"ورش الكتابة" آفة انتشرت مثل السرطان داخل الوسط الفني، فبعد سنوات طوال من صرخات النقاد، ونداءات مؤلفي المسلسلات والمخرجين، بضرورة الاهتمام بـ"الورق"، ومراعاة عدم المط والتطويل في الأحداث، وانتهاء عصر عباقرة كتاب الدراما أمثال أسامة أنور عكاشة، خرج علينا اختراع "ورش الكتاب" تحت مسمى "العصف الذهني الجماعي"، وبرغم هجوم البعض عليها وتوجيه بعض الانتقادات ضدها، باعتبارها تؤدي أحيانًا إلى عدم انسجام النص بشكل كامل بشخصياته وأحداثه، إلا أنها انتشرت في السنوات الأخيرة بشكل كبير، حتى نظرنا إلى السباق الرمضاني الجاري 2023، ووجدنا أن أغلب الأعمال سيطرت عليها ورش الكتابة، وفي مقدمة هذه الأعمال "الأجهر" للفنان عمرو سعد، و"الهرشة السابعة"، و"الصفارة" و"المداح"، و"كامل العدد"، و"سره الباتع"، وغيرها من الأعمال، التي لجأ مؤلفيها إلى الورش، والسبب المعلن "ضيق الوقت"، هذا بالإضافة إلى معاناة بعض الشباب في هذه الورش، وسرقة أفكارهم وأسمائهم وطموحاتهم، أو أخذهم مجرد ملاليم مقابل الحلقات، وأمور أخرى كثيرة سنكتشفها.
ولهذا السبب قررنا أخذ رأي بعض الفنانين والنقاد والصناع وشباب الورش في الأمر، وهو ما سنكتشفه خلال السطور التالية:
في البداية قال المخرج مجدي أحمد علي، إنه مع الورش في المسلسلات الدرامية، ولكنه يرفضها في الأعمال السينمائية؛ لأنها لابد من تطبيق فيها حرية الإبداع الفكري لشخص واحد، موضحًا أن الورش لها مميزات ولها عيوب، فمن مميزاتها في الدراما، أنه يتم كتابة الحلقات بنوع من أنواع الأحتراف، وخصوصا عندما يكون المشرف عليها شخص مميز وقوي، أمثال مريم نعوم، أو عبد الرحيم كمال؛ لأنهم يشجعون ويديرون الشباب لتنفيذ ورق كويس، أما الشئ السئ فيها، هو أن بعض الورش تستغل الشباب وأسمائهم، بجانب أنه يعيب على بعض الأعمال التي تدخل فيها الورش، افتقاد وحدة الدراما، والبنيان الدرامي يكون غير متناسق، والشخصيات نجدها تتحدث بطرق مختلفة، وهي أشياء تضر العمل.
ورش الكتابة
أما الفنان سامح الصريطي، عضو نقابة المهن السينمائية السابق، فقال إن هناك الكثير من الورش الجادة التي تقام من أجل تدريب الهواة، وأخرى تمارس هذه الورش كتجارة فقط.
وأضاف "الصريطي" في تصريحات خاصة لـ "بلدنا اليوم" إنه ليس ضد الورش الفنية أبدًا إذا كان هدفها هو تدريب الهواة وإشباع رغباتهم في المعرفة والتعلم وخوض التجربة، مشيرًا إلى أن هذا يساعد كثيرًا على رفع التذوق الفني لديهم.
ولفت إلى أنه ضد الورش الفنية في حالة واحدة فقط، وهي إن كانت تقام من أجل مداعبة أحلام من يريدون أن يمتهنوا مهن الفن سواء كتابة السيناريو، أو التمثيل، أو الإخراج، أو التصوير، ليكسبوا من ورائهم وتتاجر بأحلامهم، مما تؤدي في النهاية إلى فقدان هؤلاء الشباب للأمل في مستقبلهم.
وبصفته عضوًا سابقًا بنقابة المهن السينمائية، قال سامح الصريطي إن النقابة لها دور كبير في حماية أحلام ومسقبل الشباب الذي يريدون أن يدخلوا الوسط الفني في كافة مجالاته، لذلك فهي رأت أنها أولى بتقديم هذه الورش لتدريب الموهوبين فقط ومن يعملون بتصاريح وأيضا من يريد رفع كفاءته الفنية، متابعًا: لذلك ورش النقابة تعد أكثر احترافية من الخارجية.
وفيما يخص أنه من الممكن أن يتم الاستغناء في المستقبل عن المعاهد المتخصصة سواء في السينما أو المسرح، أكد سامح على أنه لا يصح أبدًا أن نقارن الورش الفنية بمعاهد السينما والمسرح فهناك فرق كبير بين التدريب والدراسة المتخصصة، فالأخيرة تدرس للشباب 4 سنوات كل تفاصيل والكتب وتاريخ السينما والمسرح العالمي والعربي والمحلي وهو غير متاح في الورش، بجانب التدريبات المكثفة لها.
ورش الكتابة
ومن جانبه قال الفنان محمد صبحي، إن ورش الكتابة أصبح يلجأ إليها بعض المؤلفين مؤخرًا حتى يوفروا وقتهم ومجهودهم في الكتابة، مشيرًا إلى أن لا يفضل الأعمال الناتجة عن الورش نهائيًا؛ لأنه يراها تهدد الفن والدراما والأعمال؛ بسبب اشتراك أكثر من شخص في كتابة السيناريو.
وأضاف "صبحي" في تصريحاته الخاصة، إن ورش الكتابة ما هي إلا مجموعة من الأشخاص 5 أو 6 شباب يتجمعون لكتابة سيناريو، وما أتعجب بشأنه، "إزاي الفن ميخرجش من ذهن واحد؟"، "إزاي 6 يشتركوا في الكتابة؟"، النحات عشان ينحت تمثال مبيجبش واحد ينحت العين، وواحد الفم وواحد الأنف، وواحد الجبهة لأ، كل حاجة بتخرج من عقله، فالحقيقة مسألة ورش الكتابة مرض مخيف انتشر بشكل كبير وأصبح يهدد الفن المصري.
ورش الكتابة
والسيناريست هاني المصري، رئيس أكاديمية الجيل الثالث للسينما، التي يقدم من خلالها العديد من الورش الخاصة للشباب، قال إن الورش الفنية خلال الفترة الأخيرة شهدت ظهور قوي جدًا، وحققت نجاحات كبيرة وتخرج منها عدد كبير من النجوم الذين يشغلون الساحة الفنية سواء السينمائية والدرامية في الوقت الحالي.
وأضاف "المصري" أن تلك الورش تلعب دورًا كبيرًا في تطوير موهبة الشباب وصقلها بخبرة مدربيهم في كل المجالات، ويوجد بها الشكل الحكومي المتمثل في أكاديمية الفنون، وأيضا الشكل الخاص المتمثل في الأكاديميات والشركات الفنية.
وأوضح هاني أن هذه الورش تعمل على خدمة مواهب كثيرة لا تسطيع الالتحاق بالمعاهد الحكومية المتخصصة، التي لا يدخل بهى سوى 25 طالبًا من كل عام، بجانب أنها تعمل على جذب الكثير من الشباب من جميع محافظات مصر، لإعطائهم فرصة لإظهار موهبتهم المكبوتة، مشددًا على أنه لايمكن الاستغناء عن الورش الخاصة وأنها مثلها مثل الجهات الحكومية.
ولفت إلى أنه لا توجد جهه في مصر تستطيع خدمة أكثر من ١٠٠مليون مواطن، وفي أمريكا والدول الأجنبية يستخدمون الاستديوهات الخاصة التي تساعد في عملية اكتشاف وتدريب المواهب.
وعبر هاني عن غضبه من استخدام مصطلح سبوبة على ورش الفن، مشيرًا إلى أن بعضها يكون وهمي وسبوبة وفي المقابل البعض الآخر محترم ويحاول جاهدًا على تقديم كل ما يفيد المشتركين، متابعًا: "يجوز أن تكون هناك بعض المكاسب المادية لهولاء الشركات وذلك لأنه لابد أن من توفير أدوات كثيرة لإتاحة الفرصة للمتدرب، ومناهج مميزة، ووتخصيص مدربين كبار.
واختتم رئيس أكاديمية الجيل الثالث للسينما، حديثه مشيرًا إلى أنه طوال عمله بالأكاديمية مر عليه الكثير من المواهب سواء في مجال التمثيل أوالإخراج أوالكتابة، جميعهم لا يحتاجون إلا لفرصة حقيقية لإثبات أنفسهم، وهم يستحقون ما يراهم، موضحًا بأن منهم من يقدمون أعمال مميزة على مسرح الشباب والهواه أو أفلام قصيرة علي قنوات اليوتيوب ومنها ما تقدم بالمهرجانات المتخصصة بالأفلام القصيرة.
وكان للناقد الفني رامي عبد الرازق، رأي آخر، فرأى أن ورش الكتابة في مصر الغرض الوحيد منها أن الحلقات تكتب بسرعة، وأغلبها مستواها ضعيف باستنثاء ورش كتابة لمريم نعوم التي يكون غرضها الأساسي وجود أكثر من موهبة وخبرة فيها، وذلك يظهر في مسلسلاتها حقيقةً، غير ذلك قليل جدا من ورش الكتابة التي تقدم أعمال درامية بمستوى فني جيد، ونعي جيدا أننا ندور بسبب الورش في قوالب نمطية دراميا أو محاولة محاكاة أعمال فنية قديمة سواء مسلسلات أو أفلام أو استغلال نجاح أجزاء من مسلسلات سابقة وتقديم نفس الفكرة مرة أخرى أو محاولة تقديم مسلسل من أجل التريند فقط، مؤكدًا على أنه لا بد من إدارة هذه الورش بطرقة معينة، ومن أشخاص متخصصين.
وأضاف "عبدالرازق" أننا كنا نشاهد مسلسلات للكتاب الكبار محفوظ عبد الرحمن ووحيد حامد وأسامة أنور عكاشة، تتجاوز الـ 100 حلقة، وتميزوا لأنهم كانوا يملكون مشاريع فنية ضخمة ومهمة ولديهم وعي وثقافة غزيرين جدًا، على عكس الموجودين حاليا في السوق فيتم كتابة مسلسل 30 حلقة من 4 مؤلفين كورشة كتابة ويعلنون تضررهم أن الوقت ضيق، ويعملون في أشهر قليلة، كأنهم يتباهون بالخطأ وذلك كله ضد الإبداع الفني حقيقة، ومن رأيي أن أسوء ما أفرزته هذه الصناعة تباهي الكتاب والصناع بمثل هذه الأشياء السلبية.
ورش الكتابة
وأشارت المخرجة شاهي محمود مدير عام أكاديمية الجيل الثالث للسينما، ورئيس مجلس إدارة وصاحبة شركة شاهي ميديا للدعاية والإعلان، إلى أن دور الرقابة في ما يخص الورش الفنية يقتصر على تحديد من هم يشعيون الوهم، وإيقاف الورش غير المرخصة باعتبارها غير قانونية.
وأضافت شاهي أن هناك العديد من الأفراد يعملون بدون وجود كيان كشركة أو مؤسسة أو جمعية ثقافية، يعملون بدون أي نوع من أنواع الرخصة مما يودي إلى أن هؤلاء يعبثون بأحلام الشباب، وهنا يأتي دور النقابة في إيقافهم.
وأكدت "محمود" على أن الورش تخدم عدد كبير جدًا ممن لديهم مواهب حقيقية، ولا يقتصر فقط على أبناء العشرينات، مشيرة إلى أنه هناك بعض الأشخاص يشتركون في الورش وأعمارهم تتخطى الثلاثين والأربعين، ولم تأتي لهم الفرصة لإظهار موهبتهم، وفقط الورشة هي من تستطيع إخراج إبداعتهم وطاقتهم، كما تعطي الفرصة لأبناء القرى والمدن والمحافظات من الصعيد وبحري، وهو على عكس تمامًا ما يحدث في معاهد السينما والمسرح.
ولفتت إلى أنه من الضروري في الفترة المقبلة الاعتماد علي الشباب لخروج جيل جديد، كما هي طبيعة الحياة "جيل يسلم جيل"، متابعة: علينا من الآن تجهيز أجيال باستمرار لكي يتعلموا من أساتذتهم حتى يستلموا مكانهم.
وكشفت مدير عام أكاديمية الجيل الثالث للسينما، أن هناك نماذج مختلفة من كل المحافظات قدمت عليها بالأكاديمية، وتحديدًا في مجال التمثيل، وكان أملهم إيجاد فرصة حقيقية، والأكاديمية ساهمت كثيرًا في مساعدتهم فبعضهم شاركوا بأدوار صغيرة كبداية لهم في الموسم الرمضاني الماضي، وبينهم من شارك في عرضو مسرحية كبيرة وآخرهم كان فنان شاب يدعى تامر سمير، الذي تولى بطولة عرض مسرحية "وراء الشمس"، وشارك معه بها أحد خريجي الأكاديمية أيضًا الشاب حاتم فرج.
طلاب الورش
قالت إسراء سمير إحدى الطالبات اللاتي التحقن بمجموعة كبيرة من الورش الفنية، والتي كانت آخرها ورشة سينارية بمركز سنيما الحضارة بدار الأوبرا المصرية، إن الورش مهمتها مساعدة الطلاب على تزويد خبراتهم وتطوير من أنفسهم خصوصًا لو كانوا ممن يهتمون بالمجال، ويحبونه ويرغبون في العمل به طوال حياتهم.
وأضافت "سمير" في تصريحات خاصة لـ"بلدنا اليوم" أنه من الممكن أن نستغنى عن معاهد السينما والمسرح في حالة واحدة فقط وهي استمرار الطالب في التنقل من ورشة لأخرى واكتساب خبرته من كل محاضر ومحاضرة يشارك فيها، خاصًة لو إخراج.
ولفتت إلى أن كثير جدًا تكون هذه الورش مجرد سبوبات، والدليل على ذلك مشاركة ممثلين أو مخرجين أو مؤلفين كثيرين بورش على الرغم من عدم كفاءتهم أو عدم وجود الخبرة الكافية لديهم.
وعن المحتوى والمسوى الفني الذي يتلقوه، أكدت إسراء على أنها بالنسبة لها كانت الورش تعطيها مساحة كبيرة للإطلاع على أمور وتفاصيل كثيرة لم تكن ستعرفها وحدها ولم تستطع الحصول عليها أثناء دراستها بمعد الفنون المسرحية.
وطالبت النقابة ببذل الجهد الكافي للتأكد من حصول كل الورش التي تظهر على تصاريح منها حتى يتم الحفاظ على أحلامهم، قائلة: "كل حد مننا لما بيقدم في ورشة بيبقى عنده امل إنها تكون خطوته الاولى للحلم لكن بعد ما بنخلص بنكتشف إن لسه كتير".
ومن جانبه قال أحمد متاريك، إن ورش الفن لا تساعد أحدًا نهائيًا؛ لأت معظمها لا يقدم سوى محتوى نظري بحت من السهل إيجاده داخل الكتب وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن كل من يذهب لحضور هذه الورش يعرف جيدًا أنه لا يتعلم شيئًا جديدًا، ولكنه يذهب أملًا في تزويده ببعض العلاقات سواء مع المؤلفين أو المخرجين أو الممثلين مقدمي الورش.
وأضاف "متاريك" أنه لا يمكن أن تغني الورش الخاصة عن المعاهد الحكومية المتخصصة لسبب وهو أن الإثنين لا يكون لهما تأثير كبير على الأشخاص، والموهبة هي العامل الأساسي في الموضوع، ويأتي بعدها الممارسة.
وأكد أحمد على أن الورش ما هي إلا مجرد سبوبة كبيرة للمتاجرة بأحلام الشباب، واستغلال تقيد العمل داخل الوسط على المعارف، وعدم إتاحة الفرص أمام المواهب الحقيقية، مما يجعلوا ملجأهم الوحيد هي الورش لتعزيز علاقاتهم.
وتابع: أكبر دليل على أن هذه الورش سبوبة، هو أن ما يقال في جميع المحاضرات تقريبًا واحد لا يحتوي على مادة علمية جديدة، ولا يوجد به أي فائدة فنية على الإطلاق، موضحًا بأن الشئ الوحيد الذي يعطي الشباب فوائد فنية هي الممارسة، وهو ما تفتقر إليه الورش، بجانب القليل منها.
وأنهى أحمد متاريك كلامه قائلًا: إن هذه الورش لا يوجد أي رقيب عليها فهي تفعل ما تريد أن تفعله، تحدد أسعار الالتحاق بها حسب شهرة المحاضر التي تتعاقد معه، متابعًا: يقولك تامر حبيب، أو عمرو سمير عاطف، أو أحمد مراد، تروح الشباب كلها جاريه لمين 30 ألف جنيه في أربع أيام، وبعدين محدش يعرف عنهم حاجة