نقاد: المسلسلات متعددة الأجزاء ليست ظاهرة جديدة والتخطيط الجيد سبب نجاحها جماهيريا
إذا كنت من جيل الثمانينيات أو ما قبل ذلك، فبالتأكيد أنك عاصرت الكثير من الأعمال الدرامية ذات الأجزاء المتعددة، والتي حققت نجاحا كبيرا وقت عرضها لأول مرة، وارتبط بها الجمهور، وحفرت لها مكانا داخل ذاكرة الجمهور العربي، فمن منا ينسى "ليالي الحلمية"، "رأفت الهجان"، "السهرة الهلالية"، "بوابة الحلواني"، لذا فلن يكون أمرا جديدا أن ترى الكثير من الأعمال الآن تتحول إلى سلسلة أجزاء، مثل "سلسال الدم"، "أبو العروسة"، "اللعبة"، أو حتى الأعمال ذات الحلقات القصيرة "10 حلقات" أو "15 حلقة" مثل "موضوع عائلي".
المنصات فضاء جديد للعرض
الآن ومع وجود فضاء جديد للعرض "المنصات الرقمية"، أصبح المسلسلات ذات الأجزاء المتعددة متواجدة وبكثرة، أيضا خلال دراما شهر رمضان، نجد في السنوات الأخيرة عدة مسلسلات حققت نجاح من ذات الأجزاء المتعددة مثل "الاختيار"، "المداح"، "المداح"، "الكبير أوي".. لكن بشكل عام فأننا الآن أصبحنا أمام ظاهرة كبيرة خاصة مع سيطرة المنصات على نسب المشاهدة الأكبر، وهو ما يستدعى تساؤل لدى كبير من المتابعين للصناعة الفنية حول السبب إلى اللجوء لعمل أجزاء أخرى، واستثمار نجاح الأجزاء الأولى.
أسباب إنتاجية
بالتأكيد أن أي عمل متعدد الأجزاء اعتمد في الأساس على نجاح جماهيري كبير تحقق في خطوته الأولى، وتم البناء عليها واستغلالها من أجل الخطوات التالية، لكن البعض يرى أن الكثير يسلك طريقه في الأجزاء التالية بالاستسهال في الفكرة والمضمون والمعالجة الدرامية، وأن الكثير منها لم تكن صناعة مبنية من الأساس لإنتاج أكثر من جزء، وأغلبها يكون لأسباب إنتاجية بحتة، إما طلبا من القنوات الفضائية التي تريد ملء ساعات الإرسال لديها، وإما لضرورة درامية وإما لأسباب أخرى بناء على طلب النجم، بينما يرى البعض الآخر أن جودة الصناعة هي الجوهري الرئيسي الذى كتب لهذه الأعمال الاستمرارية.
الأمر الأكيد أن استمرار مثل تلك الأعمال ونجاحها هو نجاح لصناعة الدراما المصرية، وسببا لنهوض الإنتاج الدرامي، لكن استمرار أي تجربة ونجاحها لابد من دراسته والتخطيط لها بشكل جيد، وفي التقرير التالي، استطلاعنا أراء عدد من النقاد حول أسباب انتشار تلك الظاهرة، وما هي الأسباب الفنية التي قد تؤثر على عمل أجزاء أخرى من أي عمل فني:
عصام زكريا: نجاح العمل الفني لا يبنى على عنصر واحد
الناقد الفني "عصام زكريا"
قال الناقد الفني "عصام زكريا"،رئيس مهرجان الإسماعيلية الدُولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، إن ظاهرة الأعمال الفنية متعددة الأجزاء، ليست ظاهرة مصرية بل هي ظاهرة عالمية بالأساس، وهو أمر طبيعي وليس بجديد على الدراما التليفزيونية أو السينمائية، مشيرا إلى أنه من الطبيعي أن يستغل صناع أي عمل نجاحه في عمل أجزاء أخرى، وهو أمر يوجد في مصر منذ سنوات طويلة، مثل سلسلة أفلام "إسماعيل ياسين"، إذا فنحن أمام ظاهرة وأمر موجود.
وأضاف "زكريا" في تصريحات خاصة لـ "بلدنا اليوم"، أن التحدي ليس عمل أجزاء متعددة من عمل فني واحد، لكن التحدي هو تقديم أجزاء ثانية وثالثة بنفس مستوى الأول بل وأفضل، فهناك بعض من الناس يتحمس ويكون لديها حافز كبير بعد نجاح التجارب الأولى، ومن ثم تحاول استثمار هذا النجاح بعمل أجزاء ثانية، ويكون التفكير الواقعي حينها هو الاستفادة من أخطاء الجزء الأول ومحاولة تفاديها في الثاني، والعمل على تطوير الدراما، وكذلك الاستعانة بقدرات فنية أفضل وأعلى، لكن الكثير من الناس ترى أنهم طالما حققوا نجاح في التجربة الأولى فأن تحقيق الثاني سهل، معتقدين أن النجاح يكون له سبب واحد أو عنصر فني واحد.
ولفت رئيس مهرجان الإسماعيلية الدُولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، إلى نجاح أي عمل فني لا يتوقف على عنصر فني واحد، مشددا على أن في الفن عموما لا يوجد عنصر واحد للنجاح، بل هي مجموعة من العناصر تتناغم فيما بينها، فمثلا فيلم "اللمبي" بالتأكيد موهبة وقدرات محمد سعد كانت لها مفعول كبير في نجاح الفيلم وسلسلته التي قدمها بعد ذلك، لكن وجود أبطال آخرين مثل الفنانة الكبيرة عبلة كامل والفنان الكبير حسن حسني، زادوا من أسباب النجاح.
وتابع الناقد عصام زكريا، بأنه أحيانا تكون العوامل الثانوية لها دور مثل العناصر الكبيرة في نجاح العمل، مؤكدا على أن الاستسهال يؤدي للإخفاقات، لكن من الضروري معرفة العيوب الموجودة في عمل فني والتخلص منها، وهو ما يستدعى جهد أكبر من صناعه، وهو ما يغيب عن صناع كثيرين، موضحا على أن المسلسلات الأجنبية مثل "La Casa De Papel" تم عمل أجزاء عدة منها بناء على الرهان بأن الأجزاء الأخرى سوف تتفوق على الأجزاء الأولى، وهو ما حدث.
فايزة هنداوي: البناء المحكم السبيل لنجاح الأجزاء التالية من أي عمل
الناقدة فايزة هنداوي
من جانبها قالت الناقدة الفنية فايزة هنداوي، عضو اللجنة المكلفة بترشيح فيلم للمنافسة على جوائز الأوسكار من قبل نقابة المهن السينمائية، إن ظاهرة المسلسلات ذات الأجزاء المتعددة موجودة في الدراما المصرية من سنوات، وهناك العديد من المسلسلات التليفزيونية صاحبة الشهيرة الكبيرة هي من ذات الأجزاء المتعددة مثل "ليالي الحلمية" و"الشهد والدموع" و"زيزينيا" وغيرها، مشيرة إلى أن فكرة عمل أجزاء متعددة متوقفة منذ البداية على الكتابة، فمثلا الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة حين كتب "ليالي الحلمية" كان منذ الجزء الأول يعلم أن هناك أجزاء أخرى، وعليه كان البناء الدرامي المحكم.
وأضاف "هنداوي" أن البعض يستسهل الأمر، معتمدا على نجاح الجزء الأول، معتقدا أن النجاح في الثاني سوف يأتي بسهولة، مشيرة إلى أن مسلسل مثل "موضوع عائلي" للفنان ماجد الكدواني، كان جيدا في الجزء الأول، وحقق نجاح كبير، لكنه لم يكن بنفس القوة في الجزء الثاني، ولم تكن الحبكة الدرامية جيدة في كثير من الأحداث.
وشددت الناقدة فايزة هنداوي، أن فكرة استغلال نجاح في مسلسل في عمل أجزاء منه ليس فقر أفكار، مشددة على أن الفقر لدينا في الاختيار، موضحة أن الأفكار كثيرة ولدينا سيناريوهات كثيرة جيدة للغاية، ولكن الجهات الإنتاجية في النهاية هي من تختار، وفى النهاية يكون المنتج النهائي كما نراه، موضحة أنها لا تعرف أسباب أو معايير الاختيار لدى الجهات الإنتاجية، لكنها تبقى المشكلة.
رامي المتولي: تعلق الجمهور سبب عمل أجزاء جديدة والأعمال العالمية يتم التخطيط لها مسبقا
الناقد الفني رامي المتولي
في السياق نفسه، يرى الناقد الفني رامي المتولي، مسئول برنامج أمريكا الشمالية واللاتينية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أن الكثير من الأعمال التي تحولت إلى أجزاء جاء نتيجة نجاحها الكبير ونتيجة تعلق الجمهور بها، وليس من الضروري أن يكون ذلك نابع عن فقر في الأفكار أو استسهال للمنتجين، والدليل على ذلك أن الكثير من الأعمال التي حققت نجاح في وقت عرضها، وطالب الجمهور بضرورة تقديم أجزاء أخرى منها، ومن لم يكن مخطط لذلك، لم يتم تقديم أجزاء أخرى منها بالفعل.
ولفت "المتولي" إلى أن ذلك ينطبق على الأعمال المصرية، لأن الأعمال العالمية يكون لها تنظيم مختلف، وعادةً ما يكون مخطط للعمل منذ البداية، حيث يتم التخطيط إما يكون أجزاء، أو مسلسل محدود يعرض لمدة موسم وينتهي، وأحيانا يكون مخطط للعمل أن يكون أجزاء، لكن لا يتم الإعلان عن ذلك، ويتم حسم ذلك بناء على استقبال الجمهور للجزء الأول.
وأضاف "المتولي" أن أعمال الأجزاء في الدراما المصرية، هي أعمال قليلة، وأغلبها هي أعمال ناجحة بالفعل، سواء قديمة مثل "ليالى الحلمية" بينما لم يحقق مثلا "زيزينيا" نفس النجاح، لأنه لم يكن مخطط للجزء الثاني بشكل جيد، ونتيجة ارتباط العمل بالفنانين أبطال الجزء الأول، مشيرا إلى المنصات الرقمية كانت لها أثر كبير في زيادة مساحة الأعمال ذات الأجزاء المتعددة بشكل كبير عن ما كانت عليه في فترة الثمانينيات، وهي تحقق نجاحا جماهيريا كبيرا الآن على تلك المنصات.