماضية، إلى أن السماء ترعى هذا الوطن، فنحن هنا أمام رئيس يتحدث بشكل يقينى من قناعات صوفية متجذرة، وهو ما يمنحنا تقدير موقف واضح لعلاقة السلطة فى مصر مع ملف الأخوان المسلمين وكيف تحولت لمعركة صفرية، وربما كان ذلك مادفع الكثيرين مع بداية حكم الرئيس منذ عشر سنوات ماضية للحديث عن حرب عقائدية، دخلتها الدولة المصرية مع الجماعة الإرهابية.. بين منهجين إحداهما هو "الأسلام المصرى" فى مواجهة أسلام حسن البنا وأتباعه أياً كانت هويتهم..

ومصطلح "الأسلام المصرى" هنا المقصد منه إسلام الشارع المصرى الذى يؤمن أن زيارة أضرحة أل البيت كأماكن مقدسة ويرى فيهم نوراً لهذه الأرض، والذى طالما أشتبك قبل حكم الرئيس السيسى مع التيارات الوهابية والأخوانية المستوردة.. والتى دخلت فعليا فى سنوات من الصراع الدينى الطويل، خاصة فى فترة التسعينات من القرن الفائت.. حتى جاء المشروع الدينى للرئيس السيسى ليضع حداً للحرب على الهوية المصرية، وليفطن أن هذه الأمة باتت فى حاجة إلى تجديد هذا الدين، بعد عشرات الملمات التى ألمت به فى مصر من جراء كل محاولات سلفنة وأخونة هذا الوطن.

هكذا كانت ملامح المشروع الدينى للرئيس، والذى تحول مع مرور الوقت إلى حالة خاصة لها مريديها ليس من التيار الصوفى فحسب بل من التيار الشعبى العام المنحاز بشكل واضح للأسلام المصرى الذى تجسد فى شخص الرئيس، وتبلور فى إرساء مشروع دينى كاشف لمحطة جديدة للهوية الدينية للدولة المصرية، هوية تعلى الجانب الروحى فى الحياة على الجانب المادى وتقبل الأخر ليس من المختلفين فى نفس الدين بل الأخر المختلف مع العقيدة الرسمية للدولة، فى شكل تعايش مصرى كان يحاول البعض سرقته من ثقافتنا وتجربتنا الحضارية الممتدة عبر التاريخ الإنسانى.. من أجل هذا سننحاز لهذا المشروع ليس لأن من يحمله مواطن برتبة رئيس، ولكن لأنه نفس المشروع الأزلى للأنسان المصرى الذى تسامح مع كل مفردات الحياة منذ ألاف السنين.