طال الحديث عن إنتاج سيارة مصرية بمكونات مصرية وتوطين الصناعة، وتصاعد اللغط من المشككين حول قدرة مصر على تصنيع السيارات، وامتدت الأحاديث إلى أن مصانع السيارات الموجودة في مصر مجرد هناجر لتجميع القطع المستوردة.
وتوجهنا إلى اتحاد الصناعات المصرية للقاء المهندس أيمن سعيد رئيس شعبة وسائل النقل بالأسئلة التي يطرحها المهتمون بالمشروع القومي لتوطين صناعة السيارات ومعرفة التحديات التي تواجهنا وكيف يمكن تذليلها وكشف لنا في حواره عن عديد من المفاهيم المغلوطة التي يروجها الكثير دون معرفة حقيقية بآليات صناعة تجميع السيارات، ومتطلباتها وما حققناه على المستوى المحلي في هذا المضمار
1- ما هو دور شعبة وسائل النقل في قطاع السيارات؟
يمكنك القول إنه ملتقى لمصنعي السيارات بأنواعها المختلفة سواء ملاكي أو حافلات ونقل خفيف وثقيل، وتلعب الشعبة داخل اتحاد الصناعات المصرية، دورا فعالا في اكتشاف التحديات التي تواجه المصنعين وكيف يمكن تذليل هذه الصعوبات بالتعاون مع الحكومة، بعد دراسات وافية عن احتياجات المصنعين للاستمرار والارتقاء بصناعة وسائل النقل محليا.
2- ما هي أبرز التحديات التي تواجهها شعبة وسائل النقل داخل اتحاد الصناعات؟
ليست صعوبات لكنها أسئلة نسعى للإجابة عليها كي يمكننا دفع التصنيع للأمام، وأبرز الأسئلة المطروحة أمامنا، لماذا يقبل العملاء على شراء المستورد أكثر من المنتج المحلي؟! ما الذي ينقصنا للارتقاء لطموح السوق؟! وغيرها من الأسئلة التي تمكننا من دعم صناعة وسائل النقل وتقديم رؤية حقيقية عن الواقع الصناعي إلى الحكومة، مرفقا به أبرز الحلول التي تراها الشعبة مناسبة لتلبية متطلبات الصناعة المحلية في القطاع.
3- ما هي أبرز طلبات وسائل النقل من الحكومة؟
بحسب الموقف تكون طلباتنا، وأحيانا نطالب ببرامج دعم للمصنعين أو تحفيز، وغيرها من الحلول الداعمة للصناعة، ويمكن رؤية ذلك في نهج الحكومة الحالية ودعم الرئيس لتوطين صناعة السيارات في مصر عبر إنشاء المجلس الأعلى للسيارات برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الوزارات المعنية وتقديم حزمة من الحوافز لدعم العاملين في تصنيع وسائل النقل.
4- هل تمتلك مصر مصانع لتصنيع السيارات، وليس التجميع فقط؟
هناك نقطة مهمة جدا يجب الالتفات إليها في هذا الشأن أن الاسم الفعلي لإنتاج سيارة هو صناعة تجميع السيارات وليس صناعة السيارات كما تتداول بين الجمهور، وجميع مصانع إنتاج السيارات الكبيرة والصغيرة في العالم مجرد مصانع لتجميع مكونات السيارات جنبا إلى جنب كي تصل إلى السيارة الكاملة تامة الصنع في النهاية، وهذا النموذج موجود في مصر على نطاق محدود بما يوازي الطلب المحدود على السيارات في السوق المصري مقارنة بالأسواق الأخرى.
5- إذن كم مصنعا تمتلك مصر في قطاع تجميع السيارات؟
نمتلك 13 مصنعا تقريبا لتجميع السيارات يضموا 18 خطا لسيارات مختلفة، وعدد أكبر من مصانع المكونات التي تعمل تزويد تلك المصانع بما تحتاجه وفق المواصفات المطلوبة من مصنع التجميع.
6- كيف يحدث التكامل بين مصنعي المكونات ومصانع تجميع السيارات بما يحقق الهدف النهائي من تصنيع سيارة مصرية؟
كما يحدث في كبرى مصانع تجميع السيارات في العالم، التي تقوم بوضع مواصفات القطع المطلوبة وإمداد مصانع المكونات بطلباتها وتصميمها في إطار خطط الإنتاج والتوريد، ولذلك فمصانع المكونات ركن رئيسي في الصناعة، وللعلم كل شركات إنتاج السيارات الكبرى في العالم تقوم بشراء المكونات من دول مختلفة في ظل نظام اقتصادي عالمي متكامل لا يمكن أن ننعزل فيه بمفردنا.
7- ما لفرق الجوهري بين مصانع تجميع السيارات المحلية ونظيرتها في الدول الأخرى؟
التكنولوجيا واستخدام الروبوتات، فحجم الإنتاج الكبير الذي تستهدفه المصانع العالمية يوميا؛ أضعاف ما تستهدفه مصانعنا المحلية، حيث إن الخارج يستخدم أحدث التكنولوجيات لتسريع وتيرة الإنتاج والوفاء بتعهداته للأسواق المختلفة.
8- كيف يمكننا إدخال التكنولوجيا الحديثة لزيادة الإنتاج؟
الأمر يتطلب أولا أن يكون هناك حاجة لهذه التكنولوجيا، فالإنتاج الحالي يكفي السوق المحلي، وهناك شركات صدرت بالفعل من إنتاجنا المصري إلى دول مجاورة، وكلما زاد عدد السيارات المطلوبة في السوق، بالطبع ستحرص المصانع على جلب أحدث الأجهزة بما يحقق دقة وجودة وسرعة الإنتاج دون الاعتماد على العنصر البشري، موضحا أن هناك اشتراطات عالمية يتبعها جميع مصنعي السيارات في العالم بغض النظر عن حجم الإنتاج ومنها طريقة اللحام وطريقة الطلاء وغيرها التي لا تختلف في أي مصنع لأنها مواصفات قياسية عالمية.
9- إذا كان حجم الطلب على السيارات في مصر محدودا، فلماذا أقبلت بعض الشركات المجمعة للسيارات على إنشاء مصانع لها؟
بحثا عن توسيع الفرص أمامها، وعدم تضييع الأسواق الصغيرة أو الناشئة، ولكنها تراعي أن تكون المصانع محدودة بما يلبي حجم الطلب المحدود.
10- ما هي نسبة المكون المصري في السيارة المجمعة محليا؟
تحديد النسب في هذا الشأن أمر يشوبه الخلط عند البعض حيث إن المكون المصري حاضر في عدة صور أخرى بجانب القطع الميكانيكة والفنية، وعلى سبيل المثال عند احتساب قيمة السيارة عند تصنيعها بـ100 ألف جنيه، فكيف نقوم باحتساب الأجزاء الواردة من الخارج والأجزاء المحلية، علما بأن المحلي يدخل ضمنه مرتبات العمالة والضرائب الخدمات من كهرباء وغيرها، لذا يمكن أن تتراوح نسبة الجنيه المصري في السيارة المجمعة محليا بنسبة تقريبية من 30 إلى 50%، لكن يجب الالتفات إلى أن القطع المصنعة محليا لا تزال محدودة.
11- لماذا لا يزال إنتاج مكونات السيارة محدودا؟
بسبب جدوى الإنتاج وليس لصعوبة التصنيع أوغيره من الأسباب، وهناك شركات بدأت في إنتاج بعض القطع من رفارف وكبوت وأبواب وغيرها من قطع هيكل السيارة، مع العلم أن مثل هذه المصانع تقوم عبر تكاليف ومصاريف ضخمة، فلا بد من أن يكون هناك جدوى من وراء إنشاء مصنع ما لمكون ما من مكونات السيارة، فعلى سبيل المثال أصطمبة الحقن للإكصدام مثلا باهظة الثمن وتحتاج لتصنيعها أن يكون لديك إنتاج يتراوح من 20 إلى 30 ألف سيارة من نفس الطراز في السنة الواحدة، كي يستطيع المصنع تغطية تكاليف الإنتاج.
12- ما الهدف الرئيسي الذي نسعى إليه بتوطين صناعة السيارات؟
الهدف الرئيسي لأي صناعة هو تقديم منتج منافس يحوذ ثقة العميل من حيث السعر والجودة وتوافر السوق المناسب للمنتج وليس الزهو بأننا نمتلك صناعة، وبما أننا نمتلك سوقا يحتاج لسيارات منافسة فالهدف بلا شك يتمحور حلو تقليل نفقات الاستيراد في السيارات وتوفير فرص عمل كثيرة باعتبار أن صناعة السيارات من الصناعات كثيفة العمالة، وإجمالا هي خطوة مهمة لتحقيق التوازن بين ما نستورده وما نقوم بتصنيعه أو تصديره.
13- ما هي الحوافز التي يتعين على المجلس الأعلى للسيارات وضعها لجذب أكبر عدد من المستثمرين في قطاع السيارات إلى مصر؟
الحقيقة أن المجلس الأعلى للسيارات يطرح هذا السؤال باستمرار للتأكد من فاعلية القرارات في جذب المستثمرين للبلاد، لكن أستطيع القول إن تجربة الدول الأخرى هي الفيصل الرئيسي للإجابة على هذا السؤال، وتجارب الآخرين تكشف أن الحوافز المقدمة للمصنعين تختلف من دولة لأخرى، فالبعض يرى أن إعطاء الأرض اللازمة لبناء المصانع مجانا كاف لجذب الشركات العاملة في قطاع التصنيع، لكن الأن لم يعد هذا الحافز كافيا بحكم التطورات الأخيرة والمنافسة المستمرة بين الدول، لذا فدورنا كاتحاد صناعات وكشعبة مختصة بصناعة السيارات البحث المستمر والدائم عن المعلومات الصحيحة لتوصيلها للحكومة كي تحدد الحوافز اللازمة لتطوير الصناعة وجذب المصنعين، ولذا فدائما ما ننظر للمغرب وجنوب إفريقيا باعتبارهم سابقين في توطين السيارات، لكن لا يعني ذلك التقليد الأعمى بل الاستفادة والتوافق.
14- كيف يمكن أن نستفيد من هذه التجارب؟
بالفعل استفدنا وهناك تغيير في السياسات المصرية لدعم الصناعات والانفتاح على العالم، ففي الماضي كانت الإجراءات المتخذة في مجملها إجراءات حمائية تغلق الباب أمام منتجات الدول الأخرى بما يجعل المستهلك مجبرا على شراء المحلي حتى ولو كان ذا جودة سيئة، وتغيرت منذ عام 2004 إلى إجراءات تحفيزية تشجع على التبادل التجاري بيننا وبين العالم عن طريق تعميق التعاون والتكامل، ويبرهن عليها الاتفاقيات الموقعة ومنها الكوميسا والزيرو جمارك للمنتجات الأوروبية واتفاقية أغادير وغيرهم، والذين يلومون على رفع الجمارك عن المنتجات الأوربية يجب أن يعرفوا أن المنتجات المصرية التي تدخل إلى الاتحاد الأوربي من موالح وكيماويات وغيرها معفاة بالمثل.
15- كيف ترى خطوات الدولة نحو تحقيق استراتيجية توطين صناعة السيارات؟
خطوات إيجابية تمثلت في توفير بنية تحتية متماسكة من طرق وموانىء متطورة على مدار السنوات الماضية، كما أن تأسيس المجلس الأعلى للسيارات ووحدة صناعة السيارات الكهربائية وغيرها له دور إيجابي في تسريع وتيرة العمل، ومن الأمور الجيدة دعوة الأطراف المختلفة للصناعة والاستماع لوجهات النظر المختلفة للوصول إلى أنسب وأقصر الطرق نحو تحقيق الهدف، كذلك دعوة كبار مصنعي السيارات لبحث الفرص المتوافرة، ورأينا في الاجتماع الأخير وجود ممثلين لمصنعي السيارات ومن ضمنهم ممثل "فولكسفاجن" أكبر شركات التصنيع والتي يقع تحت مظلتها العديد من العلامات الكبيرة في مجال السيارات وفي حالة دخولها إلى السوق المصري ستحقق إيجابية كبيرة لقطاع السيارات عامة.
16- ما الصعوبات التي تواجه توطين صناعة السيارات في مصر؟
الصعوبة تكمن في التوقيت الحرج الذي يمر به العالم، في ظل حرب ضروس بين أوكرانيا وروسيا تعمل على تشكيل تحالفات اقتصادية جديدة وتفكك تحالفات قديمة، وما سينعكس علينا إثر هذه التطورات وربما نرى آثر القرارات والخطوات التي تتخذها مصر بعد فترة من الوقت، لكن لا جدال أن الوضع الحالي يثبت لنا جميعا أهمية العمل على توطين كل القطاعات الصناعية التي نستطيع جلبها وفي مقدمتها السيارات.