بشكل واضح ودون مواربة لا يمكن تخيل أن ما يقرب من 45 مليون مواطن مصرى خرجوا للشوارع مدفوعين بالمال السياسى، أو بحركة حزبية ضخمة، أو حتى بتدخل مؤسسات الدولة، فى حشد كل هذا الكم من الشعب للمشاركة فى الانتخابات الرئاسية المنقضية منذ أيام قليلة، وتسجيل رقم قياسى جديد عن مشاركة المصريين فى أى عملية أنتخابية سابقة.
نعم هناك من أحزاب الموالاه للرئيس السيسى من قام باستخدام المال السياسى فى الحشد، ونعم كانت كل أجهزة الدولة حريصة على دفع الناس للمشاركة، ونعم هناك شعبية متصاعدة للرئيس السيسى فى الشارع المصرى بسبب موقفه من مشروع التهجير القسرى للفلسطينين للأراضى المصرية، وبكل التأكيد كانت هناك مخاوف من عدم مشاركة المصريين وعزوفهم عن العملية الانتخابية، على الأقل من باب أن كل منافسى الرئيس لا يحظى أفضلهم بالشعبية الكافية للمنافسة من الأساس على هذا المنصب الرفيع.
كل ما سلف شكل علامة استفهام ضخمة عن حجم مشاركة المصريين، والتى تفاجئ بها معظم المتابعين والمراقبين، وحتى من كانوا يترصدون للعملية الانتخابية من خارج البلاد، والحقيقة التى تجلت بشكل واضح أن الأمة المصرية بكل شرائحها قد خرجت لتكتب رسالة واضحة لتأيد مشروع الرئيس السيسى لخلق دولة جديدة وجمهورية جديدة، وهو ما يتعارض مع منطق أن الشعب الذى دفع ولا يزال يدفع فاتورة اقتصادية ضخمة سوف يكون منحاز بهذه النسبة لمشروع الجمهورية الجديدة، على الأقل من قبيل مقايس العلوم السياسية، وسط أزمات حقيقية أثرت بشكل مباشر على حياة المصريين.
وماحدث ببساطة فى تقديرى المتواضع كان له عدة أسباب يمكن حصرها فى الأتى:-
أولا أن ثمة جين حضارى فى جينات المصريين يمكنه أستشعار فكرة تعرض الأمن القومى للخطر، وأن هناك خطر ما أصبح يحاوط حدود هذا الوطن من جهاته الأربعة.. خاصة من الجهة الشرقية جهة العدو التاريخى للأمة.
ثانيا ذلك الظرف السياسى التاريخى والذى حمل عنوان أن قطعة مقدسة من ثرى هذا الوطن باتت فى مرمى أطماع العدو وهى سيناء العزيزة.. وربما مالا يعلمه الكثيرين فى العالم أن أرض التجلى فى ضمير الأمة المصرية ليست مجرد أرض عادية بقدر ما هى أرض مقدسة.. كل شبر فيها دفع المصريون ثمنه بالدم عبر سنوات طويلة ممتدة ومتجذرة فى ضمير هذا الشعب.. وليس فى الأفق من هو أفضل من المشير الرئيس عبد الفتاح السيسى ليكون على رأس الأمة المصرية فى هذه المعركة، خاصة مع موقفه الواضح الذى لا يحتمل مجال للشك فى هذه القضية.
ثالثا حين يوضع الجوع والأمن فى ميزان المصريين فسوف ترجح كفة الأمن قطعاً والمقصود بكلمة "الأمن" هنا هو أمن الأمة المصرية وليس أمن المواطن فحسب.
رابعاً يمكن القول أن الشارع المصرى بدأ فى التعافى الحقيقى من سرطان التيارات المتأسلمة خاصة بعد أن قدمت الدولة بدائل حقيقية لما كان يقدمه المتأسلمين للشارع المصرى، فمشروع حياة كريمة والذى دخل إلى عمق سرطان الجوع الذى تمدد فى قرى مصر الفقيرة قد وفر بديل حقيقى لمنظومة الرعاية الاجتماعية التى كان يقدمها التيار المتأسلم، وأن فقراء مصر الذى كان يتم التأثير على قرارهم بالرشاوى السياسية للتيار المتأسلم قد وجدوا فى التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي بديلا حقيقيا عن الدور الذى كانت تلعبه الجمعيات الأهلية التابعة للجماعة الارهابية، باختصار صدق المصريون أن لديهم قائد يبحث لهم عن حياة كريمة.
خامساً لم يعد فى مصر من يمكنه أن ينكر أن هناك يد عليا ترعى وتحمى وتحيط بالرئيس السيسى، وهناك عشرات الشواهد طيلة السنوات العشر المنقضية يمكن أن نؤكد بها أن الرئيس السيسي ترعاه السماء وتقف بجانبه والحديث فى هذا الشأن يطول، ولكن يكفى مثلا القول أن أحداث غزة لو تأخرت عدة شهور لما بعد انتخابات الرئاسة.. كان سيظل البعض من المصرين يصدق الإعلام المعادى الذى تحدث عن ما عرف بصفقة القرن، لتأتى الأحداث فيخرج الرئيس مطالباً شعبه بتفويض ثانى له فيما يمكن اعتباره تفويض بالحرب للدفاع عن سيناء.. فينسف الرئيس بشخصه كل المزاعم التى قيلت عن صفقة القرن والتى تم الترويج لها كثيراً.
باختصار شديد يمكن القول الأن بأن الشعب المصرى وبنسبة تاريخية قد منح الرئيس عبد القتاح السيسى تفويض ثالث وقاطع وأخير ليس فقط بالدفاع عن حدود ومقدرات الدولة المصرية، ولكنه تفويض ببناء الجمهورية الجديدة بعاصمتها الجديدة، وبمقايس حياة كريمة لكل المصريين.. بيد أن الفارق فى هذا التفويض أنه تفويض لم يطلبه الرئيس.