على الرغم من أننى لم أكن اخطط لكتابة هذه السطور، أو الخوض فيما أعده أمراً خالصاً لنفسي من دون الناس أو ربما كان الأحرى ان تكون مقدمة لحلقات تفاعلات الدين والسياسة – الشيعة والسنة نموذجاً، بيد ان شهيتي الصحفية تعانقت وموجة من علامات الاستفهام المشروعة والخبيثة فى آن واحد كان مفادها من أين تأتين بهذا الكلام الغريب؟.
بركان التساؤلات كان محملاً بشظايا انتقادات لاذعة كوني تخطيت حدود المسموح أو المشروع وخضت في ظلمات بحر لجى سيكون نصيبي منها الشتات والتباس النور بالظلمة .
لهذا رأيت ان انحرف معكم وبكم عن المسار قليلا وليكن كل ما أخطه الآن بمثابة جملة اعتراضية ولكنها ضرورية, أسرد من خلالها ما ساقتني أقدارى إليه فى رحلة اليقين وإن شئتم لتكن رحلة البحث عن الله ومن ثم نستأنف الإبحار بين تفاعلات الدين والسياسة.
بداية دعنا نتفق أن الاسر قد يكون أكثر الفة من الحرية الغريبة لدى البعض وان حدود العقل لا تعنى شيئاً أمام طوفان الشغف الاسر الذى أتحدث عنه هنا هو شرنقة الفكر وسياج العقل الذى يركن إلى كثبان رملية متحركة تقدس المالوف وتأبى أن تتجاوزه خشية السقوط فى فخ المعرفة او فى نار الحميم.
أما حدود العقل التي يعتصمون بها مجرد خطوط حمراء رسموها سالفا للتحليل والاستنباط ,وشجاعتها لا تتعدى حدود التبرير عوض التفسير وهى ذاتها التى تجاوزها إبراهيم عليه السلام حين شرع فى رحلة البحث عن القوة المطلقة التى تصبغ كلّ ما يراه بصبغة المنطق، عن إله يلهمه الإيمان ودفء السّكينة التي لطالما فتش عنها.
ألم يكن إبراهيم عليه السلام هو أول من استخدم العقل للوصول إلى الله , والقرآن وثق الرحلة فى سورة الأنعام بقوله تعالى ” فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ(76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ(77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ(78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(79)”.
ألا تنتهى العديد من آيات القرآن الكريم ب”أفلا تفكرون ” أفلا تتدبرون ” أفلا تعقلون ” بما يعنى ضرورة إعمال العقل والتفكر والتدبر . ألم تكن أولى رسائل السماء للنبى على جناحي جبريل كوحى ” اقرا باسم ربك الذى خلق ” ؟ ليرسى مبدأ أن أسمى مقاصد العقيدة فتح باب الفكر و النظر
ألم يقل “ابن الجوزي” (في التقليد إبطال لمنفعة العقل)، فلماذا ننكر على الباحثين السؤال ونتهمهم بالضياع بل والكفر فى أغلب الأحيان . هل ترضى أن يقول أن الحق هو ما ولدت عليه ووجدت أبائك عليه دون أن تتأكد؟ هل ترضى أن تأخذ بقشور الأمور دون أن تختبر جوهرها ؟
إن رحلة البحث عن الله لا تعني بالضّرورة عدم الإيمان به، بل ربّما هي رحلة البحث عن اليقين الثابت غير المراوغ عن بقعة الضوء التى تنير مسارات الوصول إليه بما يتخللها من الالام الضّياع الخوف والتّردد , الشّك واليقين ,البحث والسّؤال.
إلى كل الحيارى والتائهين الباحثين عن الله ..لقد كنتم يوماً مثلكم , كنت أردد أن الشتات قدرى الذى عاندته كثيراً وهزمنى مراراً, لم أكن أدرك حينها ان صحراء التيه ليست سوى سبيل الوصول إلى واحة اليقين . أرهقتنى عشرات الأسئلة ,صرت أُكَلِّم نفسي دائمًا، وانا لازلت طالبة بالصف الثالث الثانوى .غير ان السؤال الاهم الذى ظلت آناته تؤرق عقلى الصغير حينها : إذا كان كل أتباع الديانات السماوية وحتى الوضعية يزعمون أنهم أصحاب الحق المطلق فى الجنة وأن جزاء ما دونهم الدرك الأسفل من النار ..فما الدليل على أننى على الصواب ..وهل خلق الله كل هؤلاء البشر ليعذبهم ؟
ولأن السؤال من زاويتي هو بداية المعرفة و شهيتي فى طرح الأسئلة لا تفتر مطلقاً فقد أمضيت سنوات أنقب وابحث بين مراجع السنة فى محاولة بائسة للوصول إلى إجابات مريحة باردة .. ..بيد أن محصلتها كانت مزيداً من التساؤلات العالقة بألسنة اللهب دون إجابات . إذ لم تشفع لى نصف أجزاء القرآن التى حفظتها دون سن العاشرة ولا التيارات الدينية التى تدثرت بالاقتراب منها فى فى مل براح عقلى المثقل بعلامات الاستفهام , كنت أريد أن أقبض على البرهان الثابت والحقيقة القاطعة التى لا تقبل الشك فلن يقف شخص مكانى أمام الله حتى ولوكان شيخ الإسلام…و للحديث بقية.