مازال الأزهر الشريف يحظى بمكانة مرموقة في العالم الإسلامي، كما أنه يشكل ركيزة أساسية من ركائز الاستقرار في المجتمع المصري، ولقد شهدت مصر العديد من التحديات والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على مدار التسع السنوات القليلة الماضية كادت أن تؤثر على استقرار الوطن ووحدة نسيجه المجتمعي.
وقامت مؤسسة الأزهر بقيادة فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف بلعب دورا حيويا في مواجهة تلك التحديات الصعبة التي مرت بها مصر، انطلاقا من دورها الوطني الهام الذي تضطلع به دوما، والمتمثل في الحفاظ على إستقرار الوطن، ودعم وحدة صفه ونسيجه المجتمعي، والتصدي لمن يحاولون استخدام الدين لفرص أجنداتهم السياسية وتوجهاتهم الايدلوجية، دون النظر لإرادة الشعب ورغباته وتطلعاته.
ويشار إلي أن أبرز الشواهد على ذلك، وقوف فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر مع إرادة الشعب في الثلاثون من يونيو ودعمه لشباب الثوار، وتكريس جهوده ومن خلفه علماء الأزهر وطلابه ومنتسبيه لدعم القيادة السياسية والعبور بمصر إلى بر الأمان.
ولكن الازهر الشريف لم يكتفي بذلك، بل اتخذ الكثير من الخطوات والإجراءات للحفاظ على مكتسبات الشعب وثورته، وأصدر العديد من البيانات الوطنية التي دعمت عمليات الاستقرار والدعوة إلى الحفاظ على الوطن وصيانة مقدراته، لاسيما في ظل دعوات العنف والإرهاب التي تعرضت لها مصر في أعقاب الثورة، حتى جاء عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، ليكون الأزهر خير معين وخير سند في دعم عمليات التطوير والبناء لمؤسسات الدولة، والتصدي لمحاولات نشر الفكر المتطرف وزعزعة استقرار الوطن حيث كان أكثر ما يؤرق الدولة المصرية هي الإرهاب والذي أظهر وجه القبيح لمصر وحاول أن يعبث بأمنها واستقرارها، لولا رجال مخلصين تصدوا له بكل ما أوتوا من قوة حتى ضحوا بالغالي والنفيس ودفعوا دمائهم الذكية ثمنا لهذه التضحيات من أجل أن تحيا مصرنا الحبيبة عزيزة كريمة كما كانت.
ولم يقف الأزهر مكتوف الأيدي أمام ذلك الإرهاب الأسود، فاتخذ العديد من الخطوات الإجرائية السريعة لمواجهة هذا الخطر الداهم، بدأت بتوجيه شيوخه وعلماءه رجالا ونساء في قوافل دعوية للتحذير من الأخطار التي تحيق بمصرنا الحبيبة، وبيان أهمية الحفاظ على النسيج الوطني والوحدة بين أبناء الوطن الواحد، وعدم الاستماع للأفكار الهدامة التي تقف وارائها أيادي خبيثة وأجندات خارجية لا هدف لها سوى نشر التطرف والإرهاب على أرض مصر.
والجدير بالذكر أن الأزهر سخر كافة قطاعاته الأخرى للتصدي لدعوات التطرف من خلال المؤتمرات والندوات والإدانة وتحريم سفك الدماء والنزول للشباب في المقاهي ومحطات المترو، ومراكز الشباب للرد على تساؤلاتهم وبيان حقيقة الأفكار المتطرفة والمغلوطة التي تسعى جماعات الإرهاب لغرسها في عقولهم متخذين من الدين ستارا لنشر تلك الأفكار بينهم، علاوة على ذلك اعتمد الأزهر استراتيجية جديدة للوصول للشباب عبر الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي، وأنشأ مرصد الأزهر، ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، للقضاء على فوضى الفتاوى، والذي يعمل على مدار اليوم، ليكون هو ومرصد الأزهر الذي يعمل بـ 13 لغة أجنبية حية فضلًا عن العربية، عين الأزهر الناظرة على العالم، حيث يقوم من خلالهما بقراءة وتتبع ما يتم نشره بهذه اللغات عن الإسلام والمسلمين مع التركيز على ما ينشره المتطرفون من أفكار ومفاهيم مغلوطة، ومتابعة ما يحدث في العالم من مستجدات وقضايا، ويعمل على رصدها ومتابعتها وتحليلها أولاً بأول والرد عليها بموضوعية وحيادية لنشر الفهم الصحيح لتعاليم الإسلام ووسطيته ومن ثم مجابهة الفكر المنحرف والمتطرف وتفكيكه لتحصين الشباب من مختلف الأعمار من الوقوع فريسة في براثنه.
كما قام بأنشاء أيضا «وحدة بيان» لتفكيك الأفكار المشوِّهة لتعاليم الإسلام، ومجابهةً للفكر اللا ديني، ليسد الطريق أمام محاولات نشر الأفكار المتطرفه والمظللة عن حقيقة الدين بين شباب، ليسطر بذلك ملحمة جديدة من ملاحم الدفاع عن الوطن بالقول والفعل في فترة من أصعب فتراته.
ومع تزايد دعوات الإرهاب والتطرف عالميا، خرج الأزهر للعالم، وعقد مؤتمرا دوليا في عام 2014 للتحذير من خطره بحضور قادة وزعماء الأديان وبمشاركة ممثلي 120 دولة وممثلين عن جميع المذاهب الإسلامية والطوائف المسيحية، للتأكيد على دور العلماء والمؤسسات الدينية في مواجهة الأفكار الهدامة، وتصحيح المفاهيم التي حرفها المتطرفون كمفهوم الدولة الإسلامية والخلافة والحاكمية والجهاد والتكفير، إضافة إلى مناقشة الغلو والتطرف والعوامل التي تؤدي إلى انتشارهما، وبيان أسباب انتشار الإرهاب وخطورته على السلم والأمن العالمي، وترسيخ مفهومي المواطنة والتعايش السلمي وذلك من أجل نشر ثقافة الاختلاف والتنوع والتعايش المجتمعي.
وفي أغسطس من العام 2015 عقد الأزهر أول ملتقى دولي للشباب المسلم والمسيحي في القاهرة حضره 40 شابًّا وفتاة من 15 دولة، ناقش فيه دور الأديان فى بناء السلام ومواجهة التطرف والإرهاب، وذلك من خلال مجموعة محاضرات وورش عمل لوضع أسس حقيقية لمشاركة شبابية فعالة فى بناء السلام، وركز المؤتمر على قيم المواطنة والتعايش المشترك، وآليات تفعيل مشاركة الشباب المجتمعية وبناء عدالة اجتماعية فى مجتمعاتهم، إضافة إلى الخطاب الدينى وأثره فى خلق التوتر والعنف أو الوفاق والسلام.
وفي عام 2016 اعتمد الأزهر استراتيجية للإصلاح والتجديد وإحياء الأروقة وأكاديمية عالمية لتدريب الأئمة والوعاظ وذلك في مؤتمر صحفيا عالميا، وأعلن فضيلة الإمام الأكبر، أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر حينها عن استراتيجية الأزهر الجديدة التي تضم (15) محورا ترتكز على تصحيح صورة الإسلام فى العالم والتعريف بتعاليمه السمحة، كما أكد على: "أن الأزهر يقف بكل قوة إلى جوار مصر ويدعم بلا حدود هذا الوطن الأصيل، داعياً الله أن يوفق الرئيس عبد الفتاح السيسى لتحقيق آمال المصريين وأحلامهم" ، ومشددا على أن الوحدة والتآلف وإعلاء المصلحة العليا هى طوق النجاة الوحيد،
وفي نفس العام تم إحياء "أروقة الأزهر الشريف" التى تعني بتدريس العلوم الإسلامية وفق الطريقة الأزهرية الصحيحة، ومنها: رواق القرآن والقراءات القرآنية، ورواق العلوم العربية والشرعية، ورواق المتون العلمية، ورواق الفكر والثقافة، ورواق التدريب، والرواق الاجتماعي، ورواق الترجمة، ورواق الإعلام، ولا يخفى ما يقوم به الرواق الأزهرى فى نشر صحيح الدين والحد من استقطاب جماعات العنف والتطرف للشباب.
وفي عام 2019 تم إنشاء "أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ وباحثى الفتوى" داخل مصر وخارجها، حتى تسهم فى تجديد الخطاب الديني، ونشر الفهم الوسطى للإسلام وذلك من خلال البرامج التدريبية التى تقدمها الأكاديمية للمتدربين والتى يشرف عليها نخبة من علماء الأزهر الشريف.
كما أنشأ بيت العائلة المصرية والذي يترأسه فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وقداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية، بالتناوب، والذي عمل منذ إنشائه على حفظ القيم ونشر السلام وحفظ النسيج الوطني المصري الأصيل، وتأكيد المواطنة والعمل معا من أجل مستقبل أفضل، والذي قطع الطريق أمام محبي إشعال الفتن، كما حافظ على الشخصية المصرية وصان هويتها.
وانطلاقا من دورة المجتمعي سعى الأزهر الشريف لتشكيل لجنة مصالحات دائمة للقضاء على ظاهرة الثأر ووأد محاولات الفتنة واستطاعت إنهاء الخصومات الثأرية فى كل المحافظات المصرية، من خلال التنسيق مع الجهات المعنية في الدَّولة، لتختفي معها ظاهرة الثأر رويدا رويدا، وذلك بعد حادث الثأر الشهير والأعنف فى السنوات الماضية بين قبيلتى الهلايل والدابودية،
وانطلاقا من رسالته العالمية لنشر قيم المحبة والتسامح والسلام والأخوة الإنسانية، عقد الأزهر الشريف العديد من الندوات والمؤتمرات دولية لترسيخ دور مصر الريادي ولنشر السلام ولمكافحة التطرف وبناء جسور السلام، والتى كان لها الأثر في ترسيخ دور مصر في قيادتها وتصدرها للقضايا العالمية، وأسهمت تلك المؤتمرات والندوات في تجديد الفكر الدينى وناقشت المفاهيم المغلوطة، مثل مؤتمر " الحريَّة والمواطنة..التنوُّع والتكامل" بمشاركة 50 دولة فى عام (2017م)، ومؤتمر "الأزهر العالمى للسلام" بحضور عدد من القيادات الدينية من أنحاء العالم فى عام (2017م)، "منتدى شباب صناع السلام" فى عام (2018م) بمشاركة 25 شابًّا من أوروبا، قامت باختيارهم أسقفيَّة كانتربري بلندن، و 25 شابًّا من العالم العربي، قام باختيارهم الأزهرُ الشريف ومجلس حكماء المسلمين من عِدّةِ دولٍ عربية، مع الحرص على تَنَوُّع مَشارِبِهم الدينية والتعليمية والثقافية؛ بما يعكس ثَراءَ الشرق وتَعدُّد جذوره الفكرية والثقافية، و"مؤتمر الأزهر العالمى لنصرة القدس" فى عام (2018م) بمشاركة ممثلين عن 86 دولة من مختلف قارات العالم ، وندوة "الإسلام والغرب تنوع وتكامل" فى عام (2018م بحضور دولى رفيع المستوى يضم 13 رئيسا ورئيس وزراء سابقين من قاراتى آسيا وأوروبا، إضافة إلى نخبة من القيادات الدينية والفكرية والشخصيات العامة من مختلف دول العالم.