تتسارع جهود البنك المركزي لاحتواء أزمة تدهور العملة المحلية أمام الدولار، بسبب التضخم العالمي وتلاحق الأزمات الاقتصادية التي قفزت بالتضخم في الاقتصاد المصري إلى مستوى 36.5% بنهاية يوليو الماضي مع توقعات باقترابه إلى حاجز الـ39% مع نهاية أكتوبر الماضي.
ويترقب المحللون الاقتصاديون قرار البنك المركزي بإصدار مؤشر الجنيه الذي سيعد المرة الأولى لفك ارتباط الجنيه مع الدولار الأمريكي، حيث سيضم سلة من العملات بوزن نسبي متباين من أجل تحديد سعر صرف حقيقي عوضا عن الاعتماد على عملة رئيسية واحدة –الدولار-.
وتشير المصادر المختلفة إلى اقتراب إصدار المؤشر الجديد الذي سينهي ارتباطا دام لأكثر من 50 عاما مع العملة الأمريكية، منذ توجه الاقتصاد المصري ناحية الغرب مع بدء الانفتاح الاقتصادي في عصر الرئيس الراحل أنور السادات.
عضو مجلس إدارة البورصة المصرية.. الارتباط بالدولار فقط أضرنا
رانيا يعقوب عضو مجلس إدارة البورصة المصرية
أوضحت رانيا يعقوب عضو مجلس إدارة البورصة المصرية أن مؤشر الجنيه الجديد هو وسيلة لتحديد سعر الجنيه المصري مقارنة بعملة أخرى، ومع إطلاق المؤشر الجديد فإن تحديد السعر لن يعد مرتبطا بالدولار فقط وإنما بمجموعة من العملات التي ستدرج في السلة بالإضافة إلى الذهب.
وقالت أن تقييم العملات المحلية في السابق كان مرتبط بالدولار المقوم بالذهب إلا أن التقلبات الاقتصادية الحالية وظهور عدة قوى اقتصادية كالصين وروسيا ودول جنوب شرق أسيا والهند ومع تزايد الارتباط بين هذه الدول ودول أخرى أصبح من الضروري إنشاء سلة العملات بأوزان نسبية لكل عملة تعبر عن حجم التبادل بين الدولتين ، مضيفة على الرغم من أن ديون مصر مقومة بالدولار إلى جانب التزامات أخرى إلا أن إطلاق المؤشر يحمل ضرورة ملحة للاقتصاد في الوقت الحالي.
واستطردت أن ربط الجنيه المصري بالدولار الأمريكي فقط أصبح مصدر لتصدير صورة سلبية مغلوطة عن الاقتصاد المصري، فعلى الرغم من وجود أزمة اقتصادية لدينا إلا أن ذلك الارتباط عظم من شأنها وأضرنا بشكل أصبح معه الاستمرار في الاعتماد على الدولار يضر للغاية.
وتابعت أن مؤشر الجنيه الجديد خطوة مهمة وواقعية تجعل تقييم الجنيه خاضع للوزن النسبي أمام مجموعة من العملات الأخرى التي يوجد بيننا وبينها تبادل تجاري، وقد توجهت مصر مؤخرا للتنسيق مع عدة دول لاعتماد العملات المحلية كبديل عن الدولار ومن هذه العملات الروبل الروسي واليورو وغيرها، مؤكدة أن ذلك التوجه بالتوازي مع المؤشر الجديد سوف يقلل الضغط على الجنيه أمام الدولار ما يجعل تقييم عملتنا لا يعتمد عليه كما هو الأمر حاليا.
وانتقلت إلى أهمية اعتماد الذهب في المؤشر المرتقب إطلاقه حيث يعطي نوعا من الاتزان للمؤشر، باعتباره أهم الأصول التي تستخدم من دول العالم للتحوط أمام التقلبات الاقتصادية، مؤكدة أن المعدن الأصفر استطاع عبر الزمن استيعاب التضخم والظروف الاقتصادية الأخرى وبالتالي فإن إدراج الذهب سيحمل أثرا إيجابيا على مؤشر الجنيه ما يساهم في تحوط الاقتصاد المصري بمعدلات أعلى من السابق، وهذا ما فطنت له مصر خلال الفترة الماضية عندما عملت على زيادة احتياطياتها من المعدن الأصفر.
مستشار وزير المالية الأسبق.. يعطي مؤشرات إيجابية للعملة المحلية ويقلل من السوق الغير رسمي
الدكتورة ضحى عبد الحميد مستشار وزير المالية الأسبق
الدكتورة ضحى عبد الحميد مستشار أول السياسات لوزير المالية الأسبق ومدير برامج الإصلاح المالي توضح أن الاحتياطي النقدي لمصر حاليا مكون من مجموعة من العملات المختلفة ولكن جميعها مقوم ومرتبط بشكل رئيسي وثابت بالدولار الأمريكي، وإطلاق مؤشر الجنيه من شأنه تخفيف الضغط على العملة المحلية في مواجهة الدولار عبر تقييم يعتمد على أوزان نسبية لعدة عملات.
وأكدت أهمية أن يفصح البنك المركزي عن الأوزان المحددة لكل عملة من عملات السلة المدرجة في المؤشر الجديد، وذلك حيث إن في حالة ظل وزن الدولار داخل السلة الجديدة أعلى من غيره، فهذا يعني استمرار الارتباط والترقب لأسعار الدولار على مستوى العالم، وبالتالي استمرار خفض العملة المحلية، مشيرة أن لا يمكن تحديد سعر العملة من خلال المؤشر الجديد إلا بالإفصاح عن الأوزان الجديدة كي يتمكن المختصون من تقدير متوسط سعر الجنيه حينها.
وأثنت على المؤشر الجديد وتأثيره الإيجابي على تقليل التداول الغير الرسمي للدولار في السوق السوداء بعيدا عن البنوك، بالإضافة إلى إعطاء مؤشرات إيجابية للمستثمرين عن العملة المحلية التي تدهورت جراء الارتباط بالدولار الأمريكي، في حين أن دول الاتحاد الأوربي هي أكبر شركاء مصر التجاريين لعدة اعتبارات أهمها قرب المسافة والاتفاقيات التفضيلية التي تتضمن الإعفاء من الجمارك، وغيرها لذا فاليورو سيشكل عملة هامة داخل سلة العملات المرتقب الإفصاح عنهها في القريب.
مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية.. لن يؤثر على التصنيفات الائتمانية لمصر
الدكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي
بدوره أشاد الدكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي ومدير مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، باقتراب طرح المؤشر الجديد للجنيه والذي كان أحد مخرجات المؤتمر الاقتصادي في العام الماضي بهدف إرسال إشارات اقتصادية إلى المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي بأن مصر تمتلك مؤشرات أخرى لتحديد سعر الجنيه مقارنة بأسعار عدة عملات أخرى دون التقيد بتحديد قيمته أمام عملة واحدة، ما يعطي مرونة في تحديد أسعار الصرف ويقيد التداول في السوق السوداء للدولار، مشيرا أن المؤشر خطوة مكملة للطريق الذي سلكته الحكومة من أجل فك الارتباط بين العملة المصرية والأمريكية عبر عدة اتفاقيات مع دول بريكس وبعض الدول العربية وغيرها بما يسمح بالتبادل التجاري بالعملات المحلية لأعضاء الاتفاقية، وذلك بالتوازي مع توطين بعض الصناعات بما يقلل من هيمنة الدولار.
وأوضح أن المؤشر الجديد لن يؤثر على التصنيفات الائتمانية لمصر من المؤسسات الدولية حيث أن كل مؤسسة تعتمد على عدد من المؤشرات منها معدلات النمو ونهج الاقتصاد المصري بصفة عامة من حيث توافر معايير التنافسية والشفافية وأسعار الفائدة وإتاحة القروض وحجم الناتج المحلي وغيرها من المؤشرات التي تعطي تصنيف ائتماني إيجابي أو سلبي.
واختتم الشافعي أن مؤشر الجنيه يعد نهج جديد من البنك المركزي المصري لربط العملة المحلية بعدد من العملات والذهب، كي تنتهي هيمنة الدولار على سوق الصرف الموازي والرسمي واعتباره محدد رئيسي في تحديد أسعار السلع ومؤشر التضخم.
ومع تفاؤل المختصين بإطلاق مؤشر الجنيه فمن المنتظر أن يعطي المؤشر الجديد قبلة حياة للاقتصاد المصري، تعيد الثقة للمستثمرين في إمكانية ضخ الاستثمارات مع ضمانات بعدم تخفيض سعر العملة بناء على أسعار الدولار في الأسواق المالية.