شهد مؤتمر المناخ كوب 28 توقيع الشراكة الزرقاء المتوسطية ، بهدف إنقاذ سواحل جنوب البحر المتوسط من التهديدات البيئية نتيجة التغيير المناخي، وذلك عبر دعم مشروعات الاقتصاد الأزرق في مصر والأردن والمغرب كبداية.
ووقعت الدكتور رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي على الشراكة خلال فاعليات المؤتمر، وأكدت في بيانها أن الاتفاقية تهدف لضخ استثمارات جديدة في مشروعات الاقتصاد الأزرق بما يحفظ التنوع البيولوجي في سواحل البحر المتوسط المتوسط، ووفقا لتصريحات وزيرة البيئة المصرية الدكتورة ياسمين فؤاد فإن محطات تحلية مياه البحر تأتي على أولوية الحكومة ضمن مشروعات التنمية المستدامة والتي سيتم تمويلها من الصناديق الزرقاء.
وأسفرت الشراكة عن ضخ مساهمات من عدد من الجهات المانحة، وساهمت المفوضية الأوربية بمليون يورو والوكالة السويدية (سيدا) بـ 6.5 مليون يورو والفرنسية بـ2 مليون يورو، بالإضافة إلى توقع ارتفاع المساهمات من دول ومؤسسات مانحة أخرى.
وتنص الشراكة التي يبدأ العمل بها بداية 2024؛ على أن يلعب الاتحاد من أجل المتوسط بقيادة البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير (EBRD)، دور الميسر التنظيمي والسياسي، وأن تضلع كل دولة بتحديد المشروعات ذات الأولوية الاستراتيجية لها من مجالات الاقتصاد الأزرق.
مستشار التنمية المستدامة.. الأهمية القصوى لتنمية مصايد الأسماك
ويوضح الدكتور السيد صبري مستشار التنمية المستدامة والتغير المناخي أن الشراكة المتوسطية نتاج الخطة الزرقاء التي تبنتها الدول الأوربية على المطلة على المتوسط –دول شمال المتوسط- وفي مقدمتهم فرنسا، وتهدف لمنع تلوث البحر المتوسط بما يحفظ التنوع الحيوي ويؤمن الثروة السمكية الصناعات القائمة عليها، منبها أن البحر المتوسط يواجه تهديدات رئيسية بسبب وقوعه في حدود شبه مغلقة بين قناة السويس ومضيق جبل طارق، وأول هذه التهديدات مياه الصرف الصحي الواردة من دول جنوب البحر المتوسط وارتفاع نسبتها كذلك تلوث مياهه بالمخلفات البلاستيكية وأخيرا التغير المناخي في درجات الحرارة.
ويؤكد صبري على أن الأهمية القصوى لدى مصر للاستفادة من تلك الشراكة يجب أن توجه لتنمية مصايد الأسماك والتي لن تتآتى إلا بالحفاظ على التنوع البيولوجي ومكافحة التلوث، وتابع أن مكافحة تلوث البحار والمحيطات مكلفة للغاية ولذا فإن الشراكة الجديدة قادرة على تأدية الدور المرجو منها في إعادة التنوع البيولوجي لسواحل مصر المطلة على البحر المتوسط، وتابع أن أسماك السلمون على سبيل المثال كانت تأتي مهاجرة في مواسم محددة لوضع بيضها على شواطئنا المطلة على البحر المتوسط، وبسبب التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة غيرت أسماك السلمون من وجهتها ولم تعد تأتي، وغيرها من الخسائر التي لا يمكن إحصائها بشكل دقيق.
مستشار وزير البيئة.. مصر تقتنص الفرص والاتفاقية تعطي دفعة قوية للاقتصاد
ويرى الدكتور حسام محرم مستشار وزير البيئة الأسبق أن توقيع مصر على الشراكة الجديدة يتوافق مع خطة 2030 التي اعتمدتها الدولة نحو تحقيق التنمية المستدامة، مشيرا أن مصر اقتنصت الكثير من الفرص بسبب مشاركاتها الهامة في مؤتمرات المناخ، وأن المؤتمر الأخير المقام بدبي له أهمية خاصة باعتباره محطة لمراجعة التزامات كل دولة تجاه قضية التغير المناخي، والأهم أنه فرصة ذهبية لنا لعقد مزيد من الاتفاقات مع الدول والمؤسسات المانحة بهدف تمويل المشروعات الخضراء، موضحا أن مصر وقعت عددا من الاتفاقيات خلاله أهمها الشراكة المتوسطية لمواجهة التهديدات البيئية لسواحل مصر على البحر المتوسط.
وتابع أن الاقتصاد الأزرق للمدن الساحلية وحسن استخدام الموارد الطبيعية للبحار؛ عاد بقوة للواجهة خلال كوب28، واستفادت منه مصر على الوجه الأكمل بانضمامها للتكتلات البيئية المختلفة، ولا شك أن الاتفاق سيعطي دفعه لمشروعات الاقتصاد الازرق في اقليم البحر المتوسط عامة ومصر بصفة خاصة قادرة على توظيف الدعم المقدم لاستغلال الموارد الطبيعية الموجودة في سواحلنا المطلة على البحر المتوسط من ثروه سمكية، وتنمية النقل البحري خدمة السفن والقطع البحرية، وأهم المشروعات بالطبع الاستثمار في تحلية مياه البحر وتوليد الطاقة الكهربائية من حركة أمواج البحر، متوقعا أن تتوجه أغلب هذه المشروعات إلى مدينتي الإسكندرية أولا بسبب تعرضها للتهديدات البيئية بشكل أكبر من غيرها، كذلك بورسعيد بحاجة للنظر إليها ضمن التحول للاقتصاد الأزرق في المدن الساحلية.
واستكمل محرم أن تحديد الأولوية لكل مشروع يجب أن تجرى عن دراسات جدوى لأن التمويل يظل محدودا في ظل الاتفاق على توزيع الإنفاق بيث ثلاثة دول مصر والمغرب والأردن.
ووفقا للاتفاقية الجديدة فإن إدارة المنح سيتولاها مجموعة من الشركاء ممثلين في بنك الاستثمار الأوروبي، والوكالة الفرنسية للتنمية، وبنك التنمية الألماني، وبرنامج التنمية المجتمعية، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وتتولى هذه المؤسسات جلب تمويلات جديدة للمشروعات الزرقاء في مرحلة النضج.
عضو مجلس الطاقة.. تطوير الموانىء والمصايد البحرية أولوية الآن
ويعتقد الدكتور ماهر عزيز خبير البيئة والمناخ وعضو مجلس الطاقة العالمي أن مشروعات الطاقة وتوليد الكهرباء من حركة الأمواج لن تكون الخيار الأول للحكومة في المشروعات المقترحة لتنمية الاقتصاد الأزرق والتي سيمولها الصندوق، وذلك بسبب تكلفتها المرتفعة وعدم انتشارها مقارنة بغيرها من المصادر، أضف أن مصر تمتلك مجموعة من المشروعات الخاصة بتوليد الطاقة الكهربائية من مصادر أخرى، وأن تنمية الموانىء والمصايد البيئية يمثلان الأولوية لدى مصر في ملف الاقتصاد الأزرق.
ونبه عزيز على أن الاتفاقية تأتي في ظرف دقيق تحاول فيه البشرية التضامن من أجل مكافحة عوامل التلوث المختلفة بما يتماشى مع البيئات المتباينة ومنها المناطق الساحلية التي تشكل الأنشطة البحرية مرتكزا هاما للتنمية، مضيفا أن سواحل البحر المتوسط وسواحل أخرى مهددة بالفناء في حالة ارتفاع درجة الحرارة عالميا بمقدار درجتين فقط، والبيئة البحرية تعاني من المخلفات وتسريبات الزيوت والبترول بما يهدد بموت الكائنات البحرية وخسارة مصدر هام للغذاء، مؤكدا أن مصر التفتت لآثار التغيير المناخي وبنت خطتها على أساس التحول للاقتصاد الأزرق والأخضر بما يحقق مستهدفات برنامج التنمية المستدامة 2023، واستطرد أن كل الجهود الحالية تهدف لتحقيق التعادلية المناخية عام 3050؛ حيث تقترب حينها الانبعاثات الضارة من الغازات الدفينة إلى صفر تقريبا.
بينما الدكتور هاني أبو الفتوح الخبير الاقتصادي يشدد على أن المكاسب البيئية من مشروعات الاقتصاد الأزرق هي الأهم والأولى لدى القائمين على الاتفاقية، منبها أن إنقاذ البيئة يمثل التحدي الأصعب فدون بيئة نظيفة صالحة للحياة ينهار الكوكب، ولا يعني ذلك عدم وجود فوائد اقتصادية من التحول نحو الاقتصاد الأزرق بل يقصد به أن الفوائد المادية والاقتصادية موجودة وحاضرة ولكن في المرتبة الثانية وتتأخر بعض الوقت لاستغراق عملية التحول بعض الوقت، وجدوى المشروعات التي تحددها الدولة.