وهم الأفلام الأعلى في إيرادات السينما المصرية: نجاحًا حقيقيًا أم مجرد أرقام؟

السبت 22 يوليو 2023 | 06:18 صباحاً
وهم الأعلى إ]رادا في السينما المصرية - صورة أرشيفية
وهم الأعلى إ]رادا في السينما المصرية - صورة أرشيفية
كتب : محمد الإمبابي - آية محمود

يشهد قطاع السينما في مصر حالياً عودة قوية إلى الساحة الفنية، حيث ظهرت العديد من الأفلام التي حققت إيرادات كبيرة ولقيت إقبالاً كبيراً من الجماهير، وتم تصنيف بعض هذه الأفلام على أنها الأعلى في تاريخ السينما المصرية، من بينها "كيرة والجن" و “ولاد رزق 2” و"بيت الروبي" و"تاج" وغيرها.

وعند الحديث عن الأفلام الناجحة والإيرادات العالية، يجب عدم التغاضي عن الظروف الاقتصادية والتضخم الذي يؤثر على حقيقة الأرقام المجردة، فمع تغيّر الظروف والأوضاع الاقتصادية، يجب أخذ ذلك بالحسبان وعدم التغاضي عن الأفلام الكلاسيكية التي حققت إيرادات ضخمة في الماضي، ويمتلك موقع BoxــOffice Mojo وسيلة فعالة لاحتساب الفيلم الأكثر مبيعا في صالات العرض من خلا احتساب قيمة التضخم في سعر الدولار، وبناء عليه نجد أن فيلم Gone with the Wind (ذهب مع الريح) فى المرتبة الأولى على الموقع الأمريكي بإيرادات تساوي1.8 مليار دولار، على الرغم من أن إيرادات الفيلم الفعلية كانت 199 مليون فقط حين عرضه عام 1993.

في الواقع، نستطيع أيضا تحويل أرقام الإيرادات في الماضي إلى قيمتها الحالية باستخدام معدل التضخم، وهذا يعطي فكرة أكثر دقة عن الأفلام الأكثر نجاحاً في تاريخ السينما المصرية، فمثلاً، فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية" الذي عُرض في التسعينيات، حقق حينها مبلغاً يزيد عن 27 مليون جنيه، وهو رقم كبير للغاية في ذلك الوقت، لكن بتحويل هذا المبلغ إلى قيمته الحالية وحساب نسبة التضخم، فإنه يصل إلى حوالي أكثر من 180 مليون جنيه، لتصبح إيراداته أعلى في تاريخ السينما المصرية حتى الآن.

ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن النجاح الحقيقي للأفلام يكمن في جودة المنتج الفني والقصة والمحتوى، وليس فقط في الإيرادات التي يحققها الفيلم في شباك التذاكر، فالأفلام التي تحقق نجاحاً كبيراً تدل على جودة الإنتاج وجاذبية المحتوى، وهذا ما يهم الجمهور بشكل أساسي ويعزز صناعة السينما المصرية على المستوى العالمي.

الناقد السينمائي أحمد سعد الدين: إيرادات الأفلام في الماضي كانت أعلى من الوقت الحالي

الأفلام في الوقت الحالي تحقق إيرادات أكبر لكن عدد المشاهدين أقل، في هذا السياق، أكد الناقد السينمائي أحمد سعد الدين أن عندما يتم الحديث عن الإيرادات العالية التي تحققها الأفلام، فإن الكثيرين يستخدمون عبارة "جايب بالملايين"، ولكن هذا الأمر يمكن أن يكون مضللاً.

وأوضح سعد الدين أن عبارة "أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية" يمكن أن تكون غير دقيقة، وأن بعض الأرقام المعلنة عن الإيرادات مخادعة ويتم تضخيمها دون النظر إلى تأثير التضخم على القيمة الحقيقية للأموال.

وللتوضيح، ذكر سعد الدين أن الممثل كريم عبد العزيز كان قد حقق أعلى إيرادات في السنة الماضية، بلغت حوالي 105-106 مليون جنيه، ولكن إذا قسمنا هذا المبلغ على سعر تذكرة السينما المصرية في ذلك الوقت، والذي كان 150 جنيهًا، فسنجد أن عدد الأشخاص الذين حضروا الفيلم أقل بكثير من المليون واحد الذين يتم الإعلان عنهم. ومن هنا يمكن القول إن الإيرادات العالية للأفلام لا تعني بالضرورة جودة العمل الفني

وأشار أحمد سعد الدين إلى أن فيلم "زي خلي بالك من زوزو" الذي صدر في عام 1976، استمر عرضه في دور السينما لمدة 52 أسبوعًا أي ما يعادل سنة كاملة، ولكن تم إيقاف عرضه بسبب الحرب الأكتوبر

وأوضح سعد الدين أن سعر التذاكر في ذلك الوقت كان يتراوح بين 25 قرشًا و30 قرشًا و50 قرشًا، ولكن بسبب التضخم فإن عدد المشاهدين الفعليين كان أقل بكثير من الأعداد التي يتم الإعلان عنها.

وذكر سعد الدين أيضًا أن فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية" الذي حقق نجاحًا كبيرًا في عامه، حقق إيرادات بلغت 27 مليون جنيه تقريبا، وكان سعر التذاكر في ذلك الوقت 10 جنيهات، وبالتالي فإن العدد الفعلي للمشاهدين كان أكبر بكثير من الأعداد التي يتم الإعلان عنها هذه الأيام، ويمكن تقريبه إلى مليونين ونصف المليون شخص، في حين أن الأفلام في الوقت الحالي تحقق إيرادات أكبر، ولكن عدد المشاهدين أصبح أقل.

وأوضح سعد الدين، أن إيرادات الأفلام في الماضي كانت أفضل من الوقت الحالي، مؤكدًا أن رقم التذاكرة أصبح أعلى الآن، مما يعني أن الأفلام الحالية تحقق عائدًا ماليًا أعلى، ولكن بتكلفة أكبر، كما بين أنه يعود ذلك إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والتسويق، إضافة إلى التضخم الذي زاد من تكاليف الإنتاج والتوزيع، لكن الأفلام في الماضي كانت تكلف أقل وكانت تحقق مكسبًا أعلى، مما كان يحفز المنتجين على العمل

وأضاف سعد الدين أن الأفلام الحالية التي تحقق 100 مليون جنيه لا تعتبر بالضرورة مشهدًا، حيث أن تلك الأرقام الكبيرة لا تعكس نفس المكسب الذي كان متوقعًا في الماضي

وشدد سعد الدين على أنه يجب النظر إلى العوامل المختلفة عند مقارنة إيرادات الأفلام في الماضي والوقت الحالي، وأن العدد القليل للمشاهدين في الوقت الحالي لا يعكس بالضرورة أن الأفلام الحالية أفضل من الأفلام في الماضي.

وأكد أن تكاليف إنتاج الأفلام وتوزيعها ارتفعت كثيراً في الوقت الحالي، ما يجعل المكسب الذي يحققه المنتج أقل بكثير من الماضي، مشيرًا إلى أن الأفلام التي تحقق إيرادات عالية اليوم خادعة، حيث أن تكاليف الإنتاج والتوزيع تزيد بشكل كبير.

وأوضح سعد الدين أن الفيلم الذي يحقق 100 مليون جنيه وتكلفته 50 إلى 60 مليون جنيه، لا يحقق مكسباً فعلياً، النظر إلى الأرقام الحالية يتطلب تفكيراً مختلفاً، وألا يتم الاعتماد فقط على الأرقام الكبيرة لتحديد النجاح أو الخسارة في الصناعة السينمائية.

الأمير أباظة: الأفلام قديما كانت تعرض في السينما لفترات طويلة

أما الناقد الفتي الأمير أباظة يرى أن لا يمكن الحكم على نجاح الفيلم بناءً على إيراداته فحسب، لأن ذلك يعتمد على سعر التذاكر والظروف الاقتصادية في الوقت الذي صدر فيه الفيلم، ولو نظرنا إلى عدد المشاهدين أو عدد التذاكر التي تم بيعها، فسنحصل على صورة أوضح لنجاح الفيلم.

وأضاف الأمير أباظة أن في الماضي، كان هناك عدد كبير من الجماهير الذين يحضرون الأفلام في السينما، في حين أنه في الوقت الحالي، يقل هذا العدد، وبالتالي، لا يمكن أن نعتمد فقط على إيرادات الأفلام لتحديد نجاحها، بل يجب أن نأخذ في الاعتبار الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها الصناعة السينمائية في الوقت الحالي.

وتابع: الأفلام قديما كانت تعرض في السينما لفترات طويلة، مثل فيلمي "أبي فوق الشجرة" و"خلي بالك من زوزه" اللذين عرضا لأكثر من عام في السينما، مشيرًا أن كانت قيمة التذاكر آنذاك أقل بكثير مما هي عليه الآن، ومع ذلك، حققت هذه الأفلام إيرادات عالية،، ولكن الاعتماد على عدد الأسابيع التي استمر فيها الفيلم في العرض لا يعتبر مؤشرًا دقيقًا للإيرادات، لأن قيمة التذاكر تغيرت بشكل كبير، في الوقت الحالي، يتم عرض الأفلام لمدة أقصر في السينما، ولكنها تحقق إيرادات أعلى بسبب ارتفاع قيمة التذاكر، لذلك، يجب استخدام مقياس موحد لتقييم أداء الأفلام، مثل تحويل الإيرادات إلى نسبة بالنسبة لتكلفة الإنتاج أو لعدد الحضور في السينما.

الحكم عبر عدد التذاكر أصدق

ويوضح الدكتور نادر الرفاعي أستاذ النقد السينمائي بأكاديمة الفنون أن اعتبار الفيلم الأعلى إيرادا اعتمادا على المبلغ المالي المحقق دون النظر لقيمة هذا المبلغ هراء، فعلى سبيل المثال هناك أفلام قديمة حققت إيرادات لكن سعر التذكرة حينها كان نصف جنيه وجنيه، وعند احتساب الأعلى إيرادا بالقيمة المادية فقط لن تكون هذه الأفلام ضمن القائمة لأن قيمة الجنيه تغيرت وتبدلت على مدار العقود وأصبح سعر أقل تذكرة سينما يقترب من 150 جنيه، لذا فالأفضل أن يكون الحكم بناء على عدد التذاكر المباعة أو بمراعاة قيمة الجنيه مقابل الدولار وقت عرض الفيلم مع مراعاة نسب التضخم، حينها سترى صعود أفلام لم تكن بالحسبان ومنها رجب فوق صفيح ساخن وبخيت وعديلة بجزئيه، وقبلهم أبي فوق الشجرة وخلي بالك من زوزو وغيرهم، ولن تجد أغلب الأفلام الحالية في القائمة والتي اعتمدت في إيراداتها على ارتفاع سعر التذكرة الحالي، ويشير الرفاعي إلى جزئية أخرى يجب مراعاتها وهي التكلفة الإنتاجية للفيلم، فربما يكون الفيلم تكلف 100 مليون وحقق مبيعات بـ150 مليون هل حينها يتم اعتباره داخل قائمة الأعلى إيرادا؟!

ثلاثة معايير لاحتساب الفيلم الأعلى إيرادا

يحدد إيهاب سمرة الخبير الاقتصادي ثلاثة معايير لصنع قائمة حقيقة للأفلام الأعلى إيرادا، وهي أسعار وأعداد التذاكر وحساب التضخم، مشيرا أن السينما سلعة ترفيهية يقبل عليها المشاهدين بعد إشباع احتياجاتهم الاقتصادية، لذا نجد حاليا تراجع في أعداد الجمهور المقبل للسينما لعدة أسباب منها انتشار المنصات وتراجع أعداد السينمات مقارنة بالماضي، وكلها عوامل تؤثر في احتساب الأفلام الأكثر إيرادا ولكن القيمة الفنية وبقاء العمل الفيلم لسنوات في أذهان الجمهور له حسابات أخرى يقررها الزمان.

ويضيف سمرة أن الفيلم المصري كان من السلع التصديرية في السابق، بل وأنه كان أداة لترويج سلع أخرى، فقد كان العالم العربي ينتظر أفلام فريد شوقي ونادية ولطفي وغيرهم من نجوم تلك الحقبة، حيث إن الجمهور في الخارج كان يقبل على تقليد هؤلاء النجوم عبر شراء المللابس وغيرها، ونستطيع أن نرى الأفلام والمسلسلات التركية حاليا وهي تقوم بنفس الدور من خلال الترويج لمنتجاتها وعاداتها من خلال هذه الأعمال.

البحث عن الفيلم الأفضل في تاريخ السينما المصرية

جدير بالذكر أن هناك دراسة بحثية عام 2019 بعنوان «البحث عن الفيلم الأفضل في تاريخ السينما المصرية» وقدمها الباحث محمد حسين ــ مدير التحرير والأبحاث والمحتوى بمجلة السينما العربية التابعة لمركز السينما العربية، وذكر فيها أن بمراعاة سعر التذكرة وحسابات التضخم لن تجد أغلب الأفلام المعلن عنها في قائمة الأعلى إيرادات، وستصعد أفلام أخرى لتحتل المرراكز العشرة الأولي وهي صعيدي في الجامعة الأمريكية بإيرادات بلغت 27 مليون جنيه ما يوازي 1.42 مليون دولار حينها ويساوي الآن 156 مليون جنيه وبالعملة الأمريكية سيصبح 8.3 مليون دولار، ثم فيلم همام في أمستردام بإيرادات بلغت 6.68 مليون دولار بعد حساب التضخم، ويحل فيلم اللمبي في المركز الثالث بقيمة 6.1 مليون دولار بعد حساب قيمة التضخم، ولم تشمل القائمة سوى فيلم (الفيل الأزرق 2) من الأفلام التي تم الإعلان عنها في قائمة الأعلى إيرادا في تاريخ السينما ولكنه تراجع للمركز الثامن.